عائشة همام مبارك

ممرضة قطرية

ينبضُ عالمُ التمريضِ القطريِّ في ظلٍ من الغموضِ، فلا يُعلمُ العديدُ عن تفاصيلِ هذا المجالِ، ولا عن المشقاتِ والعراقيلِ التي يمرُّ بها الفردُ ليصبحَ ممرضًا، ولا يُنسبُ التقديرُ الكافي لهذا المجالِ الإنساني الذي أسعفَ الملايينَ، فالتمريضُ لا يقتصرُ على مساعدةِ الطبيبِ فحسب، بل يشملُ أيضًا توفيرَ الدعمِ المعنويِّ للمريضِ الذي يساعدُه على أنْ يتعافى بأسرعِ وقتٍ ممكن. تولت عائشةُ همَّام مبارك مهمةَ تغييرِ عالمِ التمريضِ القطريِّ عبرَ إثرائِها المميزِ وخوضِها طريقَ التمريضِ في زمنٍ لمْ يكنْ امتهانُ التمريضِ أمرًا سهلاً فمنْ هي عائشة همَّام؟

Aisha Hammam

أنَا أمٌّ لثلاثِ بناتٍ، وقدْ امتهنتُ التمريضَ لفترةٍ طويلةٍ من حياتِي، حيث تخرجتُ في الثمانينات من تخصصِ التمريضِ في الدوحةِ، ومن ثمَّ سافرتُ إلى "إيرلندا" لتكملةِ الدراسةِ، فحصلتُ على ستِ دبلوماتٍ تخصُّ جهاتٍ مختلفةٍ في التمريضِ، ونظرًا لأنهُ لمْ تتوفرْ في تلك الفترةِ دراساتٌ عليا تخصُّ مهنةَ التمريضِ، فقدْ أكملتُ طريقي العلمي في شهاداتِ الدبلومِ حيثُ بدأتُ بالتمريضِ العامِ، ثمَّ انتقلتُ إلى تمريضِ الأطفالِتدريجيًا، وفي ذلك المسارِ درستُ العنايةَ المركزةَ للأطفالِ، وتمريضَ حديثي الولادةِ، وإدارةَ التمريضِ ومع كلِّ دبلومٍ كنتُ أتدرجُ في مسماي الوظيفيّ، فقدْ بدأتُ ممرضةً سريريةً، وبعدها أصبحتُ مساعدةَ مسؤولقسم، ثم المسؤولةَ، فمساعدةَ المديرِ، ( واختلفتْ هذه الوظيفةُ عن وظيفةِ مساعدةِ المسؤولِ عبرَ تنوعِ المهامِ وزيادةِ المسؤولياتِ التي وقعتْ على عاتقي) تنوعتْ المناصبُ التي شغلتُها، وكنتُ ناجحةً – الحمد لله - في كلِّ منصبٍ شغلتُه تزوجتُ وسافرتُ إلى الخارجِ، فعشتُ في "ألمانيا" سنتينِ؛ عملتُ وتعلمتُ العديدَ من المواضيعِ، ورجعتُ إلى قطرَ، وافتُتحتْ طوارئُ الأطفالِ في السدِّ، ثمَّ انتقلتُ إلى ناميبيا لستِ سنينَ

كيف كانتْ رحلتُكِ الدراسيةُ حتى أصبحتِ ممرضةً؟

كنتُ أدرسُ دبلومًا تلو الآخر بسببِ عدمِ توفرِ بكالريوس تمريض، وافتُتِحَتْ لاحقًا جامعةُ كالجاري للتمريضِ في قطرَ، وسبحانَ اللهُ - قدْ حضرتُ مؤتمرًا طبيًا، وتعرفتُ على مديرةِ كالجاري، وذكرتُ لها رغبتي في الحصولِ على البكالوريوس، وطلبتْ مني أنْ أرسلَ لها أوراقِي، فأرسلتها - والحمد لله - وأكملتُ البكالريوس في التمريضِ ثمَّ انتقلتُ بعدها إلى جامعة الكلية الملكية للجراحين في أيرلندالأكملَ الماجستير في الإدارةِ وتحسين الجودةِ في القيادةِ في قطاع التمريضِ والصحةِ وتخرجتُ العام، وحاليًا أقدمُ للدكتوراه في الإدارةِ عشتُ في إيرلندا فترةً طويلةً، أولُ فترةٍ عشتُ فيها خمسَ سنينَ لدراسةِ التمريضِ العامِ، وبعدها قضيتُ سنتينِ لأتخصصَ في تمريضِ الأطفالِ، وبعد هذه الفترةِ الطويلةِ رجعتُ إلى قطرَ، وفي تلك الفترةِ كان هناك انتقالٌ طبيٌّ من مستشفى الرميلة القديمِ إلى مستشفى حمد، وتسلمتُ مسؤوليةَ افتتاحِ قسمِ جراحة الأطفالِ وتجهيزهبأجهزتهِ الكاملةِ، في ذلك الوقت كان هناك قسمُ الجراحةِ للأطفالِ وقسمُ الباطنية فقط ثم بدأتُ في مركزِ الطوارئ للأطفالِ من نقطةِ الصفرِ، كان في الأول مركزًا صحيًا، ثم عملتُ مع المهندسين والدكتور صفوان الله يرحمهلعمل نظام يتبعه الطاقم الطبي للعنايه واسعاف الطفل على ان يعالج في الوقت المناسب من غير تأخير بعد تأسيسِ المركزِ توقفتُ عن العملِ في عام ٢٠٠٠، وطلبتُ الخروجَ والتقاعدَ المبكرَ، كان أطفالي صغارًا وتمنيتُ أنْ أكونَ معهم، وأنْ انتقلَ مع زوجي إلى ناميبيا ليتربى أطفالَنا مع أهل أبيهِم وليحظوا بتجربةِ العيشِ مع أهلِ زوجي مثل ما عاشوا مع أهلي. عشنا في ناميبيا ست سنواتِ، ثم رجعنا إلى قطرَ، وعملت في المستشفى الأهلي أربعَ سنواتٍ ثم أكملتُ الدراسةَ في جامعةِ كالجاري  

 

هلْ كنتِ دائمًا تريدينَ التخصصَ في تمريضِ الأطفالِ؟

 

كان لدي شغفٌ إزاءَ التمريضِ منذُ الصغرِ، كانتْ مهنةً وحبًا بالنسبةِ لي. لمْ يقتنعْ أبي - رحمه الله - أنْ أعملَ في التمريضِ؛ لأنَّ الممرضاتِ كن يلبسنَ ملابسَ قصيرةً ويُظهرنَ شعرهنَفي السابق، وكان أبي متحفظًا فلمْ يتقبلْ عملي في هذا المجالِ، وبعدما تُوفى أبي تكفلَ برعايتنا خالي، وأخبرتهُ بنيتي في دراسةِ التمريضِ، فوافقَ على هذا - الحمد لله - كان هناك وقتٌ تمنيتُ أنْ أصبحَ محاميةً، وإنْ صحَّ لي التخصصانِ مع بعضهما؛ أي محاميةٌ في التمريضِ، لكنْ لمْ تتوفرْ تلك الدراسةُ في السابقِ - إلا أنها الآن متوفرة وبالرغمِ من أنَّ مهنةَ التمريضِ ليستْ مقدرةً في بلدنا مثل ما تستحقُ، إلا إنها مهنةٌ راقيةٌ وإنسانيةٌ، وقدْ عملتُ في مكانٍ أحبهُ وفي وظيفةٍ أتمتعُ بها. حاليًا أعمل في الأشعةِ والتصويرِ السريري، لكنني لا زلتُ أشتاقُ لتمريضِ الأطفالِ

 

كيف كانتْ تجربةُ افتتاحِ مركزِ الطوارئ؟

كانتْ تجربتي ثريةً وملهمةً، قدْ طلبوا مني العملَ على هذا المركزِ لأنني كنتُ الوحيدةَ المتخصصةَ في تمريضِ الأطفالِ، ولا زلتُ الوحيدةَ المتخصصةَ في ذلك.كان المبنى مركزًا صحيًا في البداية، ومع العمالِ قمنا بتغييرِ كلِّ شيءٍ لإعادةِ تأهيلِ المبنى وفقًا لرؤيتنا وخطتنا انا والدكتور صفوان التي وافقتْ عليها السلطةُ التنفيذيةُ لإنجازِ هذا المشروعِ، لكنَّ التحديَّ يكمنُ في قدرتي على تحقيقِ تلك الرؤيةِ بمفردي، ولا أنكرُ أنهُ في البدايةِ كان تأسيسُ هذا المركزِ خارجَ قدراتي، لكنْ مع طاقمِ العملِ استطعنا أن نحقق الرؤية – والحمد لله. عملنا على تخطيطِ الترتيبِ الداخليِّ، الذي لا زال موجودًا، وللأسف ليس لنا تاريخٌ مُوثِقٌ لهذا النوعِ من المشاريعِ من قِبلِ القطريين، والمقصدُ من كلامي أنه عندما عشتُ في ألمانيا كنتُ أرى المستشفياتِ تذكرُ على الحائطِ الممرضينَ والأطباءِ الذين قاموا بعملٍ مهمٍ، وأتمنى أنْ يُطبَقَ الشيءَ نفسَهُ لدينا، ويسعدُنا أنْ نكونَ موظفينَ لهم أعمالٌ وإنجازاتٌ معروفةٌ، والوقتُ الوحيدُ الذي ذُكر فيه عملي كان في موقع اسمه (قلم) وهذا لأنني كنتُ أكتبُ بالجريدةِ، ولدي عدةُ كتبٍ، كتبتُ عن حياتي في التمريضِ، كتبتُ عن الموتِ، وحاليًا أكتبُ عن العجزةِ والنسيانِ)، وكانَ أصحابُ الموقعِ يريدون إبراز قلمٍ قطريٍّ ولكنْ للأسفِ توقفَ هذا المشروعُ كم قطريٍّ بنى وأنجزَ ولكنهم توفوا ولمْ يُذكَرْ شيءٌ عنهم، والصدفةُ الوحيدةُ التي مررتُ بها وتمَّ ذكرُ تاريخِ بعضِ القطريينَ كانَ في احتفالٍ بالغوصِ حضرتُه في كتارا، من خلال سماعِ الألحانِ والمواويلِ التي كانوا يذكرون بها أسماءَ بعضِ القطريينَ مما خلدَ تاريخَهم، ولكنْ لو بحثتم عنهم لن تجدوهم من المهمِ توثيقُ إنجازاتِ كلِّ فردٍ قطريٍّ في المجتمعِ؛ حتى لا تترسخُ فكرةٌ عن القطريينَ بأنهم كسولين، وعبر التوثيق نغير شيئًا فشيئًا هذه الصورةِ النمطيةِ الغير صحيحةِ

هلْ واجهتك أي معوقات في مهنتكِ؟

من الطبيعي أنْ أواجه المعوقاتِ أين ما كنتُ، فهي التي تزيدني قوةً، وإذا لمْ أقعْ بين الحين والآخر لن أتعلمَ، وأعيدُ بناءَ نفسي عندما أقفُ مجددًا، فقدْ واجهتُ العديدَ من المعوقاتِ، فعلى سبيلِ المثالِ، هناك العديدُ من الناسِ الذين ينهالون عليك ضربًا عندما تكونين صاحبةَ حقٍ لإفشالكِ، وفي بعضِ الأحيانِ تكونُ الإجراءاتُ الإداريةُ هي أكبرُ عائقٍ في طريقِكِ إلى النجاحِ طبيعةُ مهنةِ التمريضِ في قطرَ لا يمكنُ لأحد أنْ يترقي في المناصبِ إلا مع شهاداتٍ معينةٍ، وهي لمْ تكنْ متوفرةً في ذلك الوقت، مما اضطرني إلى السفرِ والدراسةِ بالخارجِ حتى مع امتلاكي العديدِ من الدبلوماتِ والخبرةِ القيمةِ كانت الدراسةُ بالخارج في البدايةِ سهلةً، لكنْ بعدما أنجبتُ أولَ طفلةً لي أصبحَ صعبًا عليّ التنقلُ بين الدولِ، والشهادةُ التي احتجتُها لأرتقي بمنصبي كانت متوفرةً في البحرينِ والتي هي أقربُ شيءٍ لقطرَ، واحتجتُ أنْ أتركَ ابنتي في قطرَ لأدرسَ بجامعةِ البحرينِ لأنه كان ممنوعًا علي أن أصطحبَ ابنتي داخل السكنِ الطلابي، وقدْ قدمتُ طلبًا بأنْ أحولَ إلى سكنٍ بجوارِ الجامعةِ لأجلبَ ابنتي، وتمَّتْ الموافقةُ على هذا الطلبِ من كل جهةٍ رسميةٍ، ولكنَّمسؤولًا في الوزارةِ رفضَ الطلبَ، وبقيتُ في السكنِ الطلابيِّ تلك الفترةُ في حياتي كانت صعبةً جدًا، فإجازةُ الأسبوعِ كانت مقتصرةً على يومِ الجمعةِ، وكنتُ أسافرُ كلَّ خميسٍ على أولِ طائرةٍ تقلعُ لقطرَ في الساعةِ ١٢، فأقضي يومًا واحدًا في الأسبوعِ مع ابنتي، ومن ثمَّ أسافرُ ليلةَ الجمعةِ إلى البحرين لأداومَ السبتَ. كنتُ أعيشُ في إحباطٍ وعذابٍ دائمٍ وأنا بعيدةٌ عن ابنتي ومن هذا الروتينِ الصعبِ في إحدى الأيامِ قررتُ أنَّ هذه التجربةَ لا تلائمُني ولا تلائمُ الحياةَ التي أتمناها، ولستُ مجبرةً على الابتعادِ عن أهلي، فرجعتُ الدوحةَ، وقررتُ ألا أسافرُ مرةً أخرى للدراسة بعد مرور السنين، كبر أطفالي، رجعتُ إلى أيرلاندا لأكملَ بعضًا من دراساتي لأترقى بمهنتي، ولحسن حظي لمْ يكنْ هناك أي قانون يمنعني من السكنِ في شقةٍ خاصةٍ مع عائلتي  

هلْ هناك لحظةٌ مميزةٌ في مهنتكِ لا زالتْ تعني لك الكثيرَ؟

 

اللحظةُ المميزةُ جدًا ليستْ في مهنتي، بلْ في تاريخي عندما عشتُ في ناميبيا، فقدُ أسستُ مسجدًا جامعًا، وقمتُ بالدعوةِ وأدخلتُ الكثيرَ في الإسلامِ، وهو إنجاز أحبهُ وفخورةٌ به جدًا، وأتمنى أنْ أقومَ بعملٍ أكبرَ من ذلك. والذي شجعني على الدعوةِ هو فترةُ جلوسي في المنزلِ وتدريسي للدين، ومع أني كنتُ أدرسُ الفقهَ في السابق، ولكنني تعمقتُ، وبدأتُ أدرسُ النساءَ في ناميبيا الفقهَ، مما شجعني على بناءِ مسجدِي الذي أُعلمُ فيه، إلا أنَّ تلك التجربةَ لمْ تكنْ جزءًا من خطتي، فالحياةُ دلتني عليها، وأشكرُ ربي أني أكملتُ هذا المشروعَ  

 

ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟

أولُ نصيحةٍ هي أنهُ يجبُّ عليهنَّ أنْ يبحثنَ عن شغفهنَّ، ويكافحنَ ليصلنَ إليه، ولا يقفنَ عندَ العراقيلِ. لكن الأهم من ذلك، عندما تصل المرأة إلى ما تريدهُ يجبُّ عليها أن اتجيدَه وتعطيَه حقَّهُ من الجودةِ، لأنَّ الأغلبيةَ لا تنظرُ إلى عملِهَا إلا عندماتحقق حلمها، وعلينا أنْ نتأكدَ من أنَنا نعطي ما تحقق من حلمنا حقَّهُ من العملِ والإتقان

 

مقابلات مشابهة

Dr. Sara Buhmaid

د. سارة عبدالله بوحميد

قد يبالغ البعض قائلاً بأن المجال الطبي لم يكن مخصصًا لتعمل به النساء، بسبب طول مدة الدراسة وعبء العمل الذي يتطلبه. ولم تقف مثل هذه القناعات عائقا أمام النساء من التفوق في هذا المجال، كما ازداد عدد النساء الملتحقات بهذا المجال خلال السنوات القليلة الماضية، وتعتبر الدكتورة سارة بوحميد إحدى الرائدات القطريات في هذا المجال، حيث أثبتت للفتيات الصغيرات أنهن يمكنهن تحقيق التميز في المجال الطبي بجانب أمور حياتهن من خلال تفانيهن ودائبتهن في العمل في كل مكان

إقرأ المزيد
Lulwa Rashid Al-Khater

لولوة راشد الخاطر

لولوةُ راشدٍ الخاطرُ كانتْ من النساءِ القطرياتِ اللاتي اتخذنَ الواجهةَ في المدافعةِ عن دولتِنَا الحبيبةِ وفي الردِّ على الاتهاماتِ الكثيرة بصفتِها المتحدثُ الرسميُّ لوزارةِ الخارجيةِ. لنتعرفْ على لولوة الخاطر وعلى مسيرتِها المهنيةِ

إقرأ المزيد

العنود الكواري

  • جميع الصور تم مشاركتها معنا من قبل صاحبة المقابلة، وإن اختلف المصدر سيتم الإشارة إليه.
  • تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.
AR
Scroll to Top