أسماء عبد اللطيف الكواري

مؤسسة مركز أدب الطفل

قيلَ إنَّ ثروةَ الأجيالِ والأممِ تخزنُ في كتبِها، فهي تحتوي على أسرارِ الحياةِ وأهمِّ مواعظِهَا، والقراءةُ ليستْ مصدرَ علمٍ فحسبْ، بلْ هي تذكرةٌ غيرُ محدودةٍ تأخذُ صاحبَها إلى أبعدِ الأبعادِ الخياليةِ منها والتاريخيةِ، وتعدُّ أسماءَ عبدِ اللطيفِ الكواري إحدى رائداتِ القراءةِ في مجتمعِنا القطري، فلنتعرفْ على رحلتِها في ترسيخِ الكتبِ العربيةِ القطريةِ ونشرِها في المجتمعِ، ف فمن هي أسماءُ الكواري؟

أنا أمٌّ... كانَ حلمي أنْ أصبحَ مهندسةً، ولكن في تلك الأيامِ لمْ توجدْ كليةً للهندسةِ في جامعةِ قطرَ انتهى بي المطاف كمعلمةٍ ثم كإداريةٍ في المدارسِ الحكوميةِ في دولةِ قطرَ، فقدْ كنتُ استمتعُ كثيرًا في مجالِ التعليمِ وأردتُ أنْ أكملَ في هذا العملِ. بناءً على ذلك فتحتُ روضةً خاصةً (روضةُ السماءِ) وعملتُ فيها لمدة ١٨ سنةً أنا قارئةٌ نهمةٌ، لا أنسى أولَ كتابٍ اشتريتهُ من أولِ معرضِ كتابٍ فتحَ في الدوحةِ. كان باللغةِ الإنجليزيةِ وبه رسوماتُ للتلوينِ ويحتوي على معلوماتٍ شيقةٍ. لدي الآنَ مكتبةٌ كبيرةٌ بها العديدُ من الكتبِ، وهناك أنواعٌ عديدةٌ للقراءةِ، فأنا قارئةٌ استكشافية لا أحبُّ أنْ اقرأَ الكتابَ من الدفةِ إلى الدفةِ وإنما انتقل من فقرةٍ لأخرى، كما تجذبني الكتبُ الملونةُ والرسوماتُ. لا أحبُّ الرواياتِ، فالكتبُ العلميةُ هي المفضلةُ لدي، لذلك أحرصُ دائمًا على تزويدِ قصصِ الأطفالِ بالمعلوماتِ العلميةِ بطريقةٍ مباشرةٍ أو غيرِ مباشرةٍ. سوف أذكرُ لكم مثالًا على ذلك، في إحدى القصصِ جعلنا حبةَ الجوزِ الملكةَ، وبعد الانتهاءِ من القصةِ حاورنا الطفلَ مع عرضِ صورِ الجوزِ وشكلِ المخِّ، وطرحنا سؤالًا: لماذا تمَّ اختيارُ حبةَ الجوزِ كملكةٍ؟ فاستنتجَ الطفلُ من خلال الصورةِ أنها تشبهُ المخَّ، واكتسب معلومةً تفيدُ بأنها تغذي المخَّ تهمني الكتبَ كثيرًا كأمٍّ، وكنت أبحثُ عن كتبِ أدبِ الطفلِ لابني منذُ صغرهِ حتى كبرَ، وأنا اتسلسلُ في هذا الموضوعِ بحثًا عن كتبٍ أدبيةٍ تناسبُ كلَّ فترةٍ من حياةِ الطفلِ، ووجدتُ أنَّ الحصولَ على كتبٍ أدبيةٍ باللغةِ العربيةِ لطفلٍ في عمرِ السنةِ كان من المحالِ. كنتُ أحزنُ على ذلك وأكتفي بالعملِ مع الكتبِ الأجنبيةِ ولكنْ كان ذلك يحزُّ بالنفسِ، وكنتُ أودُّ الحصولَ على الأفضلِ والأجملِ مما كان متوفرًا في ذلك الوقتِ. ولكنْ خلال فترةِ عملي في المدارسِ المستقلةِ كان لا بدَ لنا أنْ نوفرَ الكتبَ كمصادرِ للمدرسةِ. كان لدي شغفٌ بهذا الموضوعِ فكنتُ استمتعُ في البحثِ. ولكنْ وجدتُ صعوبةً في العثورِ على كتبٍ باللغةِ العربيةِ تمسُّ ثقافتَنا وحضارتَنا وموجهةً للأطفالِ. كنَّا نجدُ هذه الكتبَ ولكنْ لم تكنْ متنوعةً ولمْ تكنْ متوفرةً بكثرةٍ ولمْ يكنْ الحصولُ عليها بالأمرِ السهلِ، وكان ذلك في غايةِ الأهميةِ بالنسبةِ لي كأمٍّ وكمعلمةٍّ. بناءً على ذلك، أردتُ أنْ أدخلَ هذا المجالَ ولكنْ ليس ككاتبةِ بلْ كباحثةٍ. والتحقتُ ببعضِ الدوراتِ التدريبيةِ، أولُها كانت ورشةَ (القصصُ الرمزيةُ)، كانت من الورشِ التدريبيةِ الجميلةِ جدًا التي طُلبَ منا أنْ نكتبَ قصةً، والهدفُ من القصصِ الرمزيةِ هو أنْ تأتي برمزٍ وتستخدمهُ علاجيًا أو تربويًا أو في أي مجالٍ آخر. كتبتُ (قصةُ الصفرِ). كانتْ قصتي عن رقمِ الصفرِ، والذي كان يُسخَر منه في المدرسةِ لكونهِ نكرةً، فقررَ رقمُ الصفرِ أنْ يغيرَ من حالهِ ووقفَ أمامَ رقمِ الواحدِ فأصبحوا عشرة، وعندما وقفَ أمامَ رقمِ الإثنينِ أصبحوا عشرينَ، وهكذا بدأتْ الأرقامُ تشكرهُ لفضلهِ عليهم. بعد فترةٍ من تسليمِ هذه القصةِ اكتشفتُ أنها نشرتْ ولكنْ باسم شخص آخر! حينها كنتُ ما بين الحزنِ والسعادةِ فكانتْ القصةُ التي اختيرتْ ونشرتْ هي قصتي ولكنْ لمْ تنشرْ باسمي. وبشكلٍ عامٍ كان هذا الموقفُ مهمًا بالنسبةِ لي فقدْ اتضحَ لي أنني أملكُ القدرةَ على الكتابةِ وتنفيذِ فكرةً كهذه واعتبرتُها نقطةَ الانطلاقِ في الوقتِ نفسهِ عملتُ في مجالِ التدريبِ على كيفيةِ ازديادِ مستوى انفعاليةِ القراءةِ وجعلها ملهمةً للتفكيرِ والنقدِ والحوارِ، وذلك من خلال قصصِ الأطفالِ. أردتُ أنْ أحولَ فكرةَ القراءةِ إلى شيءٍ ممتعٍ بالنسبةِ للأطفالِ. واكتسبتُ الخبراتِ عن طريقِ تقديمِ هذه التدريباتِ بالإضافةِ إلى دراستي في مجالِ الطفولةِ وتخصصي التربوي. فكرتُ حينها أنهُ لا بد أنْ نعملَ في مجالِ التدريبِ الخاصِ بأدبِ الطفلِ، ونخرجُ بكتبِنَا التي نستطيعُ أنْ نقدمَهَا لدولة قطر 

 

ما الفكرةُ وراءَ إنشاءِ مركزًا لأدبِ الطفلِ؟

 

الفكرةُ من وراءِ مركزِ أدبِ الطفلِ هو أنْ نربي أطفالَنَا على الفخرِ بدولتِهِم وبيئتِهِم ولكنْ لا نستطيعُ أنْ ننتظرَ صدورَ القصصِ التي تمسُّ بيئتَنَا من خارجِ الدولةِ، بلْ يجبُّ علينا أنْ نسعى وراءَ هذا الموضوعِ بأنفسِنَا. وبالتالي تخصصتُ بالكتابةِ في مجالِ التدريبِ الخاصِ بالطفلِ. وجدنا أنَّ الموضوعَ ليس سهلاً أبدًا وواجهنا تحدياتٍ كبيرةً  

 

ما التحدياتُ التي واجهتيها في هذه الفكرةِ؟

 

ليس هناك تحدياتٍ في الفكرةِ نفسِهَا، فالحمدُ للهِ أسرتي دائمًا داعمةٌ لي، ومجتمعُنا يشهدُ طفرةً ثقافيةً ويملكُ توجهًا ثقافيًا ولكنْ ليس الجميعُ مهتمًا بالثقافةِ، فهناك جمهورٌ متخصصٌ وجمهورٌ غيرُ متخصصٍ، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ عند استخراجِ ترخيصٍ للمركزِ استنكرَ المسؤولُ الاسمَ الذي اخترتهُ للمركزِ مدعيًا أنَّ اسمَهُ لا يليقُ واقترحَ عدةَ أسماءٍ مختلفةٍ؛ عربيةٍ وأجنبيةٍ، وحاولَ جاهدًا إقناعي ولكنِّي اعتذرتُ منه وأوضحتُ له أنَّ الهدفَ والفكرةَ من المشروعِ يكمنُ في هذا الاسمِ وعندما رأى إصراري بعد عدةٍ محاولاتٍ منهم وافقَ - ولله الحمد. ولكنْ واجهنا تحدياتٍ في تطبيقِهَا، كما قلتُ: الموضوعُ لمْ يكنْ سهلاً، فبعد كتابةِ القصةِ يجبُّ أنْ ترفقَها رسوماتٍ وبعدها تحتاجُ القصةَ إلى طباعةِ، وجميعُ هذه الأشياءُ تحتاجُ إلى ميزانيةٍ  

هلْ ستركزينَ على كتبِ الأطفالِ فقط؟  

 

نحنُ الآنَ لدينا فكرةٌ ولكنْ لمْ تطبقْ بعدُ وهي أنْ ننشرَ كتبًا للكبارِ ولكنْ بهدفِ استخدامِها مع الصغارِ. ستكونُ هذه القصصُ مثلَ الدليلِ للمعلمينَ وأولياءِ الأمورِ في قراءةِ القصصِ للأطفالِ

 

ما الذي تعلمتيه من خلال العملِ في مركزِ أدبِ الطفلِ؟

تعلمنا العديدَ من الأشياءِ وما زلنا نتعلمُ... وأدبُ الطفلِ شيءٌ مهمٌ ولدينا رؤيةٌ في ذلك وهي الحرصُ الشديدُ في كتابةِ كلِّ حرفٍ أو كلمةٍ أو صورةٍ؛ لأنَّ الفكرةَ التي تضعُها في الكتابِ وتصلُ للطفلِ تصلُ للعقلِ الباطنِ وتترسخُ في ذهنهِ وينشأُ عليها وتظهرُ مستقبلا في سلوكهِ وأفعالهِ وألفاظهِ، مثالُ ذلك قصةٌ كان اسمُهَا (حربٌ في غابةِ الصحراءِ) ولكنَّ كلمةَ حربٍ قويةٌ، ولها تأثيرٌ قدْ يكونُ سلبيًا على الطفلِ فقررْنَا إلغاءَ كلمةَ (حرب) ليكونَ أكثرَ تقبلاً وإيجابيةَ وأصبحَ اسمُ القصةِ (في غابةِ الصحراءِ)

 

ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟

نعم، نحنُ في عصرِ العولمةِ، فيجبُّ علينا أنْ نجتهدَ للنهوضِ بمجتمعِنا وأمتِنا، فالتغيرُ سريعٌ جدًا، ويجبُّ علينا أنْ نواكبَ هذا التغيرَ مع الحفاظِ على دينِنِا وأصالتِنَا وعاداتِنَا وتقاليدِنَا وثقافتِنَا وهويتِنَا، فهي اللمسةُ التي تميزُ كلَّ مجتمعٍ

 

  • كاتبة المقابلة: فاطمة النعيمي.
  • تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.
AR