د. أسماء علي آل ثاني

العميد المؤسس

لكلية العلوم الصحية في جامعة قطر

حققت المرأة القطرية قفزات كبيرة في مختلف المجالات العلمية والعملية. كقطريين نحن نفتخر بأن لدينا نساء قطريات ملهمات يساهمن ويضعن بصمتهن في نهضة قطر على كافة الاصعدة. وفي هذه المقابلة، سوف نركز على إنجازات المرأة القطرية في مجال الصحة والعلوم من خلال إلقاء الضوء على نموذج مشرف في مجال البحث العلمي وإدارة المؤسسات الاكاديمية والبحثية. نستضيف الدكتورة أسماء علي آل ثاني، العميد المؤسس لكلية العلوم الصحية في جامعة قطر، مديرة مركز البحوث الطبية الحيوية، نائب رئيس مجلس أمناء قطر "بايو بانك" ورئيسة لجنة برنامج الجينوم القطري من هي الدكتورة أسماء؟

أنا خريجة جامعة قطر، تخرجت عام ١٩٩٠ بتخصص مزدوج في الكيمياء التحليلية والعلوم الحيوية الطبية. بعد ذلك، عملت كمساعدة تدريس في جامعة قطر. ثم انتقلت إلى بريطانيا لأكمل دراساتي العليا في مدرسة لندن للصحة العامة والطب الاستوائي، والتي هي الفرع الطبي من جامعة لندن، حيث تخصصت في علم الفيروسات الطبية. بعد أن تخرجت، عدت للعمل كأستاذ مساعد في جامعة قطر تدرجت كثيراً في المناصب الإدارية منذ تعييني في جامعة قطر في ٢٠٠٥ الى أن أصبحت في عام ٢٠١٢ رئيسة قسم العلوم الصحية، ومن بعدها العميد المؤسس لكلية العلوم الصحية. وخلال هذه الفترة شاركت في الكثير من اللجان الوطنية، من بينها (اللجنة الوطنية للأبحاث البشرية) على مستوى وزارة الصحة. تهدف هذه اللجنة إلى مراقبة المؤسسات البحثية، وخصوصاً المؤسسات التي تستعمل عينات بشرية بغرض الحفاظ على حقوق المريض أو المتطوع والتأكد أن هذه الأبحاث لا تشكل أي ضرر على الأخرين. على سبيل المثال، من الأمور التي نبحث فيها: هل تم الحصول على موافقة الشخص؟ كيف يعاملون الضعفاء أو المجموعات المحتاجة مثل المساجين أو الأطفال أو النساء الحوامل الخ. وفي عام ٢٠٠٦، أصبحت عضو في اللجنة المنفذة ل(قطر بايو بانك) التابع لمؤسسة قطر عندما عُينت رئيسة قسم العلوم الصحية في ٢٠١٢، لم يكن يوجد في جامعة قطر بشكل عام سوى أربع تخصصات صحية وطبية و هي العلوم الحيوية الطبية، وتخصص تغذية الإنسان، الصحة العامة، والصيدلة. وفي ذلك الوقت، أخذت جامعة قطر القرار بالتوسع في استحداث التخصصات الطبية، وشُكلت لتلك الغاية لجنة تأسيسية لكلية الطب برئاسة الدكتورة شيخة المسند (مدير جامعة قطر سابقاً) وحضرة الشيخ الدكتور عبد الله بن علي آل ثاني، وشملت أيضاً عدة أعضاء كالدكتورة حنان الكواري والدكتورة مريم عبد الملك والشيخ الدكتور حسن بن علي آل ثاني، وقد كنت من ضمن الاعضاء. بدأنا بإنشاء كلية الطب، وبعدها قمنا بتأسيس كلية العلوم الصحية ومن ثم افتتحنا قسم العلاج الطبيعي. إضافة إلى ذلك، قمنا بأطلاق عدد من التخصصات العليا مثل الماجستير في العلوم الطبية والماجستير في الصحة العامة والماجستير في الاستشارة الوراثية، كم استحدثنا هذا العام برنامج الدكتوراه في العلوم الحيوية الطبية، والجدير بالذكر أن جميع هذه التخصصات الصحية التابعة لكلية العلوم الصحية والصيدلة مخصصة للبنات فقط ونأمل أن نتمكن من اتاحة هذه التخصصات في المستقبل القريب للبنين بعد معالجة النقص في المرافق التي نحتاجها لتوفير هذه التخصصات للبنين من أهم المشاريع التي نفذناها هذه السنة هو مشروع (التجمع الطبي)، والذي يضم كليات الطب والصيدلة والعلوم الصحية، حيث أسسنا السنة الأولى المشتركة لجميع التخصصات الصحية والطبية. ففي السابق، كان طلاب السنة الأولى يوزعون بين الكليات الثلاث على حسب مسارهم الطبي ولكن أدى ذلك في بعض الأحيان إلى صعوبة الانتقال بين الكليات. لهذا السبب، طبقنا فكرة التعليم المختلط في التجمع الصحي حيث يتعلم جميع طلاب التخصصات الطبية والصحية معاً في السنة التأسيسية

 

 

هل كنت دائماً ترغبين في التخصص في مجال الصحة؟

 

نعم، دائماً كنت أعرف أنني أريد أن أتخصص في العلوم لما له تأثير كبير على المجتمع. طبعاً، جميع التخصصات العلمية والأدبية لها دورها الفريد في المجتمع ولكن أخترت الصحة بناء على أمرين: أولاً، كنت أميل للمواد العلمية كثيراً وخصوصاً الأحياء، وثانياً، كانت تلفت نظري آية قرآنية في قوله تعالى: (إنما الله يخشى من عباده العلماء). أثارت هذه الآية الفضول في داخلي وجعلتني أتساءل: لماذا يُعتبر أن العلماء ذوي إيمان عميق؟ وجاءتني الإجابة بأنهم يرون عظمة الله في خلقه. أظن أن هذه الآية تنطبق على مجال الأحياء كثيراً. عندما نتطرق الى علم الفيروسات مثلاً، نرى انه كائن دقيق لا يستطيع حتى أن يعيش إلا في جسد كائن آخر ولكن له تأثيره على البشر بأسلوب كبير، على سبيل المثال الانفلونزا سببت موت ما بين ٢٠ إلى ٤٠ مليون شخص، أي أكثر من العدد التي تسببت فيه الحرب العالمية الأولى والثانية معاً             

إن هذه الطبيعة الغريبة للفيروس ككائن حي هي التي اثارت فضولي لدراسته واستكمال تخصصي في هذا المجال. هناك أكثر من حقل بحثي في علم الفيروسات، وذلك لأن هذا الكائن الغير مرئي حتى بالمجهر الالكتروني قابل للتغيير والتطور مع الوقت. واستطعت أن أشهد ذلك بنفسي عندما أصيب اثنان من أخوتي بشلل الأطفال بالرغم من أنهم تعرضوا لنفس البيئة التي تعرض إليها بقية إخوتي، ومن ذلك بدأت أتساءل عن سبب إصابتهم بالفيروس. البعض يفسر الأمر في اختلاف الفيروسات نفسها، ولكني أظن أن العامل الأهم هو قابلية الشخص للإصابة وهذه هي الفكرة التي أحاول أن أثبتها في أبحاثي منذ أن بدأت في رحلتي الاكاديمية إلى هذا اليوم. على هذا الأساس، تنصب أبحاثي على أسباب ظهور الأمراض والأوبئة الفيروسية حيث أستطيع أن أدرس من خلالها تتطور أساليب الفيروس في البقاء واحداث الإصابات و الوفيات

هل يمكن أن تعرفينا على مشروع (قطر بايو بانك)؟

 

قطر بايو بانك هو من المشاريع البحثية السكانية حيث نجمع فيه العينات البيولوجية والمعلومات الديموغرافية (الاجتماعية والاقتصادية) لسكان قطر بهدف صنع أرشيف مفيد للمساهمة في المبادرات البحثية تستغرق عملية جمع العينات ثلاث ساعات من وقت المتطوع، نجمع خلالها ثلاث أنواع من العينات ونجري بالإضافة الى ذلك بعض الفحوصات، منها فحص النظر وفحص التنفس وفحص كثافة العظام. بعد ذلك، نقوم بعمل استبيان دقيق عن حالة المتطوع الصحية والذي يشمل وضعه الاجتماعي وتاريخ العائلة الطبي بالإضافة إلى عاداته الغذائية وعادات النوم. ومن ثم نجمع جميع هذه المعلومات في أرشيف يعكس حالة سكان قطر الصحية. ولا ينتهي تعاملنا مع المتطوعين هنا، فبعد ثلاثة أسابيع إلى شهر من مرور الفحص، نستدعيهم لنخبرهم بنتائج الفحوصات والخطوات التي يجب عليهم اتخاذها إن لاحظنا وجود أعراض معينة. يجب أن يكون المتطوع بالغاً سواء كان قطري أو غير قطري (ويكون قد عاش في قطر لأكثر من ١٥ سنة) كونهم تعرضوا إلى نفس البيئة نعتبر أنفسنا في قطر بيوبانك منصة للعلماء، حيث أننا نسهل أبحاهم. لدينا الآن عينات ومعلومات لما يقارب ثمانية عشر ألف مشارك ونتعامل مع أكثر من ١٠٠ عالم يستطيعون استخدام البيانات التي جمعها المشروع في بحوثهم ومنشوراتهم مقابل رسوم معينة. أما الطالبات، فهن معفات من دفع الرسوم وذلك بهدف تشجيعهم على إجراء المزيد من الابحاث بالنسبة لمشروع (قطر جينوم)، تأسس في عام ٢٠١٨ من قبل صاحبة السمو الشيخة موزا المسند. وفي سنة ٢٠١٦ أعلنا عن إنجاز فك الشفرة الوراثية لثلاث آلاف قطري وقطرية. و في ٢٠١٨ تم الإعلان عن وصول هذا العدد إلى عشرة آلاف. الهدف من هذا المشروع هو جمع هذه البيانات الوراثية ووضعها في شريحة بغرض تأسيس نظام تشخيصي طبي متطور. حالياً، يوجد على هذه الشريحة ثمانية آلاف حالة من بينها بعض الحالات التي لم يتم تشخيصها محليا. بالإضافة إلى الاكتشافات التي وصلت إليها جامعة كورنيل ومستشفى سدرة وغيرها من المؤسسات البحثية، ينوي هذا المشروع بجمع بيانات طبية خاصة بسكان دولة قطر، ولذلك تم تسمية هذه الشريحة بمسمى (شريحة قطر). يمكن أن تستعمل هذه المعلومات بالتالي في فحص ما قبل الزواج وفحص حديثي الولادة للتأكد من تقديم أفضل خدمة للحفاظ على صحة المواطنين. نرى في كثير من الأحيان أن المستشفيات القطرية تجد أعراض معينة في المريض لا يمكن تشخيصها في المستشفيات الغربية وذلك لأن فحوصاتهم معتمدة على البيانات الطبية والوراثية لسكان ذلك البلد ومواطنيهم. لهذا السبب، من المهم جدا أن نجمع جميع هذه البيانات عن التاريخ الطبي لسكان قطر وأن نطور مجال الطب لصالحنا من أحد الأمور الهامة التي نعمل عليها حاليا تقرير الجينوم الشخصي. يقدم هذا التقرير تشخيص طبي مفصل حسب الشفرة الوراثية للشخص. بهذه الطريقة، يعرف الشخص الأمور التي يجب أن يتجنبها من الأطعمة وغيرها من عوامل مهمة مما يساعد على إدارة صحته. ولأن الكثير يصيبهم قلق وخوف من معرفة التقرير المفصل عن حالتهم الصحية، فقد قمنا بالتعاون مع جامعة حمد بن خليفة وجامعة قطر لإيجاد برامج اكاديمية تساعد على تطبيق هذا النوع من الطب الجيني. ففي جامعة قطر، أنشأنا برنامج الاستشارات الوراثية بحيث يتم تقيم حالة الشخص وتهيئته للحصول على التقرير الطبي ونتائج الفحوصات الجينية تصنف هذه المشاريع تحت بند الطب الوقائي وتتوافق مع الاستراتيجية الوطنية للصحة الوقائية. نحن نسعى على قدر المستطاع لإيجاد حل للأمراض قبل أن تظهر. ولقد أثبتت الدراسات الفوائد العديدة لهذا الفرع من الطب لا سيما الفوائد الاقتصادية. فتجنب الأمراض قبل أن تظهر يخفف الضغط على المستشفيات ويخفض نفقات العلاج في القطاع الصحي وبخاصة فيما يتعلق بالأمراض المزمنة مثل مرض السكر وأمراض القلب. ولهذا أيضا أثر كبير في تحسين نوعية حياة المواطنين وفرصهم في حياة صحية خالية من الامراض 

هل قمت بأي مبادرات لجذب الطلاب لهذا المجال؟

 

في أيامي كانت نسبة القطريات في المجال الطبي فوق ٨٠٪ ولكن مع الوقت أتيحت لهن الفرص للدخول في الكثير من المجالات الأخرى وقلت نسبة القطريات في التخصصات الصحية. لهذا السبب بدأنا بالمبادرة لاستقطاب الطالبات القطريات للمجال الصحي، وفي إطار هذه المبادرة قمنا بالتنسيق مع بعض الرعاة كمستشفى سدرة ومؤسسات طبية أخرى لنؤمن لهم فرص وظيفية بعد التخرج. بالنسبة للبنات في المرحلة الثانوية، بدأنا برنامج (صحة) والذي يعطي طالبات الثانوية صورة عن منهج التخصصات الصحية في جامعة قطر. أما بالنسبة للبنين في نفس المرحلة العمرية أسسنا برنامج علمي خاص بالطيور يتمحور احول علم الأحياء والتصنيف العلمي للصقور

 

كيف توازنين ما بين كل هذه المشاريع؟

 

ليس بسهولة فأنا أم لأربعة أطفال…وكما هو معروف فأن فترة ازدهار مهنة المرأة هي نفس الفترة التي تبدأ فيها بتكوين أسرة ورعاية الأطفال وهذا واقع عالمي. حتى عندما عملت في الغرب، لاحظت أن الرجال يتفوقون على النساء خصوصا في العلوم بحكم أنهم لا تقع عليهم نفس مسؤوليات المرأة مثل الحمل وغيرها. لذلك، ليس من السهل الموازنة، خصوصاَ إن كنت تنتمين إلى عائلة محافظة وبالطبع تريدين ارضاء جميع الأطراف. ومعياري في هذا الشأن هو الدين، حيث ان العادات والتقاليد تتغير مع الوقت ولكن الدين قائم مستمر والحمد الله نحن في قطر من وجهة نظري لدينا توافق وانسجام بين ديننا السموح وعاداتنا وموروثنا الثقافي، حيث عُرف عنا دائماً المحافظة والتوازن بين الأصالة والحداثة. فإن كان الدين يسمح لي بفعل شيء فلما أمتنع عنه؟ من المهم أن يكون زوجك وعائلتك داعمة لك أيضاً. الحمد لله طبيعة مجتمعنا تشجع العيش مع العوائل الممتدة فحتى عندما كنت أخرج لغرض ما كنت اطمئن على أطفالي لوجودهم لدى أسرة أهل زوجي والذين هم بمثابة اهلي بالنسبة للمشاريع النقطة ا الأولى: يجب أن أضع لي أولويات. النقطة الثانية: ألا أؤجل أي واجب علي فعله وإلا ستتراكم الأشغال، مثلاً ٧٠ إيميل اليوم سيصبحون١٤٠ في الغد. لذلك، اتبع حكمة لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد. ودائماً اغتنم خمساً قبل خمس: فراغك قبل انشغالك، قوتك قبل ضعفك، وشبابك قبل هرمك، الإنفاق قبل الفقر وصحتك قبل مرضك النقطة الثالثة: أن تعيني ناس كفؤين في عملهم، حتى ولو خالفوك في بعض النقاط. يجب تقديم مصلحة العمل على مصلحتك الخاصة مثلا إن تقدم أحد برأي أفضل من رأيي أرحب فيه ولا أغتر وأفرض رأيي. على عكس ذلك، أحب الناس الذين ينتقدون الأخطاء في عملي ويحفزوني لأطور منه. بالطبع، الثقة مهمة ولكن يجب أن تكون هذه الثقة مبنية على الكفاءة وليس على الدعم الأعمى. بالتالي، هي ثلاث خطوات أنص باتباعها: أن يرتب الشخص أولوياته، عدم تأجيل العمل، وإحاطة النفس بناس كفؤين

لقد مررت على أكثر من مرحلة أكاديمية ومهنية في حياتك، ما هي المرحلة المفضلة لك؟ 

 

أحب أن أكون باحثة وليست فقط مُعلمة، في بعض الأحيان أسئلة الطلبة وتعليقاتهم تتحدى نطاق تفكيري وتجعلني أفكر في أشياء جديدة. مثلاً يسألون عن أشياء لم أسمع عنها بعد، فهم يستطيعون أن يتعلموا الكثير بواسطة (الانترنت) في وقتنا الحاضر 

ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟

نصيحة عامة هي أن تلتزم بالصبر: لا شيء في الحياة يأتي بسهولة… يجب أن تسعى وراء أهدافك وتستغل أي فرصة. بادري في الاطلاع وحضور المحاضرات خارج تخصصك… وبذلك تستطيعين أن تكوني شبكة اتصال تتعرفين فيها على أناس خارج مجالك. طبعاً الحياة يوجد بها اليسر والعسر… قال تعالى: (ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، إذا كنت تملكين القدرة على فعل شيء فلما لا تسعين خلفه؟ ولا تحاولي ارضاء الناس، يجب أن يكون معيارك إرضاء الله أول

  • كاتبة المقابلة: فاطمة النعيمي.
  • تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.
AR