د. شريفةُ نعمانَ العماديُّ

المديرُ التنفيذيُّ لمعهد الدوحة الدولي للأسرة

في مؤسسة قطر

إنَّ أساسَ كلِّ مجتمعٍ هو مواطنيه وينهضُ المجتمعُ أو يسقطُ على أساسِ صحةِ أفرادِه. يقوم متخصصوا علمِ الاجتماعِ على تحديدِ أهم المشاكل التي تبلي المجتمع وتعيق نهوضه ومن ثم يسعون للوصول إلى حل لهذه العوائق. تختلف مستويات هذا التخصص من المستوى الفردي إلى المستوى الزوجي والأسري والدولي. لنتعرفَ على إحدى المتخصصينَ في هذا المجالِ: الدكتورةُ شريفةُ العماديُّ، المديرُ التنفيذيُّ لمعهد الدوحة الدولي للأسرة في مؤسسةِ قطر  منْ هي الدكتورةُ شريفةُ العماديُّ؟

اسمي الدكتورةُ شريفةُ نعمانَ العماديُّ. حصلتُ على الدكتوراه في الإرشادِ الأسري من جامعةِ مانشستر متروبوليتان في بريطانيا. وحصلت على ماجستير أيضًا في الإرشادِ الزواجِي من نفسِ الجامعة ودرستُ دبلومًا عاليًا في الإرشادِ النفسي في جامعةِ قطرَ. كما أكملتُ البكالوريوس في علمِ الاجتماعِ والخدمةِ الاجتماعيةِ بدأت باسمي الثلاثي، وذلك لأذكرَ اسم أبي الذي كان له دورٌ كبيرٌ في حياتي وفي وصولي لهذه المرحلة فدائمًا ما كان يقولُ لي: أحبُ أنْ اسمعَ وجودَ اسمي في مقابلاتِك فأشعرُ بالفخرِ الشديدِ عند سماعهِ. فعلاً كان لدى أبي تأثيرٌ كبيرٌ في حياتي، كان إيمانُه كبيرًا في بناته ويردد دائمًا أنْ بناتَه ثروتُه فعندما يُسألُ عن ثروتهِ يذكُرناُ، ويشعرُ أنَّ نجاحَنا هو نجاحُه. أيضًا أمي لها تأثيرٌ كبيرٌ في حياتي، فهي من إحدَى الأمهات القطرياتِ غير المتعلمات، فهي لا تقرأْ ولا تكتبْ ولكنَّها كانتْ دائمًا تحثُنَا على الدراسةِ، لذلك أنا أقدرُ دورُ أسرتي في تحقيقي أيِّ نجاحٍ. إنَّ الثقافةَ الاجتماعيةَ لا ترتبطُ بالتعليمِ، بلْ هي مبنيةٌ على المعلوماتِ التي يكتسبُها الشخص،ُ ولهذا السببِ أقدرُ هذا الجيلَ الذي قام بتربيتِنا على أهميةِ العلمِ عندما كنتُ صغيرةً كنتُ شغوفةً بقراءةِ كتبِ علمِ النفسِ، وشجعني على ذلك عادتُنَا في شراءِ الكتبِ في وقتِ السفرِ. فعند السفرِ يتأكدُ والدي من زيارتِنا متاحفَ ومكتباتِ هذه الدولةِ، وكانتْ حقائبُنا تمتلئُ بالكتبِ. وكان يركزُ والدي على الكتبِ التي تميلُ لها كلُّ واحدةِ منَّا ويحرصُ على توجيهِهَا بطريقةِ غيرِمباشرِةٍ إلى ذلك المجالِ كما ساهمَ في اختيارِ تخصصِنا بشكلٍ كبيرٍ. لذلك كنتُ أميلُ إلى علمِ النفسِ ولكنْ كان هذا التخصص غيرَمتوفرٍ في جامعةِ قطرَ، فرغبتُ بالدراسةِ في مصرَ، وذلك لكثرةِ ترددِ والدي عليها بحكمِ عملهِ ولكن رفضتْ أمي هذه الفكرةَ. حزنتُ على عدمِ قدرتِي على دراسةِ التخصصِ الذي أحببتُه فرفضتُ الذهابَ إلى الجامعةِ وكانتْ صدمةً بالنسبةِ للأسرةِ، وذلك لأهميةِ التعليمِ بالنسبةِ لنا. ولكن بعد فترةٍ قررتُ أنْ أدخلَ إلى أقربِ تخصصٍ لعلمِ النفسِ كان الخدمة ُالاجتماعيةُ نظرًا لمعدلِي في السنةِ الأولى اضطررتُ لدخولِ تخصصِ علمِ الاجتماعِ بدلا من الخدمةِ الاجتماعيةِ ولكنني صدمتُ بتخصصِ طالباتٍ بمعدلٍ أقلُ من معدلي في الخدمةِ الاجتماعيةِ وكانتْ هذه ضربةً ثانيةً لي فحزنتُ كثيرًا من عدمِ تمكني من دخولِ التخصصِ الذي رغبت فيه. وبالرغم من ذلك تفوقتُ كثيرًا في علمِ الاجتماعِ وكنتُ أميلُ إلى الطب الشرعي.صحيحٌ نحنُ نولدُ مسلمينَ ولكن عندما نكبرُ ونتعلمُ من الحياةِ هنا نؤمنُ بأنهُ دينَ الحقِ، أقولُ ذلك؛ لأنهُ عندما توجهتُ لبريطانيا لدراسةِ الماجستير كان المفروضُ أنْ أدرسَ سنة اللغةَ وسنتين أحضرُ الماجستير، ولحسن حظي قاموا بتغييرِ فترةِ التخصصِ إلى سنةٍ واحدة فقط بحكمِ تخصصي في علمِ الاجتماعِ أي أنَّ علمَ الاجتماعِ هو التخصصُ الرئيسيُّ. هنا أدركتُ أنهُ مهما حدث فلعلهُ خيرًا عندما تخرجتُ من علمِ الاجتماعِ، لم تقبل أسرتي فكرة عملي كأخصائية اجتماعية في وزارة. بناءً على ذلك اتبعتُ وزارةَ التربيةِ، وأصبحتُ معلمةَ رياضياتٍ للصفِ الرابعِ، فوجدتُ نفسي أدرسُ شخصياتِهم من منظورِ نفسي واجتماعي. مكثتُ هناك سنةً دراسيةً واحدةً فقطْ، خلالَها حالفنِي الحظُ بالجلوسِ مع السيدةِ: شيخةُ المحمودُ والتي كانتْ وكيلةَ وزارةِ التعليمِ في ذلك الوقتِ. شرحتُ لها وضعي، وسبحان الله! بعدها تمَّ الإعلانُ عن احتياجِ الوزارةِ لمعلماتِ علمِ الاجتماع، وذلك لطرحِ المناهجِ في مقرراتِ الثانويةِ، وكان هناك ٦٠٠ طلب واختاروا ثلاثةً فقط وأنا من بينهم. بدأتُ فوراً بتدريسِ المرحلةِ الثانويةِ، وأخذتُ دبلومَ الإرشادِ النفسي خلالَ هذه الفترةِ. عندماحصلتُ على الدبلومِ طلبتُ دراسةَ الماجستير والدكتوراة. رفضت لجنةُ اختيارِ البعثات طلبي مرارًا وتكرارًا، ولكن استمررتُ على تقديمِ الطلبِ- ولله الحمد قُبلتُ بعد فترةٍ، وذهبتُ للدراسةِ في بريطانيا  

 

ما التجاربُ والدروسُ التي استفدتِ منها خلال مسيرتكِ الدراسيةِ والعمليةِ؟

 لا تضيعي الفرصَ، حاولي أنْ تستغلي كل فرصةً. عند أخذِ الدكتوراه يتوقعُ من الطالبِ متطلباتٍ معينةٍ لا تحتاجُ وجودَه في الجامعةِ. ولكن لمْ اكتفِ بهذا النظامِ بلْ أصررتُ على استغلالِ كلَّ فرصةٍ متوفرةٍ من قبلِ الجامعةِ بهدفِ تقديمِ المستفادِ منها في بلادي. مثلاً، كان الأساتذةُ والمشرفون يجتمعونَ شهريًا لمناقشةِ كتابٍ أو منشورٍ علميٍّ عن طريقِ توزيعِ الفصولِ فيما بينهم حيثُ يتعينُ على كلِّ واحدٍ أنْ يشرحَ فصلَه لبقيةِ المجموعةِ. كنتُ أرغبُ للحصولِ على فرصةِ الاجتماعِ مع أساتذةٍ متخصصين في المادةِ وأتعلمُ من علمِهِم وخبرتِهِم إلا أن اجتماعهم كان في مكان غير مناسب لي لحضوره. بناءً على ذلك تحدثتُ مع مشرفتِي عن هذه الصعوبةِ وطَرَحت فكرةَأن يغيروا موقعَ الاجتماعِ لأستطيعَ المشاركةِ.كان هذا تشجيعًا لي فكان هؤلاء الأساتذةُ مهتمينَ بنجاحاتي وعلمي ودراستي، وقدرت ذلك كثيرًا. كذلك كنتُ اختلطُ مع جميعِ الثقافاتِ وأسعى لأتعلمَ منهم ومن ثقافتِهم، وبهذه الطريقةِ حزتُ على خبرةً متعددةَ الثقافات. بالإضافةِ إلى ذلك، كنتُ أتطوعُ لمراقبةِ الطلابِ كمساعدةٍ للدكتور، وذلك في فترة الدكتوراه عند تقديمِ مشروعِ التخرجِ من الدكتوراه توصلتُ إلى نتيجة لنظرية علاجية متبعة من منظور إسلامي وتعرضت إلى تحديات من قِبل الممتحن الداخلي من الجامعة ولكن كان هناك تشجيع من الممتحن الخارجي وتقبل البحث بطلب إضافة جزء عملي للدراسة وتم ذلك. ومع أن إضافة هذا الجزء سبب في تأخير تخرجي لمدة ثلاثة شهور إلا أنه كان سبب في تميز بحثي كانت أمي - رحمها الله تستمعُ بحضورِ حفلاتِ تخرجِنَا كثيرًا ولكنها لمْ تستطعْ حضورَ تخرجي في بريطانيا، ولذلك قررتُ أنْ أقدمَ على شهادة التميزِ العلمي ليكونَ بمثابةِ تخرجي من الدكتورا، وفزتُ بالجائزةِ البلاتينية، وكان السببُ هو الجزءُ العملي في بحثي الذي أخرنِي عن التخرجِ فكان بحثي هو أولُ بحثٍ فيه جزئيةٌ عمليةٌ يقدمُ إلى شهادةِ التميزِ العلمي أما في فترةِ الدبلوم كنت أحبُّ أنْ أحضرَ ما يسمى اجتماعَ فريقٍ متعددِ التخصصاتِ (اجتماع ام دي تي) في مستشفى الطبِ النفسي. كنتُ أعملُ كمعلمةٍ في ذلك الوقتِ فكنتُ أذهبُ إلى العملِ صباحًا ومن ثمَّ أشاركُ في الاجتماعِ عصرًا منْ الأمورِ التي فادتني كثيرًا في مسيرتِي هي حضورُ الدكتورِ صلاحُ الراشدُ منْ الكويتِ لفتحِ مركزِ استشاراتٍ في قطرَ. كان يبحثُ الدكتورُ عن عضوٍ قطريٍّ ليعملَ معه وبحكمِ جهدِي واهتمامِي في تخصصِي تم ترشيحي له من قبل أعضاءِ مستشفى الطبِ النفسي  

 

ما الذي دفعكِ للتخصصِ في الإرشادِ الأسريّ؟

علاوةً على حبِّي لعلمِ النفسِ، لمْ يكنْ هناك الكثيرُ من المتخصصينَ في الإرشادِ الأسريّ. كان الدكتورُ صلاحُ الراشدُ هو مَنْ عرفني إلى هذه الأنوعِ من الحالاتِ. ومن ناحيةٍ أخرى، كانت زميلاتي الدكتورةُ عائشةُ آل ثاني تميلُ إلى علاجِ (كارل روجزر) بينما كنتُ أميلُ أنا إلى نظريةِ العلاجِ المعرفي السلوكي (سي بي تي) واتفقنا للحصولِ على توجهاتٍ مختلفةٍ بهدفِ تمديدِ الخبرةِ المستوردةِ إلى البلادِ. لذلك ركزتُ أنا على الإرشادِ الأسري. إضافة إلى ذلك، إنَّ الأسرةَ هي أساسُ المجتمعِ، ولذلك يهمني أنْ نحافظَ على قوامِ الأسرةِ  

 

 هل ْتقدمينَ أيةَ فعالياتٍ أو مؤتمراتٍ حول الإرشادِ الأسريّ؟

أنا الآن متخصصةٌ في دول الخليجِ لتدريبِ الأخصائيينَ والاجتماعيينَ النفسيينَ. في الوقتِ نفسهِ أقدمُ استشاراتٍ عائليةٍ وزوجيةٍ. كذلك أقدمُ جلساتٍ علاجيةٍ للمدمنينَ والانحرافاتِ السلوكيةِ لا أعتقدُ أنَّ علمي هو العامل الوحيدُ الذي أدى إلى نجاحِي، أعتقد أنَّ الشيءَ الأهمَ في مجالِنا هو حبُّ مساعدةِ الآخرينَ. يجبُّ أنْ يملكَ الشخصُ قدرةَ تقبلِ المنحرفينَ، وأنْ يفهمَ أنَّهم أناسًا جيدينَ بالفطرة، ولكنَّهم تأثروا بالبيئةِ التي حولهم، ومن المؤكدِأنَّ العلمَ مهمٌ، فالعلاجاتُ هي أسلحةٌ تساعدُ على الوصولِ إلى نتيجةٍ ولكن يجبُ أنْ تستخدمَ هذه العلاجاتِ بهدفِ مساعدةِ الناسِ  

 

ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟

يجب ألا نيأس من أطفالنا الذين يواجهون صعوبات في التعامل أو في السلوكيات. علينا في كل المجالات ومع الجميع - سواء في العمل أو في الأسرة، مع الكبار أو مع أطفالنا - أن نعزز السلوك الإيجابي ونغفل السلوك السلبي حتى نستطيع أن نقوم السلوك ونعيش معاً في أجواء صحية نفسياً واجتماعيًا

 

  • كاتبة المقابلة: فاطمة النعيمي.
  • تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.
AR