د. صيته علي العذبةُ
أستاذ مساعد في جامعة قطر
إنَّ اللغةَ العربيةَ ليستْ مجردَ لغةٍ منطوقةٍ، ولكنَّها مرآةٌ تعكسُ تاريخَ الأمةِ العربيةِ العريقِ. إنَّها جزءٌ من الهويةِ والثقافةِ والتاريخِ، جزءٌ بدأَ بالمحو والانقراضِ مع العولمةِ. ولذلك السببِ، إنَّ الحفاظَ على لغتِنَا الأمِّ أمرٌ في غايةِ الأهميةِ وخصوصًا في هذا العصرِ. لتنعرفْ على إحدى النساءِ القطرياتِ اللاتي حفزنَ طلابهنَ على التأنقِ بلغتِهم الأمِّ في دراسةِ النقدِ والأدبِ. منْ هي الدكتورةُ صيته العذبة؟
أعمل كأستاذُ مساعدٌ في جامعة قطر، وتخصصي هو النقدُ والأدبُ الحديث وتحديدًا الأدبُ المقارنُ. وأنا زوجةٌ وأمٌّ لثلاثة أطفالٍ،أعتزُ كثيرا بأطفالي وأعدهم مسؤوليتي الكبرى. أشكلُ أيضًا جزءًا من المستقبلِ في الجامعةِ من خلالِ تدريسِ طلابي، وأعملُ على ذلك في المنزلِ من خلال تربيةِ لأطفالي.
سابقًا كنتُ أكتبُ قصصًا قصيرةً، ولدي مجموعةٌ قصصيةٌ اسمها (النوافدُ السبعُ) نشرتُها في فترةِ دراستي البكالوريوس. وبحكمِ انشغالي لم أستطعْ أنْ استمرَ في الكتابةِ. فورَ تخرجِي من البكالوريوس عينتُ مساعد تدريس في قسمِ اللغةِ العربيةِ في جامعةِ قطرَ
مسيرتِي كلها كانتْ في قسمِ اللغةِ العربيةِ، من يوم تخرجي حتى الآنَ. لهذا السبب أعدُّ الجامعة جزءًا كبيرًا من تكويني، أولاً كطالبة ومن ثم في سنوات العمل. أشعر بأنني فعلاً أنتمي لهذه البيئة، فأنا أحبُّ الطقوسَ الأكاديميةَ، كطقوسُ البحثِ والتدريسِ والدراسةِ والنقاشاتِ المثيرةِ. وقد رافقتْ مراحلَ التغيراتِ العديدةِ التي حدثتْ هنا في جامعةِ قطرَ، وكانتْ بعضُ هذه المراحلِ صعبةً قليلاً لدي كتابٌ اسمهُ (تأثيرُ التكنولوجيا في الرواية من الورقيةِ إلى الحاسوبيةِ) ويعدُّ من الكتبِ القليلةِ التي تحدثتْ عن هذا الموضوعِ، فتخصصي الدقيقُ عن العلاقةِ بين الأدبِ والتكنولوجيا، وهو فعلاً تخصصٌ دقيقٌ ونادرٌ.
حصلتُ على الماجستيرِ والدكتوراه من الجامعةِ الأردنيةِ في تخصص الأدب والنقد الحديثين، الأدب المقارن تحديدا، وفي مرحلةِ الدكتوراه كنتُ في قائمةِ الشرفِ لرئيسِ الجامعة الأردنية بمعدلِ أربعةِ من أربعةٍ
أنا أيضًا مهتمةٌ جدًا بمجالِ التدريبِ، ودائمًا ما أطورُ نفسي في هذا المجالِ، حصلتُ مؤخرًا على عدةِ اعتماداتٍ دوليةٍ في التدريبِ، والآن أنا أعتبر مدربة معتمدة من جامعات ستانفورد، وكامبردج، وبوستن. دربتُ في العديد من الجهات في الدولةِ، وحصلت على على رخصتينِ دوليتينِ في التعليمِ، الرخصةُ الأولى في المناهجِ والثانيةُ في التعليمِ والتعلِم في التعليِم العالي. كما حضرتُ الكثيرَ من الورشِ في اتحادِ جامعاتِ الدولِ العربيةِ. من حسنِ حظي كان هذا الاتحادُ مقرهُ في عَمّانَ مما سهلَ عليّ حضور هذه الورش في فترةِ دراستي في الأردنِ
هلْ كان اتجاهُك دائمًا نحو الأدبِ واللغةِ العربيةِ؟
نعم. كنتُ أعرفُ ميولي للغةِ العربيةِ تقريبًا من المرحلةِ الإعداديةِ، ومن القصصِ الظريفةِ التي أحبُّ أنْ أرويها: قصةُ هديةٍ تذكاريةٍ من مكةَ، وقد رويتُها ذات يوم في ورشةِ (أنا طموحةٌ) للفتياتِ الصغارِ. القصة باختصار: عندما كنتُ في الصف الثاني الإعدادي ذهبتُ أمي إلى الحجِ، وأحضرتُ لي هذه الهديةِ متوقعةً مني وضعُها على مكتبي. بعد فترةٍ سألتني عن عدمِ وضعي لها، فأخبرتُها أنَّهُ عندما أصبحُ دكتورةً في الجامعةِ في تخصصِ اللغةِ العربيةِ سأضعُهَا على مكتبِي. كانت هذه الصورةُ لمستقبلي واضحةً في ذهني، وها أنا -ولله الحمد- قدْ حققتُ الحلمَ الذي حلمتُه، وأنا في الثالثةِ عشرَ من عمرِي
عندما دخلتُ الجامعةِ لمْ أكنْ أعرفُ أنَّ هناك فرقٌ بين تخصصِ التربيةِ وتخصصِ الآدابِ، وظننتُ أنَّ كلاهمَا تخصصٌ في اللغةِ العربيةِ. رأيتُ زميلاتِي يدخلونَ كليةَ التربيةِ، فدخلتُ معهم وظللتُ هناك لمدة سنة وقد أكملتُ أربع عشرة ساعةً في مواد تربوية صرفه، حينها لاحظتُ أنَّ جميعَ الدروسِ كانت تربويةً ولم أكن هذا ما أريده، وقررتُ أنْ أحولَ إلى كليةِ الآدابِ، بالرغمِ من استنكارِ صديقاتي لهذا التحويلِ
دائمًا ما تجدينَ أنَّ أساسَ أيِّ شغفٍ يكمنُ في تأثيرِ المعلمةِ على طلابِها. كانتْ معلمتي متميزةً جدًا -الله يذكرها بالخير، اسمُهَا ليلى القحطاني… هي التي حببت إليّ اللغةَ العربيةَ
هل واجهتِ أيَّةُ ُتحدياتٍ في تحقيقِ هذا الحلمِ؟
أحمدُ ربي على وجودِ شخصينِ في حياتِي، أمي أولاً وزوجي ثانيًا، فوجودُهما في حياتي، وتشجيعهُمَا لي، ومساعدتُهُمَا لي سهَّل لي طريقي كثيرًا. فأنا متعودةٌ على التفوقِ، لا أريد أنْ أتنازلَ أو أقصرَ في دورِي كأم ولا في دورِي كطالبةٍ متفوقةٍ ومجتهدةٍ
في فترة دراستي قضيتُ سبع سنينَ في الأردنِ، وأحيانًا كان من الصعبِ الموازنةِ بين الدراسةِ وتربيةِ أطفالِي، ولكنْ كانتْ أمي دائمًا مستعدةً لتخففَ عني. كذلك كان زوجِي الذي رافقنِي في هذه الفترةِ. لا يوجدُ طريقٌ خالٍ من الصعوباتِ- ولله الحمد -أمي وزوجي حملا عني الكثيرَ
ولا أتذكرُ من الرحلةِ الآن إلا الأشياءَ الجميلةَ، فأنا أؤمن أنَّ كلَّ شيءٍ يمرُّ به الإنسانُ سواءً كان سيئًا أو حسنًا يصبُّ في تقويةِ الخبرةِ والتجربةِ عنده ويكونُ لصالحهِ. وهذا يذكرني بشيءٍ أسألهُ دائمًا لطالباتي عند دخولي عليهم صباحًا "كيف الطاقةُ الإيجابيةُ اليوم؟". عندما تستشعرينَ بالطاقةِ الإيجابيةِ في أيِّ مكانٍ ستجذبينَها بحول الله. وهذا الذي يجعلني أحبُّ أنْ أحاول أبعثَ الطاقةَ الإيجابيةَ في الآخرينَ
هل لديكِ أيَّةُ مبادراتٍ خارجَ نطاقِ العملِ؟
أحاول قدر الإمكان المساهمة في خدمةِ المجتمعِ، مثلاً من خلال تطوعي للعمل كعضو مجلسِ الأمناء في عددٍ من المدارسِ. كما أني دائما ما أتبرع بتقديمِ الورشِ في كثير من الجهات، وأتمنى أن أتركُ بصمةً سواءً على مستوى الجامعةِ أو أيَّ مكانٍ في الدولةِ. كنتُ من ضمنِ المدربينَ في (كتّاب المستقبلِ) في النسخةِ الأولى منه وحتى الآنَ، وكنتُ عضو لجنةِ التحكيمِ في عددٍ من مسابقات القصص. وفي الوقتِ الحالي أعملُ على كتابِ وعدةِ أبحاثٍ، وأنا عضوُّ في فريقينِ بحثيينِ في الجامعةِ
مثلما قلتُ من قبلُ، إنَّ الحياةَ الأكاديميةَ تمثُلنِي، وكل ما فيها محبب لي. أما شغفي الأكبر فهو طالباتِي اللاتي أراهن بناتي وأحبهن كثيرًا وأرى أنَّ الحياةَ المستقبليةَ تكمنُ فيهنَّ، ولذلك لا بدَ من تركِ بصمةٍ مؤثرةٍ في هؤلاءِ الطالباتِ
ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟
نصيحتي للفتياتِ القطرياتِ أولاً هي محاولةُ الابتعادِ عن قضيةِ القشورِ والمظاهرِ التي ظهرتْ عند الجيلِ الجديدِ. إنَّ الاهتمامَ بالمظهرِ الخارجي أمرٌ لطيف، (إنَّ اللهَ يحبُّ أنْ يرى أثرَ نعمتهِ على عبده) ولكن لا يمكنُ أن يصبحَ مدارَ حياتِنَا يدورُ حولَ المظهرَ الخارجي. إنَّ الدولةَ توفرُ كلَّ شيءٍ لأبنائِهَا وبناتِهَا فمن المفترضِ أنْ يكونَ ردُّنَا على هذه الدولةِ أننَا ننهضُ بقطرَ بالعلمِ
نصيحتي الثانيةُ لكمْ هي أنْ تندفعوا نحو العلمِ والتسلحِ بالخلقِ والدينِ. هذه نصيحتي لبناتِنَا وهنَّ أهلٌ لذلك، وهنَّ مصدرُ فخرٍ، وأنا دائمًا أفتخرُ فيهنِّ وأرجو أنْ يكونَ فخري في محلهِ
مقابلات مشابهة
مها عبد الرضا فلامرزي
في هذه المقابلة، سنتعرف على مها عبد الرضا فلامرزي، لاعبة منتخب قطر لتنس الطاولة، ومهندسة كهربائية، وصاحبة مشاريع تجارية مختلفة، والتي بدأت مسيرتها في الرياضة كهواية، لتستمر فيها كمحترفة تشارك في البطولات العالمية
إقرأ المزيدعائشة جاسم الكواري
حَلُمت عائشة جاسم الكواري بإنشاء دار نشر يحتضن الأدب القطري وينميه، وفي سطور حديثها تحكي لنا عن تجربتها الطويلة في المساهمة في نهضة دولة قطر
إقرأ المزيدد. عائشة يوسف المناعي
تركزُ الشريعةُ على روحِ الإنسانِ وعلى علاقتهِ بالكونِ وكعميدةِ لكليةِ الشريعةِ في جامعةِ قطرَ، أبرزتُ الدكتورةُ عائشةُ يوسفَ المناعيُّ هذا الجانبَ من الشريعةِ، وأثرتْ على العديدِ من الطلابِ بسببِ نظرتِها الفريدةِ لهذهِ المادةِ
إقرأ المزيدكاتبة المقابلة: فاطمة النعيمي
- جميع الصور تم مشاركتها معنا من قبل صاحبة المقابلة، وإن اختلف المصدر سيتم الإشارة إليه.
- تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.