نور عبدالله المالكي الجهني

رائدة في التأثير الإيجابي في المجتمع

شهدت دولة قطر في العشرين سنة الماضية تطورًا كبيرًا شمل مختلف نواحي البلاد، وهناك ما يوثِّق كل هذه التطورات، ولكن يظل التغيير الاجتماعي العظيم الذي مرت به الدولة مرحلةً غير موثقة، وقد يعتقد البعض أن التغيير في المجتمع كان من الآثار الجانبية للتغييرات الأخرى، إلا أن الواقع مختلف قليلاً، لأن عجلة التغيير الاجتماعي كان ورائها أشخاص عملوا بجهد لطرح قضايا لم تُطرح من قبل، والنقاش حول تلك القضايا الحساسة كان أول خطوة، ونور عبدالله المالكي الجهني كانت من إحدى هؤلاء الأشخاص الذين دفعوا المجتمع للتغيير، وساهمت بشكل كبير في تغيير مكانة المرأة وقضاياها لتصبح من القضايا الأساسية في قطر، فمن هي نور عبد الله المالكي الجهني؟

Noor Abdullah Al-Maliki Al-Jahni

 أنا امرأة مسلمة قطرية، ومحبة لوطنها، وأتيحت لها الفرصة، من خلال محطات في حياتها، لتساهم في تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية، والدفاع عنها، خاصة القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق المرأة، وامتدت مساهماتي في هذه القضايا لمسيرة مهنية طويلة أعتز بها. وعندما أتأمل وأفكر في مسيرتي، بعد تقاعدي، أرى أنها كانت عبارة عن محطات مختلفة، وكل منها كانت طريقًا لمحطة أخرى، وأشعر بأن الله قد رتب حياتي لأنتقل بفضله من محطة لأخرى. وفي هذه المحطات، تبوأتُ مناصب عدة، فكنتُ أمينًا عامًا للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة بدرجة وكيل وزارة، وبعدها كنتُ المدير التنفيذي لمعهد الدوحة الدولي للأسرة في مؤسسة قطر، وكنتُ أحد الأعضاء المؤسسين للجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وعضوة فيها بين عام 2002 م حتى عام 2009 م، كما تشرفتُ بتمثيل دولتي الحبيبة في أكثر من موضع، وعلى المستوى الدولي، تم انتخابي كعضوة في لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة (سيداو)، وكنتُ أول خليجية تُنتخب لهذه اللجنة، وظللتُ عضوة في لجنة سيداو من عام 2012 م إلى أن قدمتُ استقالتي منها نهاية عام 2013 م، كما كنتُ عضوة في مجلس أمناء صندوق الأمم المتحدة المعنيّ بالاتجار بالبشر، وهذه المناصب ليست المناصب الوحيدة التي شغلتها، ولكنها تعتبر الأهم في مسيرتي، وقد تقاعدتُ قبل 3 سنوات، ومرحلة التقاعد، بالنسبة لي، مرحلة مهمة، وتبدأ هذه المرحلة عندما تشعرين بأنكِ قدمتِ كل ما تستطيعين تقديمه من خلال الوظيفة، وتشعرين بأنه حان الوقت للتقاعد، والاستمرار في المشاركة والعطاء بوسيلة مختلفة، لأن التقاعد لا يعني انتهاء العطاء، بل هو باب يفتح لك فرصًا أخرى تعطين من خلالها .

 

ما الذي جذبكِ للاهتمام بالقضايا الاجتماعية والدفاع عنها؟

أعتقد أن لكل شخص اهتمامات، أو توجه معين، وأعتقد أن اهتمامي الشديد بالقضايا الاجتماعية، خاصة قضية المرأة، ناتج من الفترة التي عشتها، وتلك الفترة مختلفة عن التي يعيشها الجيل الحالي، فمثلاً، لم يكن لدينا - نحن النساء- الكثير من التخصصات في الجامعة لنختار منها، أي أن فرص التعليم كانت محدودة لنا، وأنا تخصصتُ لغة إنجليزية رغم أنها ليست التخصص الذي كنتُ أريده، لكني أجبرت على اختياره لقلة التخصصات المتاحة، والحمد لله، خيارات الجيل الحالي في التعليم كثيرة وقد كنتُ قارئة نهمة في مرحلة الجامعة، وأنا أعتقد أن القراءة تكوّن من نكون، وبسبب حبي الشديد للقراءة، كنتُ قد قرأتُ الأدب العربي والإنجليزي والروسي في مرحلة مبكرة من عمري، وهذه القراءات جعلتني اختلف عن غيري، فكانت لدي اهتمامات أكثر، وكانت القضايا المتعلقة بالمرأة من هذه الاهتمامات، لكن في وقتنا، لم يكن هناك حوار مجتمعي، أو مساحات للحوار، عن قضايا المرأة، وكانت قضيتي الأهم هي قضية العنف ضد المرأة، وهذه قضية شاهدتها، ورأيت ملامحها على بعض من حولي في سن مبكرة من عمري، حتى في الجامعة، وهذه الملامح التي كانت حولي هي التي جعلتني أرى ما يتغاضى الآخرون عن رؤيته، لأن إنكار وجود هذه القضية كان مقبولاً عند الآخرين، لكني كنتُ استنكر العنف ضد المرأة بيني وبين نفسي، وبالتالي نمت القضية في داخلي، وبعد تخرجي من الجامعة، كان لديّ طموح لأكمل دراسة الماجستير والدكتوراه، لأنني كنتُ أحب اللغويات كثيرًا، ولكني لم أتمكن من ذلك لظروف عائلية، ولكن الحمد لله، لم أكمل في مجال اللغويات، وأقول الحمد لله لأنني لو اتبعتُ ذلك الطريق، لاختلفت حياتي كثيرًا عن التي عشتها، ولذلك أؤمن أن الله لن يضعك في طريق، حتى لو لم يكن هو الطريق الذي ترغب به، إلا أنه سيرشدك إلى ما هو أفضل مما حلمت به وبعد تخرجي، عملتُ في الجامعة، والتي كانت هذه فترة مهمة من حياتي، لأنني كنتُ باحثة في مركز الوثائق والدراسات الإنسانية في جامعة قطر، وكانت فرصة للمشاركة في أبحاث، وفرصة لأتعرف على مجتمعي، وأتعرف على تراثنا أكثر، وخلال عملي هناك، بدأ شغفي بالتراث القطري الشعبي، كما عملتُ على ترجمة مقالات عن التراث لمجلة التراث الشعبي، وألفتُ كتابًا عن الألفاظ الأجنبية في اللهجة القطرية، لقد كانت مرحلة جميلة جدًا من حياتي وبعدها عملتُ في المجلس الأعلى لشؤون الأسرة عندما أنشئ في عام 1999 م وكانت هذه نقلة كبيرة في حياتي، واختلاف كبير عن عملي كباحثة، وقد كنتُ من أوائل الموظفين في المجلس، وتشرفتُ بالعمل مع سمو الشيخة موزة بنت ناصر، والتي كانت رئيسًا للمجلس، وخلال تلك الفترة، كان المجلس محركًا للتغير الاجتماعي، وللأسف، تلك المرحلة المهمة من تاريخ قطر الاجتماعي لم يتم توثيقها! وأحمد الله أنني عملتُ في تلك الفترة في المجلس، وبالتالي ساهمتُ في هذا التغيير، وهذه أعتقد أبرز الأسباب التي جعلتني اهتم بالقضايا الاجتماعية لكنني أحب أن أؤكد على نقطة مهمة، ألا وهي أننا مررنا بمرحلة تغيير سريعة جدًا في قطر، وحدث تطورً كبيرًا فيما يخص المرأة وقضاياها، وأرى أثر هذا التغيير السريع في حياتي، فأنا انتقلتُ من فترة لا تستطيع المرأة فيها القيام بكثير من الأشياء، إلى تمثيل دولتي في المحافل الدولية في مدة قد تقدر بعشر سنوات! 

 

حدثينا أكثر عن التغييرات التي مرت بها المجتمع القطري منذ إنشاء المجلس الأعلى لشؤون الأسرة.

من المهم أن أذكر أن مفهوم "الحقوق"، أو الحوار الحقوقي، لم يطرح في قطر قبل إنشاء المجلس، وهذا ينطبق على جميع أنواع الحقوق، لأن الكلمة نفسها لم تذكر من قبل حتى إنشاء المجلس، وهنا بدأ الحوار عن مختلف أنواع الحقوق، سواء كان الحديث عن الحقوق هو حقوق الطفل، أو حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرهم، وبالتالي مرت دولة قطر بفترة ثرية وغنية بالمشاركات الشعبية والحوار المجتمعي من خلال المؤتمرات والندوات التي نظمها المجلس، وطرح أفكار كانت جديدة كليًا على المجتمع القطري، وكأي فكرة أو مفهوم جديد يطرح على المجتمع، قوبلت تلك الأفكار بصد من المجتمع، فلم تكون بداية مرحلة التغيير في قطر بداية سهلة، وكل من عمل في المجلس في بداياته، تعرض للهجوم، ولكن هؤلاء ضحوا بالكثير لإيمانهم بالتغيير الذي كان يحتاجه المجتمع، ورغم صعوبة المرحلة، إلا أنها كانت جميلة ومثمرة، وللأسف أنها لم توثق، ولو أنها وثقت، لرأينا أن تلك المرحلة وضعت الأسس التي استندت عليها جميع التغييرات التي تلت تلك المرحلة، وسمو الشيخة موزة قامت بدور كبير في دفع عجلة التغيير، وأنا أعتز بدوري في تلك المرحلة منذ بدايتها.

 

كيف كانت ردة فعل المجتمع تجاه القضايا التي ساهمتِ في طرحها، كقضية العنف ضد المرأة مثلاً؟

 أنا أعتقد أن أي محاولة تغيير في المجتمع لا بد أن تكون صعبة ولا بد أن يكون هناك بعض المعارضين، وكثير من ممن يعمل في مجال التغيير الاجتماعي، وخاصة في مجال المرأة في العالم العربي، تتم مهاجمته والتشكيك في نواياه، وبالتالي الهجوم الذي تعرضتٌ له أنا وغيري في قطر، كان طبيعي، وبالنسبة لي، زادتني المعارضة قوة وإصرار لقناعتي بأن الشريعة الإسلامية تكرم المرأة، ولا تبرر العنف ضدها، لذلك اعتقد بأننا نحتاج إلى أن نتثقف في أمور ديننا، والانطلاق من الشريعة نفسها كمنطلق لتعديل القوانين والسياسات، ولكني اعتقد أنه كانت هناك مساحة أكبر لمناقشة القضايا الاجتماعية سابقاً، وكان للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة دورًا كبيرًا في تحريك المياه الراكدة، أما حالياً نحن نفتقد إلى الحوار المجتمعي الذي تشارك فيه جميع الأطراف، وتعرض فيه الأفكار المختلفة، لأن التغيير لن يأتي إلا بطرح القضايا للنقاش، وعرض الآراء المختلفة، وليس برفضها دون نقاش، كما أعتقد أن المناقشات التي تحدث حالياً تتم في جزر منعزلة، وعادة بين من يعتنقون نفس الرأي، وهذا النوع من النقاش لا يؤدي للتغيير، وأعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي، كالتويتر، ليست المنصات المناسبة للنقاش، لأنها فرقت الناس إلى أحزاب، وعظمت من الاختلاف أما بالنسبة للمعارضات، فستكون هناك معارضات دائمة لأي تغيير أو فكرة جديدة، مثلاً تعليم المرأة وممارستها للرياضة كانا حرامًا يومًا ما، وبالتالي ما هو مهم هو طرح القضايا بناء على الأسس الدينية أولاً في الدفاع عن قضايا المرأة، وليس من منطلق الاتفاقيات الدولية كأساس، كما يفعل البعض، لأن الاعتماد على هذه الاتفاقيات كمنطلق يعني أننا لا نستطيع التغيير بدونها، ويعزز الادعاء بأن الشريعة ضد حقوق المرأة، وهذا غير صحيح، كما أنه يعزز الادعاء بأن التغيير هو خضوع لأجندة غربية، صحيح أن الاتفاقيات مهمة، لكن الدين هو الأول والأهم لذلك يجب أن لا نقبل بأية مطالبة لتغيير يتصادم مع الدين بشكل سافر، وعندما نكرر أن الإسلام كرم المرأة، فأنا أؤمن أنه بلا شك كرمها، ولكن هناك تصوير مشوه عن الدين، والتغيير طبعًا ليس سهلاً، لكن علينا أن نستمر في المثابرة، والعمل يدًا بيد.  

 

كيف كانت تجربتك مع سيداو؟

عندما كنتُ مديرة إدارة المرأة، كنتُ مسؤولة عن ملف الانضمام لاتفاقية سيداو، وكنت أمثل المجلس في اللجنة التي كانت تدرس الاتفاقية، وقمت بعمل كبير للتوعية بأحكام الاتفاقية ونشرها، ولكني تعرضتُ لهجوم كبير بسبب ذلك! وفي عام 2011 رشحتني الدولة لعضوية لجنة السيداو في الأمم المتحدة، والتي تشرف على مراقبة تنفيذ الاتفاقية. كانت تجربة العمل في اللجنة مهمة وثرية بالمعرفة بأحوال النساء في العالم، وأنا اعتبرها محطة مهمة في مسيرتي، ولكن بعد فترة من العمل، وجدتُ نفسي مضطرة لتقديم استقالتي من اللجنة، لأنني غير قادرة على دعم مواقف اللجنة بالنسبة لبعض القضايا، وللتوضيح، الأمر لا يتعلق بلجنة السيداو فقط، وإنما بجميع لجان حقوق الإنسان، لأنه كان هناك دور كبير للجان في مجال توسيع نطاق الحقوق الواردة في تلك الاتفاقيات، عن طريق التفسير والآراء الفقهية للجان بهدف جعل الاتفاقيات متوافقة مع التغييرات الكبرى التي شهدها الغرب بشكل خاص، ومحاولة تعميها على دول العالم وهذا الموضوع فيه جدل كبير! وأنا أرى أن بنود اتفاقية سيداو لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، قد يكون هناك تعارض بين بعض البنود وبين أحكام الشريعة، وقد تم التحفظ عليها من أغلب الدول الإسلامية، ومنها قطر، مع العلم أن الكثير من التحفظات تتصل بالقوانين النافذة، وليس بالشريعة، وبالتالي يمكن إعادة النظر فيها، ولكن بعض القضايا الجديدة والمواقف بشأنها تتعارض بشدة مع ديني وقيمي الشخصية وخطوطي الحمراء، وأعتقد أن تلك المرحلة كانت مرحلة حاسمة في حياتي، فلو أنني تابعتُ العمل في اللجنة، سيكون وكأنني خنتُ نفسي وقيمي، ولذلك قررتُ أن أنسحب من اللجنة بعد دراسة الموضوع لفترة، ولم يكن قرارًا اتخذته بسهولة، ولم أنسحب تقليلاً من جهد اللجنة وعملها، والذي اعتبره دور هام، ولكن العالم يمر اليوم بمرحلة تغيير تبدو على سطحها أنها تدعم الحقوق وقضايا المرأة، ولكن في جوهرها تخل بالقيم، وتؤذي المرأة أكثر مما تفيد، وهذه مشكلة، لأننا لا بد لنا أن نرسم خطوطنا الحمراء، ونجاهد لنبرز أجندتنا الحقيقية كنساء عربيات، حتى لا يطغى عليها أجندة لا دخل لنا بها .  

 

هل يمكن أن تحدثينا أكثر عن الكتاب الذي ألفتيه؟

أنا امرأة تحب العمل الدائم، وأن أستخدم وقتي لأنجز، وعندما بدأتُ بالعمل في مركز الوثائق، لم يكن لديّ الكثير من المهام، وكنتُ محاطة في مكان العمل بزميلات يكبرنني عمرًا وعلمًا وخبرة، وكنَّ شديدات الاهتمام بالتراث، فحفزني هذا كله إلى التعلم والانخراط في مجال التراث، وكان لدي اهتمام بالألفاظ القطرية، وهكذا ولد الكتاب، لكنني لم أكتب ذلك الكتاب بهدف النشر، وإنما كان ناتج من رحلتي الشخصية لتعلم تراثنا، وكانت هناك خطة لإعداد نسخة ثانية من الكتاب، ولكن بعد تركي العمل في الجامعة تغيرت اهتماماتي وتطلعاتي، ولذلك رغم وجود المادة المطلوبة لكتابة جزء ثاني من الكتاب، إلا أنني لم أرجع لذلك المشروع ذكرتِ أنكِ كنتِ قارئة نهمة منذ سن مبكرة، حدثينا عن رحلتك في عالم القراءة والأفكار أنا أعتقد أن القراءة عالم رائع، يستطيع الإنسان أن يعيش فيه طوال فترة حياته، وأنا أنصح دائمًا بالقراءة، والتعمق في جميع المسائل والآراء، حتى التي تعارضنا، لأن انهماك الإنسان في قراءة فقط ما يهمه دون معرفة الرأي الآخر، يجعل منه شريطًا أو مذياعًا يكرر نفس المقطع، ويعزله عمن حوله من الناس، لأنه لا يعرف عن الآراء المختلفة التي حوله، ولذلك أنصح بالقراءة المتنوعة لأنها تقلل من خطر أن نصبح مُؤَدلجين، وبالتالي علينا أن نقرأ بشجاعة، ونفكر في كل أفكارنا وآراءنا التي نتمسك بها، ونغيرها إذا لزم الأمر، ولا عيب في أن يتبنى الإنسان فكرة ما خلال فترة، وإذا اكتشف خطؤها يغيرها بالصح، وهذا ما حدث معي، حيث تغيرت أفكاري كثيرًا مع مروري بالمحطات المختلفة من حياتي، وحبي للقراءة هو سبب حبي لعالم الأفكار، وأنا أحب أن أناقش، وأن أعمل في مجال يستخدم عقلي، وأن أتعرف على أفكار جديدة، ولا أحبذ العمل التنفيذي الصرف، ولهذا أحببتُ دراسة الإنسانيات في مرحلة الجامعة، وأحب الخوض في مجالات تتعلق بحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، والسياسات الاجتماعية.  

 

ما هي أكثر ذكرى أو إنجاز تعتزين بها؟

أعتقد أن معظم الناس يقيسون النجاح أو الإنجاز بالوظيفة أو الرتبة التي وصلتُ إليها، ولكني لا أراها كذلك، فالإنجاز بالنسبة لي، هو ما توافق مع قيمي وأهدافي الشخصية، ومتى ما عرف الشخص قيمه وأهدافه، سيعرف معنى الإنجاز بالنسبة له، والمناصب لا تدوم لأحد، لأنه هو مجرد وصف، أو لقب يمتلكه الشخص لفترة، ثم تتغير المناصب، وينتقل المسمى لغيره، ولذلك أقيس الإنجاز بما أتركه من أثر، وبالتغيير الإيجابي الذي استطعتُ أحداثه، وبالخدمات التي استطعتُ أن أقدمها لمجتمعي وبلدي، وبالناس الذين أثرتُ في حياتهم، وبناء على تعريفي الشخصي للإنجاز، فهناك مجموعة أشياء استطعت أن أنجزها بفضل الله، وأكبر إنجاز لي هو طرحي لقضية مساواة المرأة بالرجل في الدية، وكان هذا خلال فترة عملي كمديرة لإدارة المرأة والتي أدت إلى تغيير هام، عندما طرحت القضية في البداية قيل لي بأنها قضية غير مهمة، وأنها تمس امرأة واحدة أو اثنتين، ولا تخدم الأغلبية من النساء، لكن بالنسبة لي، حقوق الإنسان وقضاياها ليست بالضرورة تخص الأغلبية، مثلاً، في قضية الدية، هي ليست مسألة عدد المتضررين، بل هي قضية تمس قيمة المرأة كإنسان، وإذا تعرض رجل لحادث، وتوفي على إثرها، وتعرضت امرأة لنفس الحادث وتوفيت، تكون دية المرأة نصف دية الرجل، وهذا تقليل من قيمة المرأة، وأنا لم أكن عالمة بوجود مثل هذا القانون، بل سمعت الموضوع صدفة خلال نقاش بين زملائي، وأتذكر صدمتي عند معرفة هذه المعلومة، وأتذكر أنني لم أذق طعم النوم، وأنا أحاول أن أفكر، وأفهم الدافع وراء مسألة الدية، وقد يعتقد البعض أن النقاش عن هذه المسألة غير مهم، لكن بالنسبة لي، هو مهم جدًا، فإذا كنت أساوي الرجل في قيمته الإنسانية، فهذا يعني أن ديتي لا بد أن تكون مساوية للرجل أيضًا! وعندما بحثتُ، وجدتُ أن أحد أئمة الأزهر السابقين قال أن دية المرأة مثل دية الرجل، ولكن الموضوع لم يبحث فيه، خاصة أن المرأة كانت، في ذلك الوقت، تعمل في البيت، ولا تخرج كثيرًا، وبالتالي نسبة تعرضها للحوادث الخطيرة كانت أقل من الرجل، فلم ينظر في المسألة، ولكن العالم مختلف اليوم، ولذلك كان لابد من طرح الموضوع، فقدمتُ مقترح إلى المجلس لعقد "طاولة مستديرة" للحوار والنقاش بين المؤيد والمعارض، وتم عقد النقاش، ومن حسن حظي، علمنا أن الدكتور يوسف القرضاوي كان له رأي يؤيد مساواة دية المرأة والرجل، فدعاه المجلس للمشاركة في الفعالية، وكان له دور كبير في نجاحها، وبعد النقاش، شكل مجلس الوزراء لجنة لدراسة الموضوع، والتي أوصت بتعديل القانون، وبالفعل صدر القانون بمساواة دية المرأة والرجل في عام 2008 م وإنجاز آخر أستطيع أن أذكره هو الإسهام موضوع استفادة المرأة من قانون الإسكان وهو موضوع عمل عليه المجلس وقتها لسنوات، وقد أتيحت لي فرصة المشاركة مع آخرين في صياغة شروط وضوابط استفادة المرأة من القانون، والتي صدر بها قرارات مجلس الوزراء في عام 2007 م، وللأسف توقف انتفاع المرأة من الإسكان بعد العمل بالقانون لعدة سنوات، وهذا شيء مؤسف، لأنه من الطبيعي عند تطبيق أي قانون جديد أن يكون له إيجابيات وسلبيات، وأن يكون هناك قصور في التطبيق، ولكن المطلوب هو دراسة الموضوع، واتخاذ ما يلزم لتعديل الشروط والإجراءات إذا لزم الأمر، وأتمنى أن يعاد تفعيل العمل بانتفاع المرأة بنظام الإسكان قريباً، ليرفع المعاناة التي تواجهها كثير من النساء وخاصة المعيلات منهن وهذه من الأمور التي أراها إنجاز، واعتز به، لأني ساهمت في تطوير قوانين وسياسات تهم المجتمع، ولأنني أشعر بأنني حققت ذاتي وأهدافي من خلالها، وأنا ممتنة لكل الفرص التي أتيحت لي لأفيد مجتمعي، ولكل الزملاء الرائعين الذي عملت معهم لتحقيق ذلك.  

 

هل واجهتِ أي تحديات في رحلتك؟

إنه من الطبيعي جدًا أن نواجه تحديات وصعوبات، فليس من المعقول أن نظن أن الطريق سيكون مفروشًا لنا بالورد والياسمين، وبالتالي كل مرحلة من حياتي كانت لها تحدياتها، وحتى الهجوم الذي تعرضت له في البداية علمني أن أتحلى بالشجاعة، حتى أستطيع أن أدافع عن القضايا التي أومن بها، وكان عليّ أن أتعلم أن لا أخذ الموضوعات بشكل شخصي حتى أستطيع طرح القضايا ونقاشها دون خوف، وهذه الشجاعة تأتي من قناعتنا بأننا على صواب، ووقتها نحمل قضيتنا بكل ثقة، والآن، عندما أفكر بكل الصعوبات التي واجهتها في طريقي، أرى أنها تعتبر بالنسبة لي: لا شيء، لأن العبرة بالنتائج. في البداية أيضاً كان هناك تحفظ كبير على ظهور صورة المرأة في الإعلام وكنت وزميلاتي نهرب من الكاميرات في المؤتمرات التي نشارك فيها حتى قررت أن أضع حد لذلك بنفسي. اليوم أنا سعيدة أن الوضع تغير ولم يعد عائقاً أمام مشاركة النساء من جميع الشرائح العمرية.  

 

ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟

عبرن عن آرائكن بلا خوف، لأن كل جيل يختلف عن الجيل الذي سبقه. لابد للجيل الجديد أن يعبر عن آرائه وتطلعاته ويرسم شكل المستقبل الذي يريده. وأنصحهن بالتعلم والاجتهاد للعمل في مهن، وليس وظائف لأن المستقبل هو للمهنة وليس الوظيفة، فنحن بحاجة إلى الطبيبة والمحامية، والصيدلانية وغيرها من المهن فالمستقبل هو للمهن وليس الوظائف فلن يكن القطاع الحكومي قادراً على استيعاب كل الخريجين والمهنة تمنح صاحبها الحرية والمرونة وهذا مهم. بالإضافة لذلك نحتاج إلى خبراء ومستشارين قطريين وهناك عزوف من القطريين عن هذه الأعمال وتفضيل الأعمال الإدارية. تكوين كادر من الخبراء والمستشارين القطريين يتطلب علم وجهد وتخصص لكن هذا ما تحتاجه قطر الآن.  

 

مقابلات مشابهة

Aisha Saleh Al Maaded

عائشة صالح المعاضيد

يظل المجتمع المحلي الداعم الأول لاستدامة البيئة المحلية، ولذا شهدت الدولة إطلاق العديد من المبادرات البيئية التي تهدف إلى توعية المجتمع بالمشاكل البيئية، ومنها مبادرة مستقبل أخضر، وفي هذه المقابلة تحدثنا صاحبة المبادرة عائشة صالح المعاضيد عن المبادرة، وعن رحلتها الشخصية في توعية المجتمع عن البيئة

إقرأ المزيد
Buthaina Mohammed Al Janahi

بثينة محمد الجناحي

أثبتتْ الكاتبةُ بُثَيْنَةُ محمد الجناحي أنَّ المشروعَ لا يتطلبُ إلا العزيمةَ والإصرارَ، فعبر خبرتِهَا المرموقةِ تقومُ بثينة على تغييرِ الواحةِ الثقافيةِ القطريةِ شيئًا فشيئًا

إقرأ المزيد

كاتبة المقابلة والمترجمة: فاطمة أحمد

  • جميع الصور تم مشاركتها معنا من قبل صاحبة المقابلة، وإن اختلف المصدر سيتم الإشارة إليه.
  • تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.
AR
Scroll to Top