نساء قطر

عائشة جاسم الكواري

مؤسسة دار روزا

دار نشر قطرية

يعتبر الأدب سجلاً يمكن الرجوع إليه لمعرفة تاريخ دولة، وقد يكون مقياسًا لمدى تقدم الدول وتحضّرها في مختلف المجالات، وهذا السجل لا يزول، لأن الأدب يعتبر إرثًا تاريخيًا يُنقل من جيل لآخر، ويخلد كاتبه وناقله، ولذلك حَلُمت عائشة جاسم الكواري بإنشاء دار نشر يحتضن الأدب القطري وينميه، وفي سطور حديثها تحكي لنا عن تجربتها الطويلة في المساهمة في نهضة دولة قطر، فمن هي عائشة جاسم الكواري؟  

Aisha Jassim Al-Kuwari

أنا ابنة أرض قطر، ترعرعتُ وتربيتُ ودرستُ على أرضها، وخريجة مدارس قطر الحكومية، ثم أكملتُ مرحلتي الجامعية في جامعة قطر في كلية التربية، وتابعتُ دراستي العليا، وحصلتُ على شهادة ماجستير في الإعلام، وحاليًا، أكمل تعليمي لنيل شهادة الدكتوراه في الإعلام والاتصال، والتي ستكون مناقشة رسالتها الشهر القادم، بإذن الله، وها أنا اليوم أنقل علمي وخبرتي لهذه الأرض الطيبة مررتُ بالكثير من المحطات العملية في حياتي، ومن أهم هذه المحطات هو عملي كباحثة ثقافية في إدارة العلاقات الثقافية بوزارة التربية والتعليم (سابقًا)، وعملتُ في مجال الإعلام التربوي لمدة 15 سنة، والتي تكللت في حصولي على منصب مدير إدارة الاتصال والإعلام للمجلس الأعلى للتعليم، ثم استقلتُ من عملي في مجال التعليم، وانتقلتُ إلى المحطة الثانية في حياتي، وهو العمل في مجال الثقافة، فعملتُ كخبير ثقافي، وكنتُ أمين سر جائزة الدولة لأدب الطفل، واستمررتُ في العمل في المجال الثقافي حتى انتقالي للعمل كمستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وهذه وظيفتي الحالية في عام 2021 م وهناك جانب آخر أعمل فيه غير عملي في المجال الحكومي، فأنا إنسانة كان لديها حلمًا، مثل أي شخص آخر، لأننا كبشر نعيش في سبيل تحقيق أحلامنا، ونكمل حياتنا ونحن نحاول تحويل أحلامنا إلى واقع، خاصةً إذا لامس الحلم عقل الإنسان وروحه، فيصبح الحلم هدفًا يجتهد الإنسان في سبيله، وواحدة من أحلامي، أو أهدافي، كانت تأسيس دار نشر قطرية، والحمد لله، تحقق الحلم بإنشائي لدار روزا للنشر. 

 

  • ما الذي دفعكِ إلى حلم إنشاء دار نشر قطرية؟ 

هذا الحلم نابع من كوني كاتبة، فالكُتَّاب في قطر كانوا ينشرون كتبتهم عن طريق دور نشر خارج قطر، فلديّ كتابين نشرتهم عبر دار نشر في الكويت، وهكذا كان الحال مع زملائي الذين لجأوا إلى النشر عبر دور نشر عربية أو عالمية، والسبب الجلي لهذا كان افتقارنا إلى دور نشر قطرية تهتم بالمؤلف القطري، وتتبنى موهبته وتحتويه، وتطبع وتنشر له كتاباته، كما كان هناك جهل عن قوانين النشر وحقوق الكاتب وحقوق دار النشر، ونحن – كمؤلفين – كنا نتعب للحصول على الموافقة للنشر في دار نشر خارج قطر، والعقود المبرمة بين الكاتب القطري ودور النشر توافق أحكام دولة الدار، وهذه الأحكام قد لا تتوافق مع قوانين دولة قطر، ومع مرور الوقت، أصبحنا نعلم عن حقوق المؤلف وواجباته، ونفهم ماذا يعني الحقوق الملكية الفكرية، وهي أمور تعلمناها مع التمرّس، وهكذا نمى حلم إنشاء الدار.
 وفي عام 2013 م، كانت الفكرة مجرد حلمًا، وأتذكر أنني كنتُ في معرض الدوحة الدولي للكتاب، وكنتُ أبحث يمينًا ويسارًا عن دور نشر قطرية، لكنني شعرتُ بالنقص في عددها، وشعرتُ بحاجتنا الملحة لدار قطرية تشبهنا نحن المؤلفين القطريين، وتشبه طموح المجتمع القطري، كما كان هدفي من إنشاء دار نشر هو إثراء المكتبة العربية بكتب رصينة، وتشبه عاداتنا وتقاليدنا، وتمثلنا نحن كمجتمع، فمثلاً، نشرنا كتبًا للأطفال مستلهَمة من البيئة القطرية، ونشرنا قصصًا للأطفال تحاكي وتوضح للأطفال قيمنا الدينية، ومجتمعنا ثريّ بما فيه، وغنيّ عن الحاجة لقيم وعادات وتقاليد من دول أخرى، كما أن لدينا مؤلفين قطريين يكتبون باللغة الإنجليزية، ومن ثم تُترجم أعمالهم للغة العربية، مثل أعمال كمام المعاضيد التي نَشرت أكثر من كتاب كلها باللغة الإنجليزية، ومن ثم ترجمناها للغة العربية، والتي كانت ناجحة أيضًا. 
والدار لا يهتم فقط بطباعة ونشر الكتب، بل أصبح الدار مثل الملتقى الثقافي، مثلاً، نقوم بجلسة ثقافية شهرية تحت مسمى "بيت الراوي"، وفي هذه الجلسة، تتم مناقشة أعمالاً أدبية مختلفة، سواء كان العمل من نشر دار روزا أو من نشر دور أخرى، وأحيانًا، نستضيف مؤلف العمل في هذه الجلسات، وتحظى هذه الجلسات بإقبال كبير من المثقفين والقرّاء. 

 

  • ما هي بعض إصداراتك؟

أما عن إصداراتي، فإصداري الأول كان في عام 1997 م بعنوان "كلمات في حب الوطن"، وهذا الكتاب نتج من عملي مع البرنامج الإذاعي "وطني الحبيب، صباح الخير"، والبرنامج كان يبدأ بخواطر وكلمات في حب الوطن، وأنا التي كنتُ أكتبها، ومن ثم اقترحت عليّ الخطوط الجوية القطرية طباعة هذه الخواطر في كتاب ستوزع على متن خطوطها، والأكيد أن هذا الاقتراح كان بالنسبة لي حلمًا يتحقق، والحمد لله، تم طباعة الكتاب ونشره، وما زلتُ أمتلك عددًا بسيطًا من هذا الكتاب، ومن ثم ألفتُ كتاب "فصول"، وبعده كتاب "سدرة شمة"، وهذه الكتب هي التي نشرتها عبر دور نشر كويتية. 

 

  • ما هو السر وراء اختياركِ اسم "روزا" لدار النشر؟

يعتبر اسم روزا من الأسماء القطرية القديمة، وعمتي -رحمها الله- كانت اسمها روزا، فأحببتُ أن أسمي الدار باسم روزا لارتباطه بماضي بقطر، وأردتُ أن أنقله من الماضي إلى العالمية، وهذا ما حدث، فدائمًا يسألونني عن معنى الاسم، وخلال اشتراكنا في معرض في موسكو، قيل لنا أن اسم روزا متداول عندهم، ومعناه الشمس المشرقة، وقد تكرر الموضوع أكثر من مرة، حيث يتداول الاسم في أكثر من لغة ودولة، ولكن كل المعاني لاسم روزا معاني جميلة، لكني دائمًا أوضح لهم أن الاسم له تاريخه في قطر، والحمد لله، بدأ الناس يتداولون الاسم مرة أخرى، وأسعدني ذلك، ولذا اخترت "روزا" اسمًا للدار لأنه يجمع بين الأصالة والحداثة.

 

  • كيف كانت رحلتكِ في إنشاء دار روزا للنشر؟

رحلة إنشاء الدار مرت بمراحل مختلفة، بدأت المرحلة الأولى من الرحلة في عام 2014 م، حين فتحتُ سجلًا تجاريًا في وزارة الاقتصاد، وأتذكر أنهم قالوا لي حينها أن سجلي التجاري هو الرقم واحد، أي أول سجل تجاري لدار نشر، وانتهت المرحلة الأولى في ديسمبر عام 2016 م، حين حصلتُ على الترخيص- بعد عناء طويل - لإنشاء دار النشر، وقضيتُ سنتين ما بين شد وجذب حتى اقتنعت وزارة الثقافة بأهمية إنشاء دار نشر قطرية، وبعد الحصول على الترخيص، بدأتُ العمل في الدار في شهر أبريل 2017 م، وانطلقنا للعمل والإعلان عن الدار، وأول منشور لنا على وسائل التواصل الاجتماعي للإعلان عن إنشاء الدار قوبل بحفارة كبيرة من الناس! ووصلتنا الكثير من الطلبات للنشر، وأتذكر يومها أنني فتحتُ بريدي الإلكتروني، وفوجئتُ بـ12 طلبًا خلال يوم واحد! ومن شدة تفاجئي، فكرتُ أنه ربما تم إرسال الرسائل لأكثر من مرة، ولكن بعد التفكير، أظن أن هذا العدد الكبير دليل على حاجتنا لدور نشر وفي أول سنتين من عمل الدار، كنا نتبنى الكتّاب، فندقق أعمالهم لغويًا، ونطبع وننشر بدون فرض أي رسوم على الكاتب، لأن هدفنا الأساسي كان تشجيع المؤلفين القطريين، وما زلنا إلى هذا اليوم ندعم بعض الأسماء القطرية الجديدة، أو التي نرى أن لها مستقبلاً باهرًا، والحمد لله، في عام 2021 م، نحن على أعتاب السنة الخامسة للدار، ولدينا رصيد من الكتاب يبلغ عدده 188 كتابًا، كما لدينا 80 مؤلفين قطريين، ونشرنا كتبًا في جميع المجالات، فنشرنا كتبًا للأطفال، وللناشئين أو اليافعين، بالإضافة إلى القصص القصيرة والروايات، والكتب العلمية والثقافية، وكتب التنمية الذاتية والدراسات، ونتطلع إلى التواجد في معارض الكتب العالمية، وقد شاركنا في معارض في فرانكفورت ولندن وموسكو، وفي الكويت والمسقط، وقريبًا ستكون لنا مشاركة في الرياض، وطبعًا، هذه المشاركات إضافة إلى مشاركتنا في معرض الدوحة الدولي للكتاب، المتنفس الحقيقي لدار روزا للنشر صحيح أن الرحلة بدأت بصعوبات، لكن لا يوجد هدفًا سنصل له دون مشاكل، ولذلك علينا أن نكون صابرين، وأن نتذكر أننا سنواجه من يخالفوننا في الرأي، وعلينا أن نتقبل أن أحيانًا سننجز بعض أهدافنا، وأنه سيكون هناك أهدافًا ستجبرنا الظروف على تركها، وكل ما نصبوا إليه سيشكل لنا تحديًا، فدار النشر، مثلاً، قد لا يجلب لنا الكثير من الأموال، لكن الهدف منه ليس الكسب المادي، لأن الدار هو استثمار في المستقبل، وهذا الأهم.

 

  • كيف كانت تجربتكِ في العمل في المجلس الأعلى للتعليم؟

أول وظيفة لي كانت في المجلس الأعلى للتعليم، وأعتقد أنني جربتُ التدرج الوظيفي خلال عملي فيها، لأنني مررتُ بكل الوظائف خلال عملي في الوزارة، فبدأتُ كباحثة ثقافية، ثم انتقلت إلى باحث أول، وبعدها كنتُ مساعد رئيس قسم الإعلام والتوثيق في اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم، وثم أصبحتُ رئيس نفس القسم، وخلال تلك المرحلة من عملي، كان لي تعامل مع الكثير من المنظمات الدولية، مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلم والثقافة (الأسسكو)، ومع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الإلسكو)، وكانت هذه الاحتكاكات في بداية حياتي العملية، فكانت فرصة كبيرة لي لأعرف طرق عمل هذه المنظمات، وطرق التعامل معها، كما أن الوزارة وفرت لي فرص حضور مؤتمرات خارجية، وكلها أمور ساهمت في بناء وصقل شخصيتي، وكانت فرصة رائعة لتمكيني، والمسؤولين في ذلك الوقت كانوا حريصين جدًا على أن يحصل الموظفون على الدورات التدريبية اللازمة، وعلى أن يحضر الفعاليات والمؤتمرات المختلفة، وأنا أؤمن أن كل هذه الأمور هي التي كونت شخصيتي، وزادت من خبرتي التراكمية، وأكثر مكان عمل تعلمتُ فيه كانت الوزارة، وقبل أن أستلم إدارة الاتصال والإعلام، كنتُ الرئيس التنفيذي لجائزة التميز العلمي، وكنتُ المسؤول الأول عن هذه الجائزة، وكانت فرصة كبيرة لتعلم الكثير من المبادئ الخاصة بموضوع التميز، فتعلمتُ أن تفوق الطالب لا يعتبر المعيار الوحيد للتميز، بل الطالب المتميز هو المتفوق وصاحب المبادرات الاجتماعية، وقد قابلتُ الكثير من هؤلاء الطلبة المتميزين، وما زال الكثير منهم يتواصل معي إلى الآن، كما أن البعض منهم أصبح جزء من دار روزا، وأنا ما زلتُ على تواصل مع وزارة التعليم لدي قناعة بأن الوظيفة لا بد لها أن تضيف قيمة لشخصية الإنسان وتثريه، والوظيفة التي لا تثريني، لا أبقى فيها، لأن ترك الوظيفة أو تغييرها لن تكون نهاية العالم، بل سيكون طريقًا لفرص أخرى، والحياة لا تختصر على وظيفة معينة، أو مكان معين، لأن الحياة مليئة بالفرص، ولهذا أنصح الشباب دائمًا ليطرقوا جميع الأبواب، والفشل مرة أو مرتين أو غيرهما ليس نهاية الحلم، بل الفشل هو الذي سيعلمنا، وسيوصلنا إلى النجاح الذي نطمح إليه، وأنا مع فكرة أن الإنسان لا بد له أن يجرب، وأن يتشعّب، لكن يجرب في فترة من فترات حياته، وليس طوال حياته، فهناك فترة في حياة الإنسان لا بد له أن يتشجع ويتمسك بحب المغامرة ويجرب، ويجرب كل جديد، لكن هذا الجديد يجب أن يضيف إليه كشخص، وبعد التجربة، سنعلم ما هي المجالات التي تهمنا، وسترشدنا للطريق الذي نسعى إليه، والإنسان هو بوصلة نفسه، يقرر ما الذي سيثريه ويدعمه، فيضع كل مميزات الطريق الذي سيسلكه، ويضع كل سلبياته أيضًا، ويقيم نفسه وقراراته واختياراته، لأنه الأعلم بخبايا نفسه. 

 

  • ما الذي جذبكِ إلى المجال الإعلامي؟

في فترة من حياتي، كنتُ أحب الاستماع لمختلف الإذاعات، لدرجة أنني اشتريت أجهزة تكشف لي الموجات القصيرة لأصل إلى ترددات بعض الإذاعات، فكنتُ أستمع لإذاعة طوكيو العربية، وإذاعة مونت كارلو، وإذاعة بي بي سي، وكنتُ مستمعة دائمة للكثير من الإذاعات، كما كنتُ أراسلهم ورقيًا، وأكتب لهم ما استمعتُ إليه من البرامج، وما زلت أحتفظ بهذه الرسائل، وأنا أؤمن أن المتحدث الجيد هو مستمع جيد، والكاتب الجيد هو قارئ جيد، ولذلك كنتُ أحب أن أستمع، وأن أركز على الطريقة التي يقدمون بها البرامج في الإذاعة، وكانت لي تجربة عمل قصيرة في إذاعة قطر، وكانت عندي النية لدخول مجال الإعلام، لكنني انشغلتُ بأعمال أخرى، لكن الإذاعة كان وما زال لها أثر كبير على شخصيتي، وأنا دائمًا أقول بأنني منذ صغري كنتُ مشروع إعلامية، لكن المشروع لم يكتمل، ففي أيام مدرستي، كنتُ أشترك في الإذاعة المدرسية، فنعد مواضيع ونقدمها، فكانت الإذاعة المدرسية البوابة الأولى التي جعلتني أطرق باب الإعلام، كما كان لدينا ما يسمى بـ"مجلة الحائط"، حيث كنا نحن الطالبات نتنافس على إعداد مجلة حائط عن طريق البحث في كتب المكتبة، ومن ثم كتابة مقالات بسيطة لمجلة الحائط، وأنا أعتبر نفسي خريجة الإذاعة المدرسية ومجلة الحائط، كما كنتُ أكتب مقالات لمجلة ماجد، حتى أن مجلة ماجد نصبتني مندوبًا لها، وهذه المشاركات البسيطة اعتز بها، وما زلتُ أحتفظ بهذه المقالات، لأنها إرثي الخاص، لكن السبب الرئيسي لعدم دراستي للإعلام في الجامعة، هو لأن التخصص لم يكن متوفرًا في ذلك الوقت في قطر، ولم تكن تسمح لي الظروف في السفر إلى الخارج للدراسة، لكنني كنتُ حريصة على المشاركة في الأنشطة الطلابية وحضور الدورات والورش، وأول مقالة نشرتها في الصحيفة المحلية "الراية" كنتُ وقتها طالبة في الثانوية، صحيح أنني قد أضحك الآن على ما كتبته في ذلك الوقت، لكني لا أخجل منها، لأنها جزء من تجاربي، ولله الحمد، الإعلام كان، ومازال، في دمي، رغم أنني لم أتجه له أكاديميًا إلا في السنوات الأخيرة، لكني عملتُ في إعداد البرامج لإذاعة قطر ولتلفزيون قطر، لكني توقفتُ عن الإعداد لانشغالي بأعمال أخرى، فالشخص يجب عليه أن يحدد مساره فيتوجه إليه بكل طاقته، واليوم، دار روزا هو البيت الثقافي والإعلامي الذي انقل من خلاله أهدافي للمجتمع والعالم، وهو بالنسبة لي استثمار معرفي، استثمر في عقول البشر، وأتبنى الطاقات الشبابية في مجال الكتابة، وهو استثمار ثقافي طويل المدى سيتوارثه الأجيال، وتتناقله الأفكار من جيل لآخر.

 

  • كيف تعاملت أسرتك مع مواهبك وميولك؟ 

أنا ابنة أسرة عززت فيني مواهبي وشجعتني، فرغم أن والديّ أميين، ولكن الحياة علمتهما ما لم نتعلمه نحن من خلال المدارس، ولذا كانت أسرتي حريصة أشد الحرص على تعليمنا، وحريصة على تبني مواهبنا، وكنتُ دائمًا أخبرهم عن رغبتي في الاشتراك في مختلف الأبحاث، أو الاشتراك في دورات وورش، وميولي كانت مختلفة عن أشقائي، لكنهم جميعًا تقبلوا اختلافي عنهم بكل حب، وراقبوا اهتمامي بالمجال الإعلامي، ومن الذكريات التي لن أنساها هي مشاركتي في مسابقة في تدوين التراث الشعبي، وفوزي فيه بالمركز الأول، فأراد والدي، رحمه الله، الذهاب واستلام الجائزة بدلاً عني، حتى أنه أظهر فخره واعتزازه بنجاحي، فأتى البيت مرتديًا الميدالية، وحدث هذا كله في الفترة التي كانت المرأة في قطر تخفي صورتها واسمها من الظهور في العلن، وأنا اليوم أصر على ذكر اسم والدي مع اسمي، ومثل هذه الأمور كانت تعتبر عيبًا، لكن من المواقف الطريفة التي حدثت لي، وغيرت فيني، كانت يوم زارتنا إحدى النساء التي لها مكانة عالية في عائلتنا، وكانت تقول للوالد كيف أنني كنتُ أذكر اسمي: عائشة الكواري، وأضع صورتي على الصحف، وكانت تتحدث بغضب، وبكل صراحة، كنتُ أسترق السمع إليهما، فنادني والدي، وكنتُ أخطوا إليه وأنا متيقنة أنه سيمنعني من الكتابة، لكنه قال لي أمام تلك المرأة أن أكتب اسمي الثلاثي: عائشة بنت جاسم الكواري، حتى يعرف الجميع أنا ابنة من، وبعد هذا الموقف، اختلفت حياتي تمامًا، لأن ثقة الأهل في أبنائهم، خاصة في بناتهم، تدفعهم إلى الأمام، وتولد العطاء والنجاح، والحمد لله، مجتمعنا يدعم طموحنا، ويفهم أن المرأة ليست نصف المجتمع، بل أكثر من النصف، وهذه الفترة هي التي أرجع إليها عندما أشعر بالتعب واليأس، لأنها دائمًا تمدني بالقوة. 

 

  • حدثينا عن رسالتكِ للدكتوراه.

أنا طالبة دكتوراه في الجامعة التونسية في معهد الإعلام وعلوم الأخبار، وبحثي يجمع ما بين الإعلام والعمل التطوعي، لأنني عملتُ في مجال العمل التطوعي لفترة طويلة، وآخر عمل لي في المجال التطوعي كان منصبي كرئيس مجلس إدارة مركز قطر للعمل التطوعي حتى ثلاث سنوات ماضية، فأحببتُ جمع التخصصين اللذين أحبهما لرسالة الدكتوراه، والبحث بعنوان: "دور وسائل الاتصال الحديثة في تعزيز قيمة العمل التطوعي لدى طلبة جامعة قطر"، وحددتُ الشريحة المستهدفة لتكون طلبة جامعة قطر، وتتكون الشريحة من مئتين طالب وطالبة، وهدف البحث هو دراسة مدى إمكانية وسائل التواصل الاجتماعي تعزيز العمل التطوعي لدى الشباب، لأننا نرى اليوم أن الكثير من المؤسسات التطوعية تستخدم هذه الوسائل لطلب المتطوعين، وللترويج عن خدماتها التطوعية، لأن هذه الوسائل التي يرتبط بها الشباب ويتواجدون عليها، والعمل التطوعي يعتمد بشكل مباشر على شريحة الشباب، صحيح أنه يوجد متطوعين أطفال وخبراء، لكن تظل نسبة الشباب في العمل التطوعي هي الأعلى، ويعتمد العمل التطوعي على الشباب، والبحث تم تقديمه إلى الجامعة، وسوف تناقش الرسالة الشهر القادم بإذن الله، وقد أتممتُ البحث خلال ثلاث سنوات ونصف، وكانت المشكلة في البداية هي عدم توافر المصادر، لأن لدينا نقص كبير في المصادر المتوفرة عن وسائل التواصل الاجتماعي وعن العمل التطوعي، رغم أن العمل التطوعي هو من جوهر هويتنا الدينية والاجتماعية، ولكن للأسف، نفتقر للأبحاث وللمصادر في هذين المجالين، ولذلك - بإذن الله - ستكون رسالتي إحدى المصادر التي يمكن للباحثين الاعتماد عليها في المستقبل. 

 

  • لماذا يحتل التطوع مكانة مهمة في حياتك؟ 

العمل التطوعي بالنسبة لي حياة، أتنفسه، ورحلتي في عالم التطوع بدأت منذ صغري، أول عمل تطوعي لي كان مع جمعية الهلال الأحمر القطري في مرحلة الثانوية، ومرحلة الثانوية كانت مفترق الطرق بالنسبة لي، لأنها المرحلة التي أردتُ فيها أن أثبت وجودي في هذا العالم، وأردتُ إعلان مواهبي للعالم، والحمد لله، قامت أسرتي باحتواء رغباتي وطموحاتي، وعندما دخلت المجال التطوعي، أحببته ووجدتُ نفسي فيه، فالإنسان المتطوع هو مبادر وباحث عن فرص المشاركة في المجتمع، ووجدتُ في نفسي هذه الصفات، وقد شاركتُ في التطوع حتى خلال دراستي الجامعية، وبعد تخرجي، انضممتُ إلى مركز قطر للعمل التطوعي، وبعدها عينتُ عضو في مجلس إدارة مركز قطر للعمل التطوعي، واستمرت العضوية لخمس سنوات، وبعدها عينتُ كرئيس للمجلس، وهذه كانت فرصة لي لكي أنقل خبرتي من العمل الفردي إلى العمل المؤسسي المنظم، وكانت فكرتنا في المجلس هي أن ننتقل من العمل للشباب إلى العمل مع الشباب، ففتحنا باب المبادرات للشباب ليقدموا أية مبادرات تدعم العمل التطوعي فنتبناهم، فكنا مثل حاضنة للأعمال التطوعية، وهذه هي الطريقة الصحيحة للعمل في مجالات يخص الشباب، فعلينا ألا نعمل لهم بل نعمل معهم، فشبابنا يزخرون بالأفكار الطموحة، ولديهم القدرة على تحويل الفكرة إلى واقع، ولذلك كنا حريصين على فتح المجال لهم، وما زلتُ أشارك في الأعمال التطوعية إلى يومنا هذا، وأحاول إنشاء فرق للتطوع، وتنمية ثقافة العمل التطوعي، وأرى أن من واجبي كفرد من المجتمع أن أنمي حب التطوع، خاصة في الجيل الجديد.

 

  • ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟

التسلح بالعلم بقدر الإمكان، لأن العلم هو سلاح المرأة، وهناك غيره من الأسلحة، كالدين والأخلاق، وإذا ما تسلحنا بكل هذا، سنتمكن من طرح أفكارنا ونقاشها، وكل عائق يمكننا استخدامه لصالحنا. 

مقابلات ذات صلة

فاطمة أحمد

  • جميع الصور تم مشاركتها معنا من قبل صاحبة المقابلة، وإن اختلف المصدر سيتم الإشارة إليه.
  • تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.
AR
Scroll to Top