تشهد الساحة الفنية في قطر تطورًا شمل جميع أشكال التعبير عن الذات، كما يحتفل بها المجتمع بشكل كبير، إلا إحدى أنواع الفنون، وهي الموسيقى، لا تزال بحاجة ماسة إلى الاهتمام والدعم، فعدد القطريين الرائدين في هذا المجال محدود للغاية، أما المؤسسات التي تدعم هذا الفن، فأقل من ذلك، ولذلك شرعتْ هالة العمادي في تغيير هذا الواقع، مسلطة الضوء على المواهب القطرية في هذا المجال الجميل، فقد عملت، بلا كلل، لتثبت أن القطريين لديهم القدرة على عزف الموسيقى في المحافل العالمية. فمن هي هالة العمادي؟

أنا موسيقار طموحة، صاحبة الكثير من الأمزجة المختلفة والمشاعر، وأشعر أن الموسيقى هي أفضل طريقة للتعبير عن نفسي. وجدتُ ذاتي من خلال الموسيقى، لكنني لم أفكر مطلقًا أنني سأصبح موسيقار يومًا ما، كان شيئًا حدث خلال الرحلة. إلا أن حبي للموسيقى بدأ عندما كنتُ صغيرة، فقد كنا أنا وعائلتي نستمع إلى جميع أنواع الموسيقى، واستمر الحال على هذا المنوال ونحن نكبر، وفي كل مرة كنتُ أسمع فيها مقطوعة بيانو أذهب وأجلس على البيانو وأتظاهر بأنني أنا من يعزف البيانو! لكن عندما تكون طفلاً، لن يدفعك أحد إلى ممارسة هذه الهوايات وأخذها بجدية أكبر، ولذلك لم آخذ أي دروس في عزف البيانو في صغري، وفيما بعد، درستُ الهندسة وعملتُ في المجال أيضًا، لكنني كنتُ أدرس الموسيقى في نفس الوقت، فقد بدأتُ في عزف البيانو لأن والدي أراد أن يكون هناك بيانو في المنزل كقطعة زينة، أما أنا فكان لدي فضول يدفعني للجلوس عنده، ومحاولة عزف أي مقطوعة أغنية حفظتها من خلال السمع، وما فاجأني وقتها هو أنني تمكنت من عزف بعض المقطوعات وبشكل صحيح في محاولتي الأولى! وفي تلك اللحظة، قررتُ أنا ووالدايّ أن الوقت قد حان لآخذَ بعض الدروس.
ما الذي دفعكِ لاختيارعزف البيانو كمهنة؟
كنتُ في البداية أتلقى دروسًا خصوصية في المنزل فقط، وكنتُ أحاول وقتها تعلم قراءة النوتات الموسيقية، ووقعتُ في حب الموسيقى الكلاسيكية خلال هذه الدروس، مما دفعني لتعلم وفهم الموسيقى، ولذلك بدأتُ في الدراسة لامتحان مجلس إدارة المدرسة الملكية للموسيقى، لأحسّن من قدراتي التقنية. يقع مقر الاختبار في لندن، ولكنهم يرسلون ممتحنين إلى الدوحة كل سنة، ويتكون الامتحان من ثماني مستويات، وفي نهايته تحصل على شهادة دبلوم. لكن لم يوافق والدي على رغبتي في ترك دراسة الهندسة والتركيز فقط على تعلم عزف البيانو، ولذلك لم أتمكن من الحصول على شهادة البكالوريوس في الموسيقى، بالإضافة إلى ذلك، فتخصص الموسيقى غير موجود في قطر، وباعتباري امرأة، لم يُسمح لي بالسفر بمفردي لمتابعة الدراسة في مكان آخر، فلجأتُ إلى دراسة الموسيقى في وقت فراغي خلال دراسة الهندسة، وهذا أدى إلى تمديد وقتي كطالبة جامعية وبمجرد تخرجي من الجامعة وحصولي على شهادة في الهندسة، تم وضعي في المستوى المتوسط في عزف البيانو، وهذا المستوى يسمح لي بالعزف أمام جمهور، ولذلك بدأتُ في البحث عن الأماكن التي ستسمح لي بالعرض كأول قطرية تدربت على عزف الموسيقى الكلاسيكية. وحدث وقتها أن أحد معارفي كان يعرف شخصًا يعزف في الأوركسترا، وهذا الشخص قد استمع إلي عزفي، وسألني ما إذا كنتُ جادة في احتراف العزف على البيانو، ونصحني أنني لو أردتُ اتخاذ الخطوة التالية، فإنه يجب علي أن أتحدث مع سيدة تدعى سونيا باركس وفي عام ٢٠١٦ قابلتُ سونيا باركس، وقد أخبرتها فور دخولي إلى منزلها أنني أريد أن أصبح عازفة بيانو محترفة، وقد انصدمتْ في البداية، وسألتني ما إذا كان بإمكاني فعل ذلك حقًا! فقد كانت قلقة بشأن بعض العقبات التي قد أواجهها في طريقي لكي أصبح عازفة بيانو محترفة، مثل تحسين مهاراتي التقنية، كما كانت قلقة من ردة فعل المجتمع تجاهي اختياري، حتى أنها تساءلت ما إذا كنتُ قادرة على العزف في الأماكن العامة وأنا أرتدي ملابسي الثقافية (العباية والحجاب)، وكان جوابي أنني أولاً سأحاول معرفة ردة فعل الجمهور، وعندما بدأتُ العمل مع سونيا في عام ٢٠١٦، كانت تلك الفترة التي بدأتُ فيها أخذ العزف على محمل الجد والنظر إليه كمهنة .
وما الذي دفعكِ لتصبحي ملحنة أيضًا؟
ما دفعني لأكون ملحنة هو حبي للموسيقى فيالأفلام، أشعر أن حبي لبعض الأفلام ينبع أساسًا من حبي للموسيقى لكن أن تكون مؤلفًا موسيقيًا هو رحلة مختلفة تمامًا عن كونك عازف بيانو، إلا أنهما يتقاطعان، فعندما تدرس الموسيقى الكلاسيكية، وتكون قادرًا على قراءة الموسيقى بشكل أفضل، عندها يمكنك كتابة الموسيقى أيضًا ففي المرة الأولى التي حاولت فيها تأليف مقطوعة، شعرتُ أنني أردتُ ببساطة أن أكتب أفكاري على ورقة، لأنني دائمًا أعزف الألحان في رأسي، ولذلك أحاول تدوينها على الورق وقد تقدمتُ بطلب تأليف الموسيقى لبعض الأفلام، وقوبلتُ بالرفض عدة مرات، لكن إنجازي العظيم في عالم التلحين حتى الآن، هو قيامي بتلحين فيلم "سمجة" للمخرجة أمل المفتاح، والذي فاز بجائزة أجيال – صنع في قطر– في عام ٢٠١٧، وكانت مقطوعة الفيلم هي نفسها التي عزفتها في الأمم المتحدة، ولذلك تحتل تلك المقطوعة مكانة خاصة في قلبي، لكنني في الوقت الحالي متوقفة عن التأليف، لأنني أريد التركيز على الحصول على شهادة الدبلوم في الموسيقى الكلاسيكية، لكي يكون لدي أساس قوي أبني عليه مهاراتي في التأليف، وبمجرد حصولي على الشهادة، أخطط مواصلة تعليمي والحصول على بكالوريوس تأليف المقطوعات الموسيقية.
هل واجهت أي تحديات في رحلتك؟
نعم، لقد واجهتُ العديد من التحديات، وما زلت أواجهها حتى يومنا هذا، فقد كان أحد التحديات الأولى التي واجهتها هو خوفي من تقبل المجتمع لي كامرأة ترتدي العباءة والحجاب، وتعزف الموسيقى علنًا، وذلك لأسباب دينية وثقافية. فوالدي نفسه، والذي يدعم خياراتي حاليًا، كان مترددًا في البداية، فكان يسألني أسئلة مثل "ماذا سيقول فلان وماذا سيفكر علان؟" عن طموحي في أن أصبح عازفة بيانو، فكنتُ أرغب في كسر الصورة النمطية، أردتُ أن أظهر للجميع مدى أناقة البيانو كآلة موسيقية، وأن كونك عازف بيانو هو فن، مثل كونك رسامًا أو صانع أفلام أما التحديات الأخرى التي واجهتها في البداية فكانت النقص في الموارد، بالأخص الموارد التعليمية، فكنت ألجئ إلى شراء الكتب عبر الإنترنت، والبحث عن أي موارد يمكن أن تساعدني في تطوير مهاراتي الموسيقية، كما لم تكن هناك فرص عمل. لكن بعد فوزي في مسابقة ٢٠١٧، فُتح الكثير من الأبواب أمامي، لكن كان علي التأكد من أن الناس يعرفونني، ولذلك كان علي أن أجر نفسي إلى العديد من الأماكن للأداء، وأحيانًا كان البعض يرفض أن يدفع أجري، بينما عرض علي البعض لوحة المفاتيح للموسيقى للعزف بدلاً من البيانو! كما طلب مني البعض الآخر إحضار البيانو الخاص بي للعزف! ولكن بسبب حبي للبيانو، تمكنتُ من التحلي بالصبر وثابرت.
هل يمكنكِ أن تخبرينا عن أدائك في الأمم المتحدة؟
حدث ذلك بفضل سونيا باركس ومعارفها، فقد تمكنا من التواصل مع سعادة الشيخة علياء بنت أحمد بن سيف آل ثاني، وهكذا بدأ كل شيء فقد سمعتُ عن العزف في الأمم المتحدة لأول مرة، والذي حدث في أكتوبر من نفس العام، لكن لم يتم التأكيد ما إذا كنتُ سأعزف في الحدث، فالعازف يحتاج إلى التدرب على مقطوعة ستة أشهر على الأقل قبل العرض، كما أن الشيخة علياء اقترحت أن أعزف مقطوعة منفردة كافتتاحية للحدث، وفكرة العزف منفردة في الأمم المتحدة جعلتني أشعر بضغط عظيم، وكنتُ قد قررتُ أن أعزف المقطوعة التي قمت بتأليفها لـفيلم "سمجة"، لكنني أضفتُ بضع صفحات أخرى من النوتات الموسيقية لجعلها مقطوعة كاملة، فقد كنتُ مصممة على عزف موسيقى من تلحيني، لأجعل العالم يعرفني كعازفة بيانو وملحنة.
يمكنني تذكر فترتان في حياتي بذلتُ فيهما جهدًا عظيماً، المرة الأولى كانت لمسابقة عام ٢٠١٧، والثانية عندما قدمتُ عرضًا في الأمم المتحدة، ففي فترة ما قبل المنافسة، كنتُ أضبط المنبه على الساعة الثالثة صباحًا، لأستيقظ وأتدرب على المقطوعة ثم أعود إلى النوم، وتابعتُ نفس الروتين قبل عرضي في الأمم المتحدة، فمن صفات العازف الجيد هو أن يتمتع بذاكرة عضلية جيدة، وهذه الذاكرة لا تأتي إلا بعد التدريب المستمر والصارم، ولذلك تدربتُ بمفردي بقدر ما أستطيع، لكنني حاولتُ أن أجد أماكن عامة للعرض حتى أعد نفسي ذهنيًا للعزف أمام جمهور كبير، كانت التجربة منهكة للأعصاب، لكنه ساعدني على اكتساب الخبرة .
هل يمكنك إخبارنا بالمزيد عن المسابقة في عام ٢٠١٧ التي فزت بها؟
يعود الفضل في اشتراكي في المسابقة إلى سونيا باركس، فقد شجعتني على المشاركة في المسابقة، وقالت لي "إما أن تفوزي أو تستقيلي". وكانت هناك فئات مختلفة للجوائز في المسابقة، وشاركتُ في فئة ثمانية عشر وما فوق. كما أنني كنتُ في منافسة مع فنانين يعزفون على آلات مختلفة، فالمسابقة لم تكن مجرد مسابقة العزف على بيانو، وهذه المنافسة هي التي دفعتني إلى الأمام وصقلت موهبتي، لأنني كنت أتدرب كثيرًا لأبذل قصارى جهدي.
هل هناك لحظة مميزة في حياتك المهنية؟
لقد مررتُ بالاكتئاب قبل فوزي بالمسابقة، ومررتُ بنوبة أخرى قبل أدائي في الأمم المتحدة، وأعتقد أن هذه المعاناة جعلتني أدركُ مدى تقديري للموسيقى في حياتي، فأنا أعتقد أن الموسيقى أنقذتني، لقد ذكرتني بمن أنا وما أطمح أن أكون.
كيف كانت تجربة الموازنة بين عملك وعملك كعازفة؟
كانت أيامًا صعبة، فقد كنتُ أعمل ٨-١٠ ساعات في محطة المترو، وكان يجب علينا التواجد في الموقع معظم الوقت، وبعد ذلك كنتُ أعود إلى المنزل للتدريب على العزف لمدة أربع ساعات على الأقل، ونتيجة لذلك، كان علي التضحية بحياتي الاجتماعية، ففي ذلك الوقت ، كنتُ قد تخرجت للتو وبدأتُ العمل كمهندسة، ولذلك لم أستطع الاستقالة بكل بساطة للتركيز على الموسيقى، كما أني اضطررت إلى إعالة نفسي ماديًا لدفع تكاليف دروس الموسيقى، وبعد أن أثبتُ نفسي كعازفة بيانو وملحنة، وقتها تمكنتُ أخيرًا من ترك وظيفتي، والتركيز فقط على الموسيقى، وكان ذلك أفضل قرار اتخذته على الإطلاق.
هل لاحظت أي تغييرفي نظرة المجتمع إليكِ كعازفة بيانو؟
في الواقع لم أتوقع أبدًا أن يتقبلني الناس كعازفة بيانو، ولكن بعد عودتي من الأمم المتحدة، فوجئت بردود الفعل الإيجابية من الصغار والكبار، وأدركتُ أنه من الطبيعي تمامًا أن ينتقد المجتمع المفاهيم أو الأفكار الجديدة، لأن غالبًا ما يساء فهمها، فعندما بدأت العزف على البيانو، كان الأمر مختلفًا تمامًا، ويبدو العالم الآن وكأنه عالم مختلف تمامًا عن ذلك العالم، ولذلك أعتقد أن جيلنا يشعر براحة أكبر في اختيار مسار حياته المهنية بنفسه .
هل يمكنك وصف لحظة فشل مررت بها؟
صحيح أن لدي المهارات، وأتدرب طوال الوقت، كما أنني طورت ذاكرة عضلية تساعدني في عزف أية مقطوعة موسيقية بسلاسة، إلا أنه كانت هناك فترات معينة في مسيرتي لم أكن أمتلك فيها بعض المهارات الفنية. أتذكر أنه كان علينا أن نؤدي في فندق كيمبنسكي مع فنانين جوالة كل شهر لنعتاد على العزف أمام جمهور، وأردت أن أتحدى نفسي، فاخترت عزف مقطوعة رقم ١٣ "الاختراع" ليوهان سيباستيان باخ، ورغم أن طول المقطوعة دقيقتين فقط، إلا أنني طوال وقت عزفي لم أعزف نغمة واحدة صحيحة! لكنني عزفت الأغنية بثقة، واستمريت في العزف، كموسيقيين نتعلم ألا نتوقف أبدًا، لأنها ستؤدي إلى الاستبعاد على الفور، وعندما انتهيت من العزف، وقفتُ وانحنيت أما الحشد، ولدهشتي صفقوا لي! وبعد تلك التجربة، لم أتمكن من الاقتراب من البيانو، لأنني ظللت أتساءل ما الذي فكر فيه الجمهور وقت أدائي، لابد أنهم اعتقدوا أنني مجنونة! وحتى يومنا هذا لم أتمكن من عزف تلك المقطوعة أمام جمهور، لكنني أتدرب عليها طوال الوقت لأنني أرغبُ في الحصول على فرصة ثانية لعزفها أمام نفس الجمهور مرةً أخرى لأثبت أنني أستطيع عزف المقطوعة وهناك صعوبة كنتُ أواجهها، وما زلت أواجهها، وهي الرفض، رغم أنه شيء يحدث في أي مجال، فعلى سبيل المثال، تم رفضي من قبل العديد من صانعي الأفلام، ولكنني تمكنتُ من العمل مع أمل المفتاح في فيلم "سمجة"، وقتها كنتُ أنا من تواصل مع أمل وعرضتُ عليها تلحين الفيلم، لأنني في ذلك الوقت كنت أبحثُ عن فرص لترسيخ اسمي كملحنة، فأنتَ إما أن يتم رفضك أو أنك تتوقف عن ترشيح نفسك. قد تُرفض، ولكنه جزء من الرحلة
ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟
أعتقد أنه يجب على الجميع محاولة تعلم العزف على آلة موسيقية، ويمكن أن تكون طريقة رائعة للتعبير عن الذات، أما نصيحتي للعازفين والملحنين فأقول: استمروا في التدريب.
- كاتبة المقابلة: الجوهرة آل ثاني.
- تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.