مريم عبداللطيف النعيمي
لا شك في أن قوة أي بلد تكمن في شبابها، كما توضح رؤية قطر لعام ٢٠٣٠، ولا يوجد استثمار أكثر استدامة من الاستثمار في العلم، وعلى هذا الأساس بادرت دولة قطر على جلب العديد من الجامعات والمؤسسات التعليمية والأحسن سمعة للمساهمة في ازدهار شبابها اللذين هم قادة المستقبل، ورواد الأعمال، ورواد التطور في بلادنا، وتعد مريم عبد اللطيف النعيمي من الأمثلة الرائعة على نتيجة استثمار قطر في شبابها، وهي من خريجات جامعة كارنجي ميلون، دفعة ٢٠١٧، فقد بادرت في استثمار وقتها لتحسين مجتمعها، وتمكنت من الموازنة بين حياتها الأكاديمية كطالبة في مجال نظم المعلومات، وبين المشاركة في العديد من الأنشطة، مما ميزها كواحدة من أكثر الشابات نشاطاً في المدينة التعليمية، ولهذا نقدم مريم عبداللطيف النعيمي كإحدى النساء القطريات الملهمات.

كيف كانت تجربتك كطالبة في جامعة كارنجي ميلون؟
كنت طالبة في مجال نظم المعلومات مع التركيز بشكل خاص على تخصص تصميم واجهة المستخدم، وأيضاً تخصصت تخصصاً فرعياً في التاريخ، ولكن لم أكتفي بدراستي هذه فقط، فقد درست العديد من المجالات الأخرى من خلال المواد المتوفرة في الجامعة، منها الفلسفة ودراسات الإنسان والفنون والهندسة، لأنه كان من المهم بالنسبة لي أن أحصل على نطاق واسع من المعرفة العامة التي يمكنني الاعتماد عليها بالإضافة إلى تخصصي، و إلى جانب دراستي الأكاديمية، شاركت في العديد من الأنشطة التطوعية واللامنهجية، والتي كنت أشارك فيها منذ مرحلة الثانوية.
في الثانوية كنت عضوًا في مجلس الطلاب حيث ساعدت في تنظيم الكثير من الفعاليات مثل مسرحيات عرض المواهبوبيع المخبوزات. كما نظمت رحلة تطوعية إلى دار المسنين مع مستشفى حمد كجزء من مشروعي الشخصي، وهو مشروع كان علينا إكماله من أجل الانضمام إلى برنامج البكالوريوس الدولي. كانت هذه المبادرات هي التي أظهرت لي أن لدي شغفًا لإدارة الفعاليات والمناسبات و قدرتي على أن أكون قائدة مشروع ضخم مهما كان نوعه.
عند التحاقي بالجامعة أسّست نادي "الأيدي المساعدة"، وهو نادي خيري تطوعي. كان السبب الرئيسي وراء تأسيس هذا النادي هو رغبتي في سِد فجوة، كان لدينا المثر من الحركات والأندية في الجامعة، لكن لم يكن هناك نادٍ لسد حاجات الأعمال الخيرية والتطوعية. "الأيدي المساعدة" تأسس بهدف في تيسير العمليات الخيرية في الجامعة عن طريق توفير منصة متاحة لكل طالب لطرح أفكاره الخيرية والتي يمكن أن يساعده أفراد النادي في تنظيمها، وفي الوقت نفسه تم ترشيحي لأصبح رئيساً لجمعية الطلاب القطريين.
وقد تعلمت في هذه اللحظة من حياتي موعظة مهمة: إن لم تكن حياتك فوضوية فأنت لا تفعل ما يكفي. لقد كان التوفيق بين حياتي الأكاديمية واللاكاديمية صعباً جداً ولكن الصعوبات التي جاءت مع ذلك علمتني بعض الدروس القيمة التي أفادتني في الحياة ما بعد الدراسة مثلاً، أنه لا يوجد شيء في هذا العالم يمكن لأي شخص أن ينجزه بمفرده، وحتى لو تمكن من ذلك لن يكمله بأحسن صورة. يتطلب كل مشروع بتكوين فريق سواء كان فريقاً من الأصدقاء أو أفراد الأسرة أو المهنيين ليكون العمود الفقري لإدارته. بمجرد أن أدركت ذلك، حاولت أن أشارك في أي شيء مفيد بشرط أنه لن يؤذي مسيرتي الأكاديمية. وبالطبع كانت لدي أولوياتي دائماً، وعندما وجدت أن أحد المشروعات استنفد الكثير من وقتي، كان علي اتخاذ بعض القرارات الصعبة.
ماذا حدث لنادي الأيادي المساعدة بعد أن تخرجتِ؟
على جميع من يريد فتح نادٍ في الجامعة كتابة وثيقة، يجب أن تحتوي على جميع المعلومات المتعلقة بالنادي واستمراريته. وهذا يشمل القواعد واللوجستيات الهرمية وعدد الأعضاء التنفيذيين بالإضافة إلى الاستراتيجية الاختيارية للرئيس القادم ونائب الرئيس، وغيرها الكثير. والغرض من هذا هو ضمان إمكانية استمرار النادي بعد رحيل المؤسس ،وحتى الأن نادي الأيادي المساعدة عضو ناجح في الجامعة، وما زال يستضيف ويشارك في العديد من المهرجانات والفعاليات في المدينة التعليمية. وقبل أن أتخرج فاز بجائزة أفضل نادي لهذا العام. في أيام إدارتي أنا للمشروع كنا نفوز بجائزة أفضل كشك في المهرجانات، لذا فإنه فعلاً تطور إلى الأفضل مع الوقت.
لقد أكدتِ على أهمية امتلاك نطاق واسع من المعرفة العامة خارج حدود تخصصك، ما هو السبب في ذلك؟
اخترت تخصصي في وقت كنت لا أزال حينها أواجه صعوبة في الاستقرار على تصورمستقبلي. قررت أن أتخصص في نظم المعلومات على أساس موثوقيتها كمهنة. لقد أحببت واستمتعت بوقتي في دراسة نظم المعلومات، ولكنه ليس المجال الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة لي. حتى اليوم لم أجد المجال الذي أشعر بالحماس تجاهه. أعتقد أن المجال الذي يستهويني هو تنظيم الفعاليات والمهرجانات، ولكن فقط بشكل لا يجعلني أُصاب بالجنون.
حدثينا عن مشروعك الأخير: كافينيتد..
كان هدفي في آخر سنة دراسية لي أن أوسع آفاقي وخبراتي عن طريق تنظيم بعض الفعاليات والمهرجانات خارج نطاق الجامعة. لقد تعاونت من قبل مع جامعة حمد بن خليفة ، وبالتحديد الإدارة في مركز الطلاب في مؤسسة قطر، لتحضير حدث يسمى "قطر قلوري" والذي يهدف إلى دعم المشاريع القطرية. الفريق مرحب للغاية ويدعم أي طالب يرغب في تقديم أفكار. وفقاً لذلك، ذهبت معهم بفكرتي القادمة: كافينيتد.
الفكرة وراء هذا الحدث ولدت من حبي للقهوة. شعرت بأن الناس لا ينظرون إلى القهوة كشيء أكثر من الشراب الذي بين أيديهم، لذلك أردت أن أعرض عليهم ثقافة القهوة الواسعة التي أحببتها. قررت أن أفعل ذلك من خلال مهرجان ممتع فجمعت الكثير من المقاهي التي يملكها القطريون في مكانٍ واحد. لقي المشروع نجاحاً كبيراً، و كان أصحاب المقاهي يقفون بفخر بجوار الأكشاك الخاصة بهم وكانوا يجدون الإلهام من البيئة المحيطة بهم، بل كانوا حتى يتواصلون مع بعضهم البعض بين الأكشاك . إنه مجتمع لا يزال على قيد البناء ويتزايد باستمرار. وبسبب هذا النجاح كنت أرغب في أن يكون الحدث التالي أكبر، لذا فتحنا المجال للرعاة. أكبر راعي لنا كان فودافون، والذي بنى كبينة قهوة مع مساعدة "إيمباير كافيه." ولأنني كنت أريد أن أسلط الضوء على خبرات مالكي المقاهي والأشخاص الناجحين في صناعة القهوة قمنا بترتيب مقابلات وعروض حوارية وحتى مسابقات في وقت الحدث.
لقد ذكرتِ أنكِ تحبين العمل مع فريق، كيف كان فريق مشروع كافينيتد؟
لا زال الفريق صغيرًا جدًا. في البداية كان عبارة عن نفسي مع مساعدة بعض الجهات المستقلة. ولكن مع نمو المشروع آمل في إنشاء فريق أكبر. كما ذكرت سابقاً، إن وجود فريق قوي ومتماسك أمر ضروري لنجاح أي مشروع ولهذا السبب أنا شديدة الاهتمام في أن يكون لدي فريق مستقر لكافينيتد، لذلك فإنني أخذ وقتي قبل توسيع الفريق بأعضاء جدد.
كيف تعاملتِ مع ضغط إدارة فعاليات كبيرة؟
عملية إدارة الفعاليات توتر الشخص من جميع النواحي، عقليًا، جسديًا، اجتماعيًا، وروحيًا. إنه من نوع التوتر الذي يتبعك طوال اليوم، لا يمكنك فقط أن تسجلي الخروج في الساعة الثالثة، على سبيل المثال. عندما أعمل على مشروع أقضي طوال اليوم في التفكير فيه والشيء الذي ساعدني أكثر هو الدعم الذي حصلت عليه من أحبائي. كل من والديّ وأصدقائي، الناس الذين يعرفونني جيداً، تمكنوا من تهدئتي بعد يوم طويل. ويذكروني باستمرار سبب قيامي بمهامي. يحتاج الشخص إلى نظام دعم ، هذا هو أهم شيء للتعامل مع الضغط في رأيي.
كيف وازنت وقتك بين الدراسة والأنشطة اللامنهجية وحياتك العائلية؟
لم يكن ذلك سهلاً. أنا أول من التحق بالجامعة وأول من تخرج بصفتي الابنة الأكبر. كان من الصعب على والدي أن يفهما كمية الوقت الذي تطلبه دراستي ومشاريعي في البداية، خاصة في سنتي الأولى في الجامعة عندما كنت لا أزال أحاول إيجاد توازن بين عملي وحياتي العائلية. ولكن بعدما تمكنا من رؤية نتائج عملي أصبحا أكثر تساهلاً حيث أنهم تمكنا من فهم متطلبات العمل التي كنت أتطلع إلى تحقيقها. ولكن احتاج ذلك إلى الاحترام والتقدير من جهتي أيضاً، فبينما كنت أعمل من الساعة السابعة صباحاً وحتى التاسعة مساءً خلال أيام الأسبوع، كنت أخصص يوماً كاملاً في عطلة نهاية الأسبوع لعائلتي فيما يتعلق بوالدي وإخلاصهما لي، والحقيقة هي أن معظم الآباء لا يحاولون أن يصعبون الأمور على أبنائهم، إن مخاوفهما جزئياً نتيجة فقدهم لك وجزئياً نتيجة قلقهما عليك، إنهم قلقون من أنك تركزعلى شيء واحد وتفقد المسار الأكثر أهمية.
ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟
لا شيء أهم من الحصول على رضا الله والوالدين، فاحرصي على أن تكون كل أفعالك في سبيل تحقيق هذا الهدف لا لإرضاء الآخرين وخوفاً مما يقولونه، فإرضاء الناس غاية لا تدرك، فاحذري أن يفني عمرك وسعادتك في ذلك.
فاطمة النعيمي
- جميع الصور تم مشاركتها معنا من قبل صاحبة المقابلة، وإن اختلف المصدر سيتم الإشارة إليه.
- تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.