نورة سعيد الكواري

مرشدة صحة

دائمًا ما يحن المرء إلى الماضي ويتذكر كلمات الأجداد ونصائحهم، وكان لعالمهم سحره الخاص فهو يختلف كثيراً عن إيقاع حياتنا الآن الذي أصبح مرهون بالكثير من الأعباء والمشاغل. ووسط هذه الزحمة يغرق المرء في مشاغله وينسى ذاته فيتوه عقله وتحتار روحه ويئن جسده، وهنا لابد من وقفة مع الذات، ونتأمل في مجرى حياتنا وتمشايها مع أهدافنا. هذه الجلسة التأملية تسمح للفرد بإدارة حياته للأفضل، وعبر "اللايف كوتشينج" يتعرف الإنسان على إمكاناته وقدراته، وتفجير الطاقات الكامنة داخله ومن ثم تحقيق الرضا والسعادة. وقد اقتحمت هذا المجال نساء قديرات في المجتمع القطري، ومن أشهرهن السيدة نورة سعيد الكواري والتي تعد نموذجاً مشرقاً بين نساء المجتمع القطري. فمن هي نورة الكواري؟

Noora Saeed Al-Kuwari

أنا زوجة وأم لطفلين، وقد تخرجت من جامعة قطر، حيث كنت أدرس بتخصص الحاسب الآلي. ولم أدرس "كوتشينج" ولا أي شئ يخص الصحة في الجامعة 

 

كيف بدأت حياتك مع الإرشاد الصحي؟

عندما كنت صغيرة كان لدي مشاكل فى زيادة الوزن، وعندما أعود إلى صوري في ذلك الوقت أرى أن زيادة وزني لم تكن كبيرة، ولكن أعتقد أنني كنت أكثر واحدة بالعائلة وزنًا فكنت أنا السمينة بالنسبة لهم. وبطبيعة الحال عندما وصلت إلى سن المراهقة كنت أتبع نظام غذائي للتخسيس، ولكن دون ممارسة رياضة. بالطبع خسرت الكثير من الوزن وكان وزني متوافق مع شكلي وهيئتي في ذلك الحين ثم انتقلت إلى مرحلة أخرى، فقد تزوجت وأصبح لدي أطفال، فمن الطبيعي أن يزيد وزني مرة أخرى، خاصةً مع الحمل والولادة. ولكن كان دائمًا لدي خوف من هذا الوزن الزائد الذي وصلت إليه، وكنت أفكر كثيراً كيف لي أن أتخلص منه. ومن هنا بدأت أبحث عن الطريق الصحيح، فأنا لم أكن أحب شيء اسمه حمية غذائية، وجربت أشياء كثيرة مثل وصفات والذهاب إلى مراكز التغذية، وبالفعل نجحت في إنقاص الوزن الزائد ووصلت إلى نفس الوزن الذي كنت عليه قبل الزواج، ولكن في هذه المرة كان الأمر غريب نوعًا ما ... فلم يعد جسدي مثل ما كان سابقًا. أحسست أن هناك شيء خطأ، وعندما تعمقت في الأمر فهمت أنني بالفعل خسرت الوزن الزائد، ولكن توزيع العضل والدهون فى الجسم لم يكن صحيحًا، كنت أحرم نفسي من الطعام ولكن لم أكن أمارس أي نوع من أنواع الرياضة وفي يوم من الأيام ذهبت إلى فعالية نسقتها سيدة أسترالية الجنسية وتعمل مرشدة صحية، أو ما نسميه الآن بوظيفة مرشدة تغذية، فكانت تقدم استشارات مجانية في كافة المناسبات والتجمعات وقد سجلت اسمي وبياناتي الشخصية مثل الكثير من الحاضرين ولم أكن أعرف وقتها ما هو الإرشاد الصحي وبعد أيام كنت على موعد جديد مع القدر، حيث اتصلت بي هذه السيدة وذكرتني بأنني كنت قد سجلت بياناتي الشخصية في هذا اللقاء، وأن القائمين على هذا اللقاء قد منحوني جلسة مجانية لتقديم الاستشارات وبالفعل حضرت الجلسة. وجدتها بعد ذلك قد قامت بطباعة صورتي وأضافتني في النشرة الإخبارية الخاصة بها، وبين الحين والأخر كان يصلني الجديد حول ورش العمل والمشروعات والأنشطة التي كانت تنظمها، وكنت في غاية الاستمتاع بما أراه وأسمعه وأحاول استيعابه وتطبيقه جيداً. ومع مرور الوقت، استغربت من فقدان وزني دون أدنى مجهود مني، أي بدون أن أحرم نفسي من شيء، وكان لدي أحساس أيضًا أن جسدي أكثر حيوية ونشاط. وتذكرت كلماتها لي أثناء جلسات الاستشارات الصحية أنه "ليس أهم شيء فقدان الوزن، ولكن أهم شيء هو الصحة، ثم يأتي نقصان الوزن في المرتبة الثانية فهو يأتي مع الوقت"، كما أضافت أن "هذا يعتمد بالأساس على مدى قدرتنا على التخلص من العادات السيئة، ثم وضع نظام جديد مناسب للجسم ليتأقلم معه" وفي نهاية المطاف وبعد حضور جلسات عدة بالفعل وصلت لما أريده، وكنت قد حضرت كافة ورش العمل والأنشطة التي أقامتها منذ أن تعرفت عليها. وفي أحد اللقاءات اعترفت لي قائلة إنها كانت تلقبني باسم” متابعتي القطرية" فكنت أنا القطرية الوحيدة التي كانت تحضر، وبالفعل نجحت في تطبيق نصائحها وقمت بتغيير عاداتي الغذائية، ولكن لم يكن مجرد تطبيق أعمى للنصائح التي تقال لي، فلم تكن قراراتي الغذائية من منظور "كلي هذا ولا تأكلين ذاك" ولكن كان من منظور أنه أصبح لدي طاقة جسدية أكثر من ذي قبل وأريد أن أحافظ على هذا الشيء. أصبحت على سبيل المثال أركض بشكل جيد، ولدي طاقة للتمرن ودخول حميع الرياضات المتنوعة والتي أريدها دون إحساس بالتعب والإرهاق، وأتمرن على الشيء الذي أحبه وأشعر بالرضا عن نفسي وشكلي، وهذه كانت مرحلة مهمة في حياتي وكانت مدربتي في ذلك الوقت لديها مكتب في أحد العيادات الطبية واقترحت أن أتعلم وأحصل على شهادة كمدربة وأن أشاركها في العمل، خاصةً وأنها كانت تريد أن تشارك أحد ممن ينتمون إلى المجتمع القطري باعتبارهم أكثر الفئات فهمًا لمشاكل المجتمع. كما أنني اتقن لغتين، فكنت بالنسبة لها الشخص المناسب. وقد شجعتني كثيرًا رغم أنني كنت مترددة جداً في البداية، خاصةً وأنني كنت حامل في ذلك الوقت، كما أن لدي أطفال وقد يعوقني ذلك كثيراً عن القيام بالعمل أو تحمل أية مسؤوليات إضافية. ولكنها شجعتني قائلة إنني أعرف كل شيء بالفعل من خلال سلسلة اللقاءات التي حضرتها معها، وأنه فقط يجب أن أجتاز الاختبارات اللازمة ولعل هذه الثقة التي منحتها لي هى ما جعلني وصلت بالفعل إلى أن أكون المدربة التي أمامكم الآن وفي ذلك الوقت لم يكن هناك سيدة قطرية غيري حاصلة على شهادة في هذا التخصص. ولكن الآن نجد أن هناك الكثير من السيدات حاصلات على هذه الشهادة وأنا سعيدة جدًاً وفخورة كثيراً بهم، وسعيد بأن يكون هناك هذا المستوى الراقي من الوعي والفكر  

 

هل كنتِ قبل العمل في مجال التدريب تعملين في تخصصك الدراسي الأول وهو علوم الحاسب الآلي؟ 

لا لم اشتغل بتخصص علوم االحاسب الآلي، فبعد تخرجي ثم زواجي كنت قد قررت ألا أعمل واتفرغ فقط لتكوين أسرة ورعاية أطفالي فكنت في مرحلة الحمل والإنجاب  

 

هل تقدمين استشارات عن التغذية والصحة حاليًا؟

 نعم، ولكن الإرشاد الصحي يختلف قليلاً عن التغذية ذاتها، فمثلاً من جهة الدراسة فالدراسة مختلفة ومدتها أقل ولا أستطيع أن أقارن نفسي بمن يدرسون التغذية، فهم يدرسون أربع سنوات ويتخصصون ويتخرجون من الجامعة بشهادة جامعية ولكن شهادتنا تدريبية أكثر. أنا أبدأ مع العملاء في رحلة تغيير، فأقوم في البداية بالحديث معهم والتعرف على التاريخهم الصحي والمشاكل التي مروا بها في الماضي، ويتطرق حديثنا إلى القضايا التي تهمهم وكيف كانت صحتهم من قبل؟ وكيف صحتهم الآن؟ وما الذي يريدون أن يصلوا إليه؟ وغالبًا في أول جلسة مع العميل نقوم بوضع ثلاثة أهداف لتيسير الرحلة عليهم، ومن الممكن أن تكون هذه الأهداف بسيطة جداً مثل زيادة شرب الماء، وقد يكون الهدف كبير مثل أن أتمتع بصحة أفضل أو أنقص وزني كنتيجة لهذه الرحلة أو قد يكون إتباع عادات صحية جديدة خلال هذه الرحلة والتي نسير فيها خطوة بخطوة دائمًا ما نراجع الأهداف التي وضعناها، ونحاول أن نضع في ثناياها عادات صحية أفضل ونعلم جيدًا أنه من الصعب على أي شخص أن يترك العادات الخاطئة والتي قد يكون اعتاد على القيام بها في سنوات حياته، فكيف فجأة أن يتخلص منها ويستبدلها بالأفضل؟ أعلم من تجربتي الشخصية مع نفسي أنه صعب جدًا، ولكن عندما يقول لي أحد يجب أن أنقص من وزني، فلنفترض أن هذا الفرد يشرب كوب من الكرك كل يوم وهذا الشيء هو الذي يعطيه السعادة خلال اليوم وأنه من المستحيل أن يتخلى عنه ولا يحس أنه السبب في تدهور صحته، لا أقول للعميل "يجب أن توقف الكرك حتى تصبح بصحة أفضل وينقص وزنك" فليس هذا الشيء الذي نستهدفه، ولكن الشيء الذي أعمل عليه هو أن يعدل الشخص من عاداته وسلوكه وتفكيره ونظرته إلى الصحة، ومع الوقت هو من يقرر ما هو الشيء الذي يستغنى عنه وما الشيء الذي يستبدله. وحتى أنا كـمرشدة تغذية هناك أشياء أحبها وكل فترة أرجع لها لأكلها، وأحس أنه طعامي المفضل ولا أحس أنه شيء سيئ أو عادة خاطئة طالما لم أصل لمرحلة أن أكون أسيرة لها وأدمنها. فهي رحلة، وتختلف تمامًا عن مفهوم الحمية الغذائية المتعارف عليها في ثقافتنا مثل التركيز على إنزال الوزن بهذه الكمية المعينة أو أكل سعرات حرارية معينة، فأنا لا أقوم بذلك ولكنه قد يتبادر لذهن البعض هذا المفهوم الخاطئ عن طبيعة عملي 

 

ما الجديد الذي تقدمينه لجمهور نساء قطر في الوقت الحالي؟

أحاول دائماً أن أطور وأحدًّث من الخدمات التي أقدمها للجمهور، وقريبًا خلال الشهر القادم سأطرح خدمات جديدة ستكون مختلفة قليلاً، لاحظت أن الناس ليس لديهم القدرة على الاستمرار في برنامج لـستة أشهر، وكذلك نرى أسلوب حياتنا اليومية أصبح سريع جداً ومليء بالالتزامات والأمور العائلية، فالبرنامج الذي درسناه يكون على مدة ستة أشهر، وصعب على الكثير أن يلتزم لمدة ستة أشهر مع شخص واحد يقابله مرتين في الأسبوع، وعادةً ما يسافرون الناس وينشغلون وتظهر لهم أشياء مفاجئة أحيانًا وغير مخطط لها. لذا قررت أن أقدم خدمات من نوع خاص، وهي الخدمات التي تقدم مرة واحدة كجلسات فردية متخصصة، وبعد ذلك من يريد أن يكمل في هذا المجال أستطيع أن أزيد من الجلسات بحسب احتياجات وظروف العميل وبخلاف تقديم الاستشارات فأنا حاليًا أقوم بتحضير شهادة متخصصة في صحة المعدة والهضم في نفس المعهد الذي درست فيه، فيصبح لدي شهادة أخرى تخصصية غير الإرشاد الصحي. وبعد ذلك سوف أقدم خدماتي الخاصة بالاستشارات في مجال صحة المعدة والهضم، والتي سيكون طرحها عبر باقات من الخدمات مثل خدمة جلسات الأم الجماعية وخاصة الأمهات الجدد. في وسط هذا التطور في تكنولوجيا الاتصالات وظهور مواقع التواصل الاجتماعي والتي تعرض للمشاهير وكيف يظهرون بشكل صحي ولائق، وهو الأمر الذي قد يشكل لدى البعض ضغوطًا نفسية فلكل فرد حلم أن يكون الأفضل بعد حملي وإنجابي كنت أفكر في شكلي وهيئتي التي اختلفت بسبب الحمل والولادة وكيف أعود إلى ما كنت عليه، وكان هناك تقبل ممن حولي من الناس مثل أمهاتنا أنها مسألة طبيعة ثم بعد سنة سيبدأ من حولي بتقديم الملاحظات لي بضرورة نزول الوزن، ولكن الآن الأمور تغيرت، فلم يعد من المقبول أن يستمر هذا الأمر وهو ما يشكل ضغوط نفسية كبيرة لدى الكثيرين، فبمجرد الولادة تبدأ السيدات في التفكير كيف يعود جسمي إلى ما كان عليه قبل الحمل؟ يأتي ذلك متزامنا مع أولوياتهم في كيفية التعامل السليم مع أطفالهم وكيف تكون الرضاعة الطبيعية الصحيحةة ففي الحقيقة، هناك أشياء أهم من أن يفكروا في كيفية إنقاص الوزن، فعليهم أن يعملونا جيدًا أن هذا الوزن الزائد الذي تم اكتسابه في تسعة أشهر يجب أن يأخذ وقته، هرمونات الجسم متغيرة ولم تعد لطبيعتها، وفي ذلك علينا أن نقترب منهم نفسيًا أكثر ونطمئنهم أن الأمر يحتاج فقط لمزيد من الوقت وأن عليهم الآن أن ينتبهوا بالأساس إلى التركيز على أمور أخرى تخص الطفل. لاحظت هذا التوكيد قد أثر على العديد من الأمهات الجدد، وأحسست أنه مفيد جداً لهم وقررت أن أقدمه كخدمة في شكل تدريب جماعي لمرحلة بعد الولادة  

هل هناك أنشطة تدريبية جماعية أخرى تقدمينها؟

نعم بالفعل، مازال في جعبتي الكثير فدائمًا ما أجلس مع ذاتي وأجمع ملاحظاتي حول المشاكل التي قد تطرأ على المجتمع وأحاول أن أصمم لها جلسات وأنشطة تدريبية، ولكن هناك أنشطة تدريبية جماعية كنت أقوم بها في الماضي وكنت استمتع بها كثيراً مثل "جولة السوبر ماركت"، وقد حظيت هذه الخدمة برد فعل جيد لدى الجمهور، فكانت الفعالية عبارة عن الذهاب سويًا إلى السوبر ماركت وأرشدهم حول كيفية قراءة الملصقات التي توضع على الأطعمة وكيف يختارون الخضار والفواكه وأنواعها العضوية والغير عضوية، وما هو المفضل في الشراء من بين هذه الأنواع كلها، وهل من الأفضل أن نشتري كل شيء من الأطعمة العضوية أم هناك أشياء غير عضوية من الممكن أن نأخذها، هذا بالإضافة إلى الرد على أية أسئلة شخصية قد يطرحها المشاركين مثل الحديث عن نوعيات الأطعمة الصحية لبعض الحالات المرضية مثل من يعانون من الحساسية المفرطة للجلوتين واكتشاف الأطعمة المناسبة لحالتهم، ويمكن أن أخذهم في جولة خاصة لإثنين أو ثلاثة حسب احتياجاتهم. وغير ذلك فقد أضفت خدمات جديدة مثل التشارك في اختيار قائمة الطعامو ولا أعرف إذا قرأتم عن الأطباق التي قدمتها مع مقهى "فلات وايت" بقطر، والآن قد قدمت أيضًا وصفتين لاقوا نجاح فائق من قبل الجماهير، وأقوم حاليًا بتجهيز وصفات وأطباق صحية مع مطاعم ومقاهي وجهات أخرى وإن شاء الله تنال إعجابكم   

وماذا لديكِ أيضًا من أنشطة وخدمات تقدمينها في الوقت الحالي؟

سأبداء إن شاء الله جلسات المعسكر، فأول مرة أعد لهذه الخدمة وكنت أريد أن أقوم بهذا النشاط منذ وقت طويل، وإن شاء الله يكون في المستقبل خدمة ثابتة وأساسية، ولأول مرة ستكون للسيدات فقط وسيشاركني اثنين من المدربين وهما ريم البنا من الكويت ونجلاء الخليفي كـمدربة تنفس وستعقد على مدى ثلاثة أيام في فندق المسيلة وعند الإعلان عن هذه الخدمة حاولنا أن نؤكد أنه معسكر وليست جلسات استرخاء واستجمام، وسوف تكون هذه الجلسات مكثفة حيث سنقدم جلستين كأنه "ميلاد من جديد" ونتعرض لكل المفاهيم الخاطئة وكل العادات التي نريد التخلص منها، ونحن متشووقن لهذا النشاط الجديد. وقد قمنا بفتح باب التسجيل، وفوجئنا بكثافة التسجيل للحضور، وهو ما دفعنا للتفكير في إعادة هذا التدريب مرة أخرى قريبًا، بعد ما كنا قد وضعنا في خطتنا أن يكون مرة كل سنة ولكن نظرًا لكثافة الإقبال فسيكون هناك إعادة له وهو الأمر الذي سوف يتحدد حسب ردود فعل المتدربات ومدى النجاح الذي سنحققه في الجولة الأولى، وهذه تقريبا الخدمات التي احضًّر لها حاليًا وفي بداية السنة الجديدة سوف أعلن عن الجديد إن شاء الله   

كيف كانت تجربتك في هذا المجال وماذا جال بخاطرك بعد اتخاذك قرار البدء في هذا المشروع؟ 

عندما بدأت أدرس لم أخبر أحد عدا زوجي، وكان هدفي فقط أن أحصل على الشهادة ويكون الأمر للتعلم الشخصي فقط، ولكن من طبيعتي أنني عندما أتعلم شيء، أقوم بنشره لمن حولي من أهلي وأخوتي وأصدقائي، وأحسست أن من حولي قد استفاد وكانوا يتفاعلون ويتغيرون ويتعلمون ويعرفون أكثر، فقررت أن أشاركهم ذلك عبر صفحات الأنستجرام، وفتحت صفحة "نيورش نورا" والتي كان اسمها في البداية قبل أن أغيرها "هيلث ليڤينق". وبدأت في هذه الصفحة من باب المشاركة فقط، فكل ما كنت أقوم بتجهيزه أنشره، فمثلاً هذا الشيء مفيد وهذا الغذاء فائق الجودة وهذه الوصفة فيها كذا وكذا وأنا في الأصل أحب أن أطبخ، وأي شيء يأتي في ذهني وأحس أنه ليس صحي أحاول أن أبتكر طريقة لإعداده بشكل صحي، فمثلاً تعلمت كيفية إعداد المعمول منذ أن كنت في بيت أبي وكنا نقوم بإعداده بشكل عادي، ولكن إخوتي كانوا يعانون من الحساسية المفرطة للجلوتين، فجلست أجرب أكثر من طريقة ووصفة حتى نجحت في إعدادها بطريقة صحية وشهية وأصبحت من الأطعمة المميزة لدى أسرتي، لذا قررت أن أشارك الناس هذه الوصفة وأحسست أن هناك اهتمام كبير من قبل الناس بما أقدمه، وجلست أفكر قليلاً وأقيس على تجربتي الشخصية وكيف تغيرت، مع أنني لم أكن أتبع أي نظام غذائي لإنقاص الوزن، كنت أتمتع بصحة أفضل ومظهر جيد وأصغر وأتمتع أيضًا ببشرة وشعر رائعين. فلماذا نركز على منظور إنقاص الوزن فقط؟ إذا اتبعنا نظام قاسي سنواجه أثار جانبية مثل ضعف وتقصف الشعر، وبشرة غير صحية، وشعور دائم بالتعب والإرهاق مع نقصان الوزن السريع والقاسي، فليس هذا هو الهدف دعيني أسرد لكم عن أحد التمرينات التي تلقيتها على يد مدربتي نيكول والتي أثرًّت في كثيراً لدرجة أنني أحب أن أحكيها لكل الناس، وهي أن تتخيلي أن عمرك ثمانين سنة، فتخيلي معي كيف سيكون شكلك؟ هل ستختارين أن تكوني جالسة على مقعد متحرك، أم تقولين كيف لك أن تفكرين عن عمر الثمانين فقد نموت غداً. ولكن قد نعيش إلى عمر الثمانين والمئة عام، في هذا العمر قد يكون لديكم متاعب صحية كثيرة، وتأخذون أدوية، وقد لا تستطيعون الحركة، أما على الجانب الأخر قد تكونوا مستمتعين بصحة جيدة وتستطيعون الحركة وتتمتعون بذاكرة جيدة وتكون لديكم القدرة في ملاعبة أحفادكم. وبالطبع هذا هو اختيارنا، وعلى حسب عادتنا نكون. وبالفعل فقد أثرًّ في هذا المثال كثيراً، خاصةً وأنني قد شاهدت جدتي أم أبي والتي كانت تعاني من الزهايمر ولا تستطيع التعرف علينا وعلى أولادها رغم عدم وصولها لهذا السن الذي نتحدث عنه. وكذلك جدتي الثانية رحمها الله التي توفت أثر إصابتها بمرض السرطان، والتي تم تشخيصها بعد أن وصل لمراحله الأخيرة نظراً لرفضها الذهاب إلى المستشفى هذه التجارب الشخصية أثرًّت فيني كثيراً، فيجب أن يكون لدينا تحكم ورعاية واهتمام بصحتنا، فاختياراتي الحالية هي التي ستشكل ماذا سيكون عليه وضعي الصحي في المستقبل. أنا لا أقول إنني قد أطيل أو أقصر من عمري، ولكن أقصد أن نأخذ بالأسباب ونقوم بما يجب علينا القيام به. وبالفعل كان هذا هو ما يعطيني الحافز أكثر لأتباع أفضل الطرق الصحية، دون النظر فقط إلى شكل الجسم أو نقصان الوزن. ومن جانب أخر وجدت أن الحمية الغذائية قد سببت لي علاقة غير صحية مع الأكل وشعور دائم بالذنب واللوم مما سبب لي ضغوط نفسية، فجلست أحاول وحتى الآن أحاول أعدل علاقتي مع الأكل وأحسنها دون أن يكون لدى أي أحساس بالذنب ولا أذهب حتى أتناول وجبة دسمة أو غيرها من الأفعال التي كانت تشعرني بالندم ومن هنا أحسست أنني أنا العلامة التجارية، وأنه يجب أن أظهر بوجهي للجميع، خاصةً بعد أن وجدت ردود فعل جيدة على صفحتي وأنه من اللازم أن أكون موجودة وأن تشاهد الناس تجاربي الشخصية. تجربتي ساعدت الناس على تحقيق أهدافهم، وهذه كانت بدايتي. كانت الردود ما شاء الله جيدة جداً لأن الإرشاد الصحي لا يعتمد فقط على قضية الأكل، ولكن نحن كـمرشدات تغذية نتعلم في المعهد أنه قبل البدء في مسألة الأكل يجب علينا أن نتعرف على الغذاء الأساسي، وهو يعتمد بشكل كبير على أشياء غير الأكل مثل الدور أو الوظيفة التي يؤديها الفرد في المجتمع، وطبيعة علاقاته المهنية و قيمه الروحية والأنشطة البدنية، أي خلل في هذا الهرم يؤدي إلى إتباع عادات صحية غير متوازنة، ولذا فنحن دائمًا نبحث عن إحداث التوازن بين كل تلك الجوانب التي نعتبرها أساسية في حياة أي شخص. فمثلاً إذا كان هناك شخص غير سعيد في علاقته الزوجية أو العائلية أو لديه مشاكل في العمل، ينعكس ذلك على تصرفاته، فنجد عادةً أنه إما يأكل كثيراً، أو على العكس من ذلك لا يأكل، أو يكون عصبي المزاج بشكل غير معتاد، وقد ينسى تناول الطعام أو على العكس ينظر إلى الطعام باعتباره هو الملجأ الوحيد له، أو يحس أنه يحتاج لطاقة فيأكل سكر كثير وغيرها من التصرفات الغير صحية، فدائمًا هناك سبب خارج التغذية يسبب العادات الغذائية الخاطئة أو الخيارات الخاطئة في اليوم، فبمجرد أن ننتبه لهذه القضية، فسنجد أن الإنسان يكون لديه اتزان في العادات الغذائية والصحية بشكل عام. وأحمد الله أني لم أواجه مشاكل خلال فترة عملي هذه، وجميعها كانت ردود أفعال جيدة. ومن الطريف أن والدتي حتى الآن لا تعرف بالتحديد ما الذي أفعله ولكن عندما تسمع المدح والثناء من الناس عن ما أقوم به فتشعر بالاستغراب. فالمرشد الصحي له دور مهم بالفعل ومفيد جداً للكثيرين في مجتمعنا  

 

ما السبب وراء ترك مجال الحاسب الآلي والانتقال إلى العمل كمرشدة صحية، وكيف ترين علاقتك بهذين المجالين؟

في الواقع أنا لم أحب مجال علوم الحاسب الآلي، ولكنني كنت خريجة المدرسة العلمية والتي كانت تعتبر مدرسة المتفوقات، وقد درست في نفس مجال تخصص أختي الكبيرة. تخرجت بنسبة عالية، وتلقيت بعثة من الدولة لدراسة علوم الحاسب الآلي، بينما كنت أحب دراسة التصميم ولكن رفضت أمي ذلك ولم توافق لي على السفر للخارج، فجلست أبحث في التخصصات المطروحة في جامعة قطر وسألت أختي الكبرى التي أفتخر بها عن تخصص علوم الحاسب وإذا كان ممتع أم لا، وأجابت أنه ممتع جداً وهو ما دفعني إلى أن ألتحق به، ولكن عند دراستي له أكتشفت أني لا أحبه، ولكن لم يكن لدي طريق أخر ولا استطيع أن أقف في منتصف الطريق، فأكملت دراستي وانتهيت منها وتخرجت والحمد لله وبتقديرات جيدة. ومن جانب أخر فأنا أعاني منذ صغري من مشاكل في الوزن الزائد، وكنت أقرأ معلومات كثيرة عن الصحة، وعندما رأيت مدربتي "نيكول" واقترحت انضمامي لمجال الإرشاد الصحي وافقت. هذا هو مكاني، ويمكن أن أقدم شيء في هذا المجال ولدي القدرة والرغبة في أن أقدم الكثير في هذا المجال   

هل من الممكن أن تتحدثي أكثر عن اللحظات المؤثر في دربك كمرشدة صحية؟

 أسعد لحظاتي هي أن يأتي لي أحد ويقول لي أنه تأثر بتجربتي وبما أقوله، وأنه بالفعل استطاع أن يغيًّر حياته للأفضل، فهذا يعتبر بالنسبة لي إنجاز. ومن أقرب هذه اللحظات من قلبي عندما جاءت لي لولوه الكواري، والتي تعد ثاني مرشدة صحية من بعدي في قطر، وقالت أنها أصبحت مرشدة صحية بسببي، وبالطبع أنا أشعر بالسعادة عندما أحدث تأثير جيد لدى الأخرين من حولي، وتعد لولوه الكواري واحدة من المدربات التي أحب أن أعمل معهم فهي مدربة ماهرة جداً  

 

ما هي التحديات التي واجهتها في حياتك وكيف تخطيتيها؟

 

كانت بداية طريقي سهلة نوعًا ما، ولكن حتى أصل لهذه المرحلة فكان يتوجب علي مواصلة الدراسة والبحث، وحاليًا أدرس عن بعد،ولكن لدى الآن مشكلة، ليست بالكبيرة، ولكن كثيراً ما أشعر بعدم الآمان، فهذا التخصص ليس مدرج بعد في قطر. فمثلاً، رخصة مزاولة المهنة الخاصة بي هي ليست "كمدربة"، ولكن للعمل عن بعد وهذا حتى أستطيع أن أنشئ حساب ويستطيع الناس إجراء معاملات رسمية وعندما سألت عن إمكانية فتح مكتب أو مركز إرشادي، فكان الرد بالرفض، فقالو لي أن أي شيء فيه كلمة "صحة" يجب أن تأتي من مستشفى أو من أخصائية تغذية، وحتى الآن أشعر أنني محصورة في زاوية معينة، فهذا فقط الذي أستطيع القيام به وأخاف من أن يأتي أحد ويسألني عن ترخيص عملي كمدربة صحة وأن أُسئل وكيف لكِ أن تقومي بهذه الوظيفة؟ ولكن ما أحب أن أوضحه أننا كـمدربات صحة لانتدخل في الحالات الصحية، فمثلاً إذا كان هناك شخص لديه مرض مزمن أو يأخذ أدوية فمن المستحيل أن نقول له أوقف أدويتك أو لا تذهب للطبيب، ولكن تمشي يداً بيد معهم. وأخشى أن يحدث شيء لا قدر الله ويدرج اسمي في أمور لا تعنيني، فالموضوع شائك قليلاً، فدائمًا أنا أحاول في منشوراتي وكلماتي ألا أتدخل في أشياء جدلية تتعارض مع الطب، وكلامي دائمًا عن الصحة العامة والأشياء الطبيعية، وأشعر أنه حتى الآن هذه المسألة تقيدني عن التوسع وأن يكون لدي مكتب ويكون هناك أكثر من مدربة يساعدوني في تقديم خدماتنا لأعداد أكبر من الناس ونفيدهم، فالآن أنا أعمل وحدي وهو ما يعد في حد ذاته تحدي كبير بالنسبة لي وحتى المدربات الأخوات نجلاء وفاطمة اللتان تعملان في مجال التنفس يواجهن نفس المشكلة، فليس لدينا تصريح يشمل الـممارسة الصحية الكلية الخاص بنا، وفي نفس الوقت نريد أن نمارس ما تعلمناه دون أن ندخل في أية مسألة قانونية   

ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟

 في البداية أحب أن أعرب عن فخري واعتزازي بالنساء القطريات، فلديهن قدرات عجيبة وقوية وأفخر أن أكون واحدة منهن، فأمي من أول الأجيال الشاهدة على نهضة التعليم القطري، فهذا الجيل يعد أكثر جيل حصل على درجة الدكتوراة وأمي منهم فقد حصلت على الدكتوراة في تخصص الجيولوجيا. وأنا أشعر بالاعتزاز والفخر أننا منذ ذلك الوقت، وحتى الآن، مازلنا نثبت للناس يومًا بعد يوم أننا نستطيع فعل المستحيل وتخطي الصعاب. فأمي أنجبت سبعة أخوات واستطاعت أيضًا أن تحصل على الدكتوراة، وإن شاء الله تظل النساء القطريات ناهضات في طريقهن ولا يستطيع أحد أن يوقف طريقهن للنجاح والتقدم، وأحب أن نكون دائمًا كنساء صفًا واحداً نشجع وندعم بعضنا البعض دائمًا

  • كاتبة المقابلة: العنود الكواري.
  • تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.
AR