د. عائشة يوسف المناعي

عميدة

كلية الشريعة في جامعةقطر

د. عائشة يوسف المناعي إنَّ الإنسانَ كائنٌ مركبٌ يصعبُ فهمَهُ في معظمِ الأحيانِ، ويحتاجُ إلى الرعايةِ والتطويرِ المستمرِ ليعيشَ حياةً سعيدةً وهادفةً، وفي هذا الصددِ تأتي دراساتُ علمِ النفسِ عبرَ دراسةِ العقلِ وإفرازاتِ الهرموناتِ وتأثيرِهَا، لتساهمُ في إعطاءِ البشرِ الفرصةِ في هذه الحياة وكونُ علمُ النفسِ مادةً علميةً، لا يتطرقُ إلى روحِ الإنسانِ نفسهِا؛ لأنَّهُ يتطلبُ التطرقُ إلى ما بعد الألوهيةِ والأرواحِ، يأتي علمُ الشريعةِ ليكملَ على هذا المجالِ المتروكِ من علمِ النفسِ، حيثُ تركزُ الشريعةُ على روحِ الإنسانِ وعلى علاقتهِ بالكونِ وكعميدةِ لكليةِ الشريعةِ في جامعةِ قطرَ، أبرزتُ الدكتورةُ عائشةُ يوسفَ المناعيُّ هذا الجانبَ من الشريعةِ، وأثرتْ على العديدِ من الطلابِ بسببِ نظرتِها الفريدةِ لهذهِ المادةِ. فمنْ هي عائشةُ المناعيُّ؟  

Aisha Al Mannai

لقد حصلتُ على البكالوريوس في التربيةِ من جامعةِ قطرَ، وحصلتُ أيضًا على بكالوريوس في الشريعةِ من جامعةِ قطرَ، ومنْ ثمَّ حصلتُ على الماجستير والدكتوراه من جامعةِ الأزهرِ الشريفِ. تخصصتُ في دراستي للماجستير والدكتوراه تخصصًا دقيقًا في الشريعةِ، ألا وهو العقيدةُ والفلسفةُ الإسلاميةُ في البدايةِ عُينتُ معيدةٌ في الجامعةِ، لكنْ بعد حصولِي على الماجستير والدكتوراه عُينتُ استاذةٌ في كليةِ الشريعةِ والدراساتِ الإسلاميةِ، ثمَّ رشحتُ لمنصبِ وكيلِ العميدِ لمدةِ أربعِ سنواتٍ، وفي هذه الوظيفةِ ركزتُ على الطلبةِ وشؤونِهم بالإضافةِ إلى التدريسِ، وبعد تلك الفترةً أصبحتُ عميدةً للكليةِ لمدةِ تسعِ سنواتٍ، وهذه تعدُّ المرةَ الأولى التي تتولى امرأةُ منصبَ عمادةِ كليةِ الشريعةِ في الوطنِ العربي  

منذُ كنتُ صغيرةً كنتُ أشعرُ بنوعٍ من المسؤوليةِ، وكلُّ مَنْ شعرَ بهذه المسؤوليةِ له القابليةُ بأنْ يصبحَ قائدًا لشيءً ما، ولهذا السببُ أحبُّ أنْ أُصدرَ في كلِّ شيءٍ. على سبيلِ المثالِ عندما كنتُ طالبةً في جامعةِ قطرَ، كنتُ أشاركُ في كلِّ أنشطةِ الطالباتِ بسببِ رغبتِي وإحساسِي بالواجبِ إزاءَ كلِّ شيءٍ. حتى أننِي قدمتُ حفلَ التخرجِ مرتين، وقدمتُ كلمةَ مديرِ الجامعةِ مرةً، وعند تخرجِي (كنتُ من الدفعةِ الرابعةِ) قدمتُ كلمةَ الطالباتِ هذا الشعورُ بالقدرةِ دائمًا شجعنِي على أنْ اقدمَ - بقدرِ ما أستطيعُ- شيئًا يستفيدُ منه مجتمعي، ولا زلتُ أقدمُ إنتاجاتٍ حتى بعد كلِّ هذه السنينَ، ولهذا السببِ – الحمدُ للهِ استطعتُ أنْ أصلَ إلى مناصبَ عليا في الحياةِ لي اهتماماتٌ كثيرةٌ جدًا، منها شؤونُ المرأةِ والطفلِ والمعاقينَ، ولهذا السببِ تطوعتُ لفترةٍ في الهلالِ الأحمرِ القطريِّ، ومن ثمَّ أصبحتُ نائبَ رئيسِ مجلسِ إدارةِ الهلالِ الأحمرِ القطريِّ، وأصبحتُ أيضًا عضوًا في مجلسِ إدارةِ جمعيةِ ذوي الاحتياجاتِ الخاصةِ، ونائبَ رئيسِ مركزِ الدوحةِ الدولي لحوارِ الأديانِ. وأخيرًا منذُ سنةٍ عينتُ عضوُ في مجلسِ الشورىِ، حيثُ إننِي أصبحتُ أنا وزميلاتي من أوائلِ النساءِ اللاتي عُينَّ في مجلسِ الشورى، ونعتبرُ هذا التعيينَ مكسبًا للنساءِ القطرياتِ عامةً؛ لأنَّ مجلسَ الشورى يعتبرُ مجلسًا ذاتَ سلطةٍ تشريعيةٍ، وأنْ يكونَ للمرأةِ القطريةِ في هذا المجالِ شيءٌ غيرُ مسبوقٍ في الوقتِ الحاليِّ، أديرُ مركزَ محمدِ بن حمدِ آلُ ثاني لإسهاماتِ المسلمينَ في الحضارةِ في كليةِ الدراساتِ الإسلاميةِ في جامعةِ حمدِ بن خليفةِ، وأيضًا أنا عضوٌّ في البرلمانِ العربيِّ لأربعِ عشرةَ سنةٍ، ولدي بحوثٌ كثيرةٌ وأشاركُ في مؤتمراتٍ عدةٍ  

هلْ كنتِ دائمًا تميلينَ لدراسةِ الدينِ؟  

 

كان هدفي أنْ أتخصصَ في علمِ النفسِ، لكن في صغري لم تتوفرْ هذه المادةَ في جامعةِ قطرَ، فحاولتُ أنْ أجدَ تخصصًا يطابقُ أو على الأقلِ يوجدُ فيه نفسُ الخصائصِ لعلمِ النفسِ، فوجدتُ أنَّ الشريعةَ لها نفسُ وزنِ علمِ النفسِ، حيثُ إنها تطرحُ في مجالِها الأخلاقَ، وتدرسُ ما يشعرُ به الإنسانُ من خلقياتٍ نفسيةٍ، وكلُّ ما يدرسُه علمُ النفسِ تقدمُه الشريعةُ لكنْ بصورةٍ أخرى. 

الشريعةُ تدرسُ النفسَ، والروحَ، وعلاقةَ الإنسانِ باللهِ - سبحانه وتعالى، وعلاقةَ الإنسانِ بالإنسانِ، العباداتِ، الأخلاقَ الفضائلَ، الشعورَ والأحاسيسَ، وعلاقَُ الإنسانِ بالحيوانِ وبيئتهِ، وتطرحُ الشريعةُ الحلولَ لأمراضِ القلوبِ وما يقابلُها من علاجاتِ، وكلُّ ما يتعلقُ بعلاقةِ الإنسانِ باللهِ والكونِ الشريعةُ تُدرسُ بنوعٍ من أنواعِ التوجيهِ الربانيِّ التي أتى بها الرسولُ - صلى اللهُ عليه وسلم، حيثُ إنها ترسمُ إطارًا لعلاجِ كلِّ الأمراضِ النفسيةِ؛ ليشعرَ الإنسانُ بالمسؤوليةِ التامةِ لنفسهِ، ويرسخُ فكرةَ أنهُ لا يوجدُ تمييزٌ ما بين الناسِ؛ لأنَّ كلَّنَا أبناءُ آدمَ، إلا في أمورٍ مثلُ: "أنَّ أكرمَكم عند اللهِ اتقاكُم"، مما يعني أنَّ اللهَ يفرقُ فقط على أساسِ منْ يخلصُ نفسَه له، كلُّنَا نحترمُ بعضَنا بعضًا، حتى مع وجودِ اختلافٍ؛ خلقي واجتماعي مثلُ الجنسُ واللونُ واللغةُ والتفكيرُ والعبادةُ لكن في الوقتِ نفسهِ كلُّنا من آدمَ، فالشريعةُ الإسلاميةُ تركزُ على هذا المنطلقِ أيضًا. في علمِ النفسِ تُدرس هذه الأمورَ، ويعالجُهَا بطريقته، لكنَّ الشريعةُ تعالجُه من ناحيةِ الدينِ، فلهذا السببِ أرى أننِي درستُ علمَ النفسِ لكنْ بصورةٍ دينيةٍ؛ لأنَّ اللهَ قدر لي هذا الشيءَ زيادةً على ذلك، لدي حبٌّواهتمامٌ كبيرٌ لكلِّ شيءٍ يختصُ بالعقلِ، والدينُ يهبُ العقلَ اهتمامًا مفصلًا ومركزًا بطريقةٍ جميلةٍ جدًا. على سبيلِ المثالِ، الدينُ يأمرُنا بإعمارِ العقلِ؛ لأنَّ اللهَ خلق العقلَ ليستخدمَ بطريقةٍ سليمةٍ، فهو هادٍ ونورٌ، ومنْ ثمَّ أعطانا القدرةَ، واختلاطُ العقلِ والقدرةِ هو الذي يفرقُ ما بين الإنسانِ والحيوانِ. ومن ثمَّ بعثَ اللهُ -عزَّ وجل- لنا الوحي، الذي هو أيضًا هادٍ ونورٌ، وقال لنا: استخدموا الاثنين معًا، نورٌ على نورٍ يهدي اللهُ لنورهِ من يشاءُ، فلا يكتملُ نورُ الإنسانِ وبصيرتُه وإدراكُه للكونِ والزمانِ والمكانِ إلا إذا استخدم الاثنين معًا، وهذه العلاقةُ المميزةُ ما بين العقلِ والوحي شجعني أكثر على استكشافِ تخصصِ العقيدةِ. وما جذبني أيضًا لهذا التخصصِ هو حبي لقراءةِ كلِّ ما يختصُ بعلاقةِ الروحِ والنفسِ والعقلِ والبصرِ والبصيرةِ، فهي الأدواتُ التي تساعدُ الإنسانَ على النجاحِ في الحياةِ، وفعلاً أنا أحبُّ هذا المجالَ  

 

هلْ هناك مرحلةٌ معينةٌ من حياتِك واجهت فيها تحدياتٍ؟  

 

في كلِّ مراحلِ حياةِ الإنسانِ لا بدَ من وجودِ بعضِ الإيجابياتِ التي يتذكرُها، وبعضِ السلبياتِ، فمهما كانت المرحلةُ التي يمر بها الإنسانُ جميلةً لا بد أنَّ توجدَ عقباتٌ وتحدياتٌ، لكنْ في الوقتِ نفسِه الحمد لله - أشعرُ بنوعٍ من الرضا في كلِّ مرحلةٍ من مراحلِ حياتِي حتى مع تحدياتِها وعقباتِها، واعتبرُ كلَّ المراحلِ التي مررتُ بها مراحلَ متميزةً لكنني لا أنكرُ أنَّ ما يبرزُ في ذهني واعتبرهُ حقًا أجملَ مرحلةٍ في حياتي ألا وهي الفترةُ التي كنت فيها طالبةً، وأظنُّ أنَّ هذه الفترةَ هي أجملُ فترةٍ في حياةِ كلِّ إنسانِ، كنتُ أشعرُ بنوعٍ من المسؤوليةِ عن نفسِي فقط، وليس لدي مسؤولياتٍ كبرى، فكان ينصبُّ تركيزي فقط على الدراسةِ وعلى بذلِ مجهودٍ وعلى امتحاناتي. وكانت هذه الفترةُ أيضًا ممزوجةً بنوعٍ من اللهو والمتعةِ الرائعةِ، مما يزيد من جمالِ تلك الفترةِ في حياتي كان هناك أيضًا فترةٌ مميزةٌ من دراستي ألا وهي التربيةُ العمليةُ التي تطلبُ أنْ أذهبَ إلى أيِّ مدرسةٍ وأدرِّسُ فيها، ورغمَ صغري جعلتني هذه التجربةَ أحسُّ بمسؤوليةٍ عظيمةٍ لهيبةِ دورِ المدرسةِ هناك أيضًا فترةٌ وكالةِ وعمادةِ الكليةِ، شعرتُ بنوعٍ من التحدي الممزوجِ بالسعادةِ والفخرِ أنني أخذتُ هذا المنصبَ المرموقَ وصعبَ المنالِ للنساءِ عامةً؛ لأنَّه ينظرُ لمنصبِ عمادةِ كليةِ الدين كمنصبٍ ديني أكثر من ما هو منصبٌ أكاديمي، وفي العادةِ المناصبُ الدينيةُ لا تأخذهُ نساءٌ، الحمد لله - كانتْ هذه الرحلةُ أمرًا سهلًا وميسرًا. وفي الوقتِ نفسِه، وجدتُ الكثيرَ من الدعمِ من الناسِ، ولمْ يجادلْني أحدٌ بأنَّ هذا المنصبَ قد يكونُ حرامًا أو حلالًا، ودائمًا ما كنت أقولُ أنَّ هذا منصبٌ أكاديميٌّ وليس دينيًا، فسهولةُ هذه الرحلةُ هي تقاديرُ من اللهِ - سبحانه وتعالى. وأيضاً إدارةُ مركزٍ مثلُ إسهاماتِ المسلمينَ في الحضارة يشعرني بنوعٍ من السعادةِ والفخرِ بأنني أيضًا أساهمُ في إظهارِ عملٍ أو جهدِ المسلمينَ العلماءِ الكبارِ في الحضارة واستقاء حضارةَ الغربِ من الحضارةِ الإسلاميةِ، ويعطني نوعًا من الراحةِ النفسيةِ وراحةِ الضميرِ؛ لأنني أقدمُ شيئًا مثمرًا ينتفعُ به المسلمينَ   

ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟

 المرأةُ القطريةُ لديها قدراتٌ وإمكاناتٌ عظيمةٌ، ومن تجدُ تلك القدراتِ يجبُ ألا تبخلَ بعطائِها، فنرى اليومَ جيلًا جديدًا من الشاباتِ ذاتِ إبداعاتٍ وقدراتٍ حقيقةٍ نحن نستغربُ منها من شدةُ براعتِها. للأسفِ لا يُمكنُ الكثيرُ من الفتياتِ من إظهارِ هذه القدراتِ بسببِ عوائقَ مثلُ الأهلِ والمجتمعِ، لكن من المهمِ أنْ تتذكرَ أنَّ كلَّ إمرأةٍ برزتْ في المجتمعِ مرتْ بنفسٍ العوائقِ، ولمْ يتوقعوا أنْ يصلوا إلى مناصبَ عليا، لكن عبرَ إظهارِ إمكاناتِهم استطاعن أن يتعدوا تلك الحقبات إذا وجِدتْ إمكاناتٌ عند المرأةِ وفي الوقت نفسِه وجدتْ من يدعمُ هذه القدراتِ أنا أتصورُ المرأةَ القطريةَ قويةً ومبدعةً لها إحساسٌ بالمسؤليةِ عظيمٌ، ويكفي عندي أنني أرى نساءً متزوجاتِ ولهن مسؤلياتٌ تجاه الزوجِ والبيتِ والأطفالِ لكنهم لا زالوا يدرسونَ ويعملون ويبذلون مجهود جبار الآنَ نجدُ المرأةَ القطريةَ في جميعِ المجالاتِ، حيثُ إنه في السابق كان من الصعبِ على المرأةِ أنْ تدخلَ حتى وزارةً، لكن نرى اليومَ رجالًا فخورينَ بأنَّ بناتَهم أو زوجاتِهم يعملون في وزارة الدفاعِ أو الخارجيةِ، فانتشرتْ المرأةُ القطريةُ انتشارًا غيرَ طبيعي وبسرعةٍ في جميعِ الوزاراتِ، فتعمل مثل الرجلِ ويمكن تعمل بحرصٍ أكثرَ لتفادي التعليقاتِ على أيِّ تقصيرٍ من منطلقِ كونها امرأةً. شيئًا فشيئًا تغيرتْ النظرةُ تجاه المرأةِ، ولا زالت تتغيرُ للأحسنِ، وأنسبُ هذا التغيير القائدُ الذي يهتمُ بدورِ المرأةِ ويدعمُها في جميعِ الأصعدةِ عبرَ إبرازِه لزوجتِه وبناتِه اللاتي يقتدي بهن المجتمعُ. لكن من المهمِ أنْ تكونَ المرأةُ محافظةً نوعًا ما؛ لأنَّه لابدَ أنْ تبني وتبرزَ نفسَها في إطارٍ متحفظٍ في هذا المجتمعِ للتقدمِ بأسلوبٍ رائعٍ الذي يفرضُ الاحترامَ والتقديرَ 


  • كاتبة المقابلة: العنود الكواري.
  • تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.
AR
Scroll to Top