الرأي السائد في المجتمع أن الشخص يحتاج إلى شهادة أكاديمية - وربما إلى دورات مكثفة وورش - لينجح في مجال ما، فما بالك لو كان المجال المقصود هو التجارة، لكن قصتنا اليوم تُثبِت أن إرادة الإنسان وسعيه أكبر من كل شيء، فيومًا ما، كانت شمس القصابي فتاةً صغيرة تقف وراء باب بيتها، وتبيع ورودًا صنعتها من أقمشة، واليوم، هي الوالدة شمس الشموس التي تفتح لنا باب مطعمها في سوق واقف، وفي هذه المقابلة، تسرد لنا قصتها الملهمة كأول تاجرة قطرية في سوق واقف، فمن هي شمس القصابي؟

أنا يسراوية (جسراوية) من منطقة اليسرا (الجسرة)، وأول قطرية مبتكرة للأغذية، وأول امرأة تدير محلًا ومطعمًا في سوق واقف الذي أعتبره جزء مني، وجزء كبيرًا من أجدادي، وحبه يسري في عروقي وروحي ودمي، إن حبي لسوق واقف أكثر من حبي لنفسي، وهذا لأنني ترعرعتُ بين أروقة سوق واقف، وكبرتُ وأنا أنهل من خيراتها.
ما الذي جذبكِ إلى التجارة؟
كانت التجارة في عروقي منذ صغري، فأتذكر أنني عندما كنتُ في سن الثامنة، ووقتها كنا نشتري دجاج الكانتين (الدجاج المثلج)، وكانت على صناديق الدجاج ربطة من قماش خفيف، وكنتُ أسأل أهلي ليحتفظوا لي بهذا القماش، وكنتُ آخذ هذه الأقمشة، وأصنع منها ورودًا، وأربطها بربطة شعر، وأبيعها على أطفال منطقتي بآنيتين (وحدة عملة قديمة تقدر بـ 1\16 الروبية) أو أبيع أربع أو خمس قطع بروبية (الروبية الخليجية كانت العملة المستخدمة في الخليج بين عام 1959 حتى 1966)، واحدة، وفي يوم ما، كنتُ وراء باب بيتنا أصنع الورود، وأبيعها على الأطفال الذين اصطفوا خارج بيتي في طابور طويل، وعندما أتى والدي إلى البيت، رأى الطابور الطويل وتجمع الناس، فوقع في نفسه الخوف أن مكروهًا أصاب البيت، وكان يفكر:"شسالفة ورا الباب، وليش اليهال لامين واقفين؟!"، وعندما دخل البيت، وجدني جالسة في المساحة الصغيرة خلف الباب، أعمل وأمامي صندوق حلوى الماكنتوش الذي كنتُ أحتفظ فيه بمالي الذي كنتُ أكسبه، فعلبة الماكنتوش كانت بالنسبة لنا التجوري، ففهم والدي ما كان يحدث، وبكل فخر قال لي: "أنتِ عن مئة رجل عندي! أفتخر بك، كملي شغلج" ففي زمني، لم نكن نذهب إلى المدرسة، كان التعليم متوفرًا، ولكن كانت العقلية السائدة في المجتمع أن النساء لا حاجة لهن إلى الدارسة، لأنهم كانوا يرون أن "شغل المرأة تتزوج، تطبخ، وتغسل ثياب، وتربي عيالها"، لكن الحمد لله، أن الوقت تغير، فأصبحن نرى نساء قطر دكتورات ومهندسات، لكني ما زلتُ فخورة بنفسي، حتى بدون أن أكون متعلمة، لأنني استطعتُ، بفضل الله، أن أثبت وجودي بنفسي، ولم أمد يدي طلبًا للمساعدة من أي مخلوق، وها أنا اليوم هنا والكثير من الذين دخلوا التجارة، خسروا أموالهم، ولم ينجحوا فيها، ولكن غيرهم قد يجهلون أبسط الأمور عن التجارة، ولكنهم نجحوا بقدراتهم وإرادتهم، وأنا أؤمن أن الشخص يجب أن تكون لديه إرادة بدلاً من هواية، لأنه قد تكون لديك هواية، لكنك تفتقر إلى الإرادة لتنجح في تحويل الهواية لتجارة ناجحة، كما أن البعض كسول، لا يريد الاجتهاد والتعب، والبعض الآخر يخاف من الخسارة، وأنا أخسر أحيانًا في تجارتي، لكن لا تهمني الخسارة المادية، لأن ما يهمني هو التواجد على الساحة، وبالعكس، أرى أن الخسارة تجربة مفيدة ستعلمني، بالإضافة إلى كونها تجربة تعلمك عن ذاتك، خاصة وأنني لا أعمل لأجل الكسب المادي، بل أعمل لأجل "تراب قطر"، ولأرفع من اسمها عاليًا، وهذا أهم شيء بالنسبة لي ولذا أنا حريصة جدًا على عملي وعلى جودة منتجاتي، كما أنني أشرف على عمليات إعداد البهارات في المصنع، وأكون موجودة في مطبخ المطعم، حتى أتأكد من جودة المنتجات بنفسي، وأرفض أن يعمل موظفو المصنع أو المطعم بدون وجودي، ولن أعطي لغيري مجالاً ليسرق مني محاولتي في رفع اسم دولة قطر وأتذكر مرة أن شخصًا غير قطري، أراد مني أن أبيع له منتجاتي بدون اسمي عليها، ليضع على المنتجات اسم دولة أخرى، لكنني رفضتُ ذلك بشدة، لأن شعاري ملك لدولتي قطر، ومنتجاتي لقطر، ولن تحمل غير اسم قطر.
كيف كانت رحلتكِ في التجارة بعد مرحلة الطفولة؟
كنتُ قد تعلمتُ الخياطة من جدتي وأنا صغيرة، وكانت خياطة ماهرة، وكانت تخيط الملابس وتقيس الأقمشة بالشبر(وحدة قياس طول وهي الخمسة أصابع، أي أن الشبر يساوي المسافة ما بين طرفي الإبهام والخنصر) ، فعلمتني الخياطة بنفس الطريقة، وإلى الآن، مازلتُ افصّل الملابس، واخيطها بناء على قياسي بالشبر، وقبل أن أتزوج، دخلتُ معهدًا، وحصلتُ على دبلوم في الخياطة، وتخرجتُ الأولى على دفعتي، وخلال الدروس، كانت المعلمات يستخدمن الباترون (نموذج للقياسات المطلوبة في خياطة الملابس) لتفصيل الملابس، ولكنني لم أكن أستخدمه، ولكن الحمد لله، كانت تصاميمي خالية من الأخطاء، حتى بدون استخدامي للباترون، وبعد زواجي، انتقلتُ للعيش في منطقة دخان، وأنا حامل بطفلي الأول، وكانت معي آلة خياطة، فكنتُ أخيط ثلاث أو أربع دراريع (جلابية نسائية) ، وأبيعها في محل حسناء الخليج في شارع عبدالله بن ثاني، وكان يوسف جولو- صديق زوجي - يبيع لي تلك الدراريع بحوالي ٣٠٠ ريالًا، والحمد لله، استطعتُ جمع مبلغًا كبيرًا من بيع الملابس، ولكني توقفتُ عن الخياطة فيما بعد لانشغالي بأبنائي، لكن أول تجربة تجارية كبيرة لي كانت مشاركتي في معرض الأسرة العصرية.
حدثينا عن تجربتك في معرض الأسرة العصرية.
في عام 2001 م، زار وفد من دار الإنماء الاجتماعي مجلس الأمهات في مدرسة ابنتي، فقلت لهم عن رغبتي في العمل، وعن حصولي على دبلوم في الخياطة، لأنهم كانوا يوظفون من يستطيع القراءة والكتابة، فنصحوني بالاشتراك في معرض الأسرة العصرية، لأبيع فيها ما أخيطه من ملابس، ولكن كانت المشكلة أن المعرض كان سيقام في نفس الأسبوع الذي علمتُ فيه عن المعرض، فكنتُ آخر من يسجل فيه، وفكرتُ كيف سأقوم بخياطة عدد كبير من الملابس في أسبوع واحد فقط! خاصة أن أطفالي صغار، ويحتاجون إلى انتباهي، ولم يكن لديّ من يساعدني في أعمال المنزل، ومن ثم خطرت في بالي فكرة أن أبيع بزار (مخلوط بهارات مطحونة) ومخللات، لأنني كنتُ أستطيع صنع البزار، لكن وصفتي كانت بسيطة، وتعتمد على تذوقي للطعام، فإذا وجدتُ أن طعم البهار غير موجود في الطعام، كنتُ أزيد منه، أما لصنع المخلل، فتوجهتُ إلى الثلاث شجرات الليمون التي كانت لدينا، وأخذتُ منها الليمون، وصنعتُ ثلاثة أنواع من آجار الليمون (مخلل)، واستخدمتُ ما كان لديّ من طماطم لأصنع أصناف من آجار الطماطم، ولكن لم يكن لديّ باقي المكونات، كما لم يكن لديّ المال الكافي، ولم أكن لأطلب المال من زوجي، لأنه متقاعد وعليه مصاريف البيت، فتذكرتُ نصيحة والدي الذي قال أن التاجر الناجح يبدأ من الصفر، ولذلك رأيتُ أنني لو لم أبدأ من الصفر، فسوف أفشل، ولن أعلم حجم خسارتي لو لم أعلم حجم نجاحي، فأخذتُ بنصيحة والدي، وبدأتُ من الصفر، أي بجمع المال، وصدف خلالها أني التقيتُ بشيخة من شيخات منطقة الشمال في المركز الذي كانت تدرس فيه ابنتي، وعندما أخبرتها أنني أصنع البزار، قالت بأنها ترغب في شرائه مني، ولكن المشكلة أنني كنتُ لا أملك علبًا لأضع فيه البزار وابيعه، فأخذتُ علب حليب نيدو الفارغة، ووضعتُ فيه البزار، وبعد أن استلمت البزار، طلبت مني ثلاث علب نيدو أخرى من البزار! وقد كنتُ أصنع البزار بيديّ، فكنتُ أكسر البهارات، كالكركم و عرق الهيل بالساطور (سكين كبير)، ومن ثم أدقه بالهاون (الهاون والمدقة كانت أدوات تستخدم قديمًا لسحق المكونات وطحنها) ، كما كنتُ أستخدم ماكينة قهوة قديمة لأطحن البهارات، ولأنها كانت مكسورة وبلا غطاء، وكنتُ أضع يدي فوق الماكينة حتى لا يتناثر المسحوق، والحمد لله، كنتُ أنتج كل يوم 12 كيلو من أنواع مختلفة من البهارات، مثل الكركم السادة، ومطحون أعشاب مجففة كالنعناع،
وبفضل الله، مشاركتي في المعرض كانت ناجحة جدًا، لدرجة أنه بسبب كثرة الطلب، اضطررتُ إلى إعادة صنع البزار، فاشتريتُ أكياسًا كبيرة من البهارات، وكنتُ أدق البهارات بالهاون حتى منتصف الليل، لانشغالي خلال النهار بأعمال البيت، وكان روتيني يومها عبارة عن تجهيز أطفالي للمدرسة، ومن ثم أوصلهم، وآتي للمعرض، واستمر المعرض لمدة ١٠ أيام، استطعتُ خلال تلك الأيام العشر أن أكسب ٣٢ ألف! لأنه كان هناك إقبال كبير على منتجاتي، والتي لم تكن غالية، بل كنتُ أبيع العلبة بعشرين ريالاً، والمال الذي جمعته من المعرض استخدمته لافتتاح دكان في بيتي، ولكن انظروا إلى أين وصلت منتجاتي اليوم! ومنتجاتي تحمل عبارة: "صنع في قطر"، كما أنه أصبح لديّ مصنع ستُفتتح قريبًا بإذن الله، وسوف يلبي المصنع احتياجات جميع الجمعيات في قطر، والمصنع أيضًا بدأته بمالي وعرق جبيني، ولم ألجأ للاقتراض من بنك التنمية، حتى لا أسبب لنفسي قلقًا وضغطًا لتسديد المبلغ فيما بعد، ولا أعني بذلك أن بنك التنمية لم يدعمني، بل فضلتُ أن أغامر لوحدي، وأن أبني كل ما أريده بنفسي، والحمد لله، أصبحت بهارات الشموس معروفة خارج قطر، كما أن الكثير من المطابخ الشعبية والفنادق يطلبون منتجاتي، ولكن مقري الوحيد سيكون دائمًا وأبدًا سوق واقف، لأنه جزء مني.

حدثينا عن الدكان الذي افتتحتيه في بيتك.
بعد نجاحي الكبير في المعرض، أردتُ أن أتوسع في التجارة، فاستخدمتُ ما كسبته من مال لبناء غرفة لسائقي، وحولتُ غرفته القديمة لدكان في البيت، ولكني كنتُ لا أزال أستخدم قوارير ورق العنب والجبن لأبيع منتجاتي فيها، وحتى اللصقة التي كنتُ أضعها على العلبة، كانت لصقة عادية، وكنتُ أكتب عليها بخط اليد شعاري: "شمس الشموس"، والتي صممتها لي ابنتي، ففي ذلك الوقت، طباعة الملصقات كانت غالية، ورأيتُ أنه من الأفضل أن أستثمر في منتجاتي بدلاً من شراء مثل هذه الأشياء، والكثير من الناس حين يربح بعض المال من خلال التجارة، أراهم يصرفونه على السفر وعلى الأكل في المطاعم الغالية، وأنا أرفض الإثنين، مثلاً، أنا لم أسافر في حياتي إلا إلى الهند وذلك بحثًا عن المواد الخام لصنع البهارات، والحمد لله، مغامرة الدكان كانت ناجحة جدًا، وأعتقد أنني كنتُ أكسب حوالي ٢٠٠٠ ريالًا يوميًا، خاصة وأن منتجاتي أصبحت معروفة على المستوى المحلي والعالمي، وزبائني كانوا دائمين، وكانوا يقولون أنه لا يمكنهم الاستغناء عن منتجاتي.

كيف كانت بدايتكِ في سوق واقف؟
بدايتي في سوق واقف كانت في آواخر عام ٢٠٠٤ م، وسمعتُ في إحدى معارض أعياد قطر أنه سيكون هناك سوق حريم (للنساء) في سوق واقف، فبدأتُ أبحث معلومات عن هذا السوق، فأرشدوني لزيارة سوق واقف نفسه، وشكل سوق واقف في ذلك الوقت كان مختلفًا عما ترونه اليوم، فقد كان السوق مليء بالحفر، فلم أستطع إيجاد المكان، وصادفتُ في طريقي رجلاً وسألته: "يمه فديتك، وين أروح أقدم عشان محل في سوق واقف؟"، وسألني إن كان لديّ الأوراق المطلوبة، ولم يكن لدي شيئًا! فقال لي أن أذهب إلى المكتب الهندسي، ولم أكن أعرف أين المكتب! فأعطاني الرجل رقم مدير المكتب، وعندما اتصلتُ عليه، وعرّفته على نفسي، قال لي مسرورًا أنهم كانوا يبحثون عني! وأخذوني إلى مكان المحلات التي ستفتتح، وتركوا لي حرية اختيار المحل، وأخبروني بأنهم سيؤثثون المكان حسب رغبتي، فاخترتُ لمطعمي الطابع القطري التراثي، وكانوا يريدون مني أن أفتتح المحل في أسرع وقت، وبعد الافتتاح، كنتُ أجلس لوحدي في المحل، وفي يوم ما، رأيت رجلاً يصور المحل، فخفت وطلبت منه عدم التصوير، لكنه قال لي أن التصوير للمكتب الهندسي، فاطمأنت نفسي، وفي اليوم التالي، نزل الخبر عن محلي في الصحيفة المحلية بعنوان: "أول تاجرة قطرية في سوق واقف"، وعندما قرأتُ العنوان، أعتقد أن الفرحة التي شعرتها لم تكن تتسع هذا الكون، ومثل هذه الأشياء هي التي أعمل لأجلها، فالنجاح ليس المال، بل حب الناس، وسمعتي الطيبة، وكل ما مررتُ به من صعوبات بدت صغيرة أمام هذا الإنجاز، وأنا جدًا فخورة بكل ما عملته.
كيف امتدت تجارتكِ من البهارات إلى افتتاح مطعم شاي الشموس؟
قررت إدارة السوق تحويل الموقع الذي كنتُ فيه من قبل إلى سوق الطيور، وقرروا نقل المحلات إلى مكان آخر داخل السوق، ولكن الإدارة تركت لي حرية اختيار الموقع الجديد، ولكني رأيتُ حجم المحل صغيرًا، فقرروا إعطائي محلين بدلاً من واحد، وكانت إدارة السوق كريمة، فتم تعويضنا عن الأثاث في المحل القديم بمبلغ مالي، وإيجار المكان كان جدًا بسيط، وبعد تغيير الموقع اشتهر المحل أكثر، وظللتُ في ذلك الموقع سنينًا طويلة، ويومًا ما زارني طويل العمر، الشيخ حمد بن خليفة، وسألني عن الذي اختار لي موقع المحل، ولم أكن أعرف من الذي قرر نقل محلي، فقرر أن ينقلني لمكان آخر، فخرجتُ من بيتي، واختاروا لي المكان الجديد ليكون بجانب فندق البدع، وقلت لهم أني أريد محل للبزار والمخللات، كما أنني أريد محل لأفتتح براد، فأعطوني مكانًا للاثنين، وكنتُ أنا فوق السحاب من الفرحة، كما أنهم جهزوا المكان بما أريده من أثاث وغيره، وقد قامت أم نواف، منيرة بنت ناصر المسند، بافتتاح رسمي لمحل البهارات، ومن ثم قررت إدارة السوق إعطائي محل آخر كمطعم دون تحديد نوعه، وكان المطعم عبارة عن ٦ كراسي، وحددوا لي الافتتاح بعد ١٠ أيام، فاتصلتُ بصحيفة الشرق، وطلبتُ منهم إعداد قائمة أطباق شعبية مثل البيض والطماطم، وخبز رقاق، ونخي، وبازلاء، ولم يكن لديّ صور للأطباق، أو حتى دفتر فواتير وغيره، وبعد الافتتاح، كان المطعم خاليًا من الزوار، وكل ما كنتُ أطبخه للمطعم، كنتُ أوزعه مجانًا على الحمالين في السوق، وسبحان الله، كانت هذه فرصة رائعة، لأنني بدأتُ في التدرب على الأكلات الشعبية، وكنتُ مقتنعة بعمل المطعم، وهكذا بدأتُ أتعلم لوحدي، وأغير في الوصفات لأبتكر وصفات جديدة، فأنا تعلمتُ كل شيء بنفسي، ولم أعتمد في ذلك على أحد، والحمد لله، أنا مؤلفة كتابين في الطبخ، أول كتاب هو: "ألف ياء الشموس"، وكنتُ قد قررتُ كتابته بعد معرض الأسرة العصرية، وتحتوي على الأصناف التي كنتُ أطبخها لعائلتي، ونجح الكتاب نجاح منقطع النظير، وبسبب الإقبال الكبير عليه، ألفتُ كتابي الثاني: "ولائم الشموس"، وهذا الكتاب مخصص لوصفات الولائم، وقد ترجم الكتاب إلى اللغة الإنجليزية.
وبعد شهرين، في عام ٢٠١٤ م، زارتني وجه الخير، الشيخة موزة بنت ناصر المسند، التي تشرفتُ بلقائها من قبل في المعرض، وقالت لي يومها بأنني سأصل إلى العالمية، وظل ذلك في بالي، واليوم، أنا اعتبر عالمية، ولكن كل نجاحي بسبب الشيخة موزة، لأنها التي دفعت بالنساء القطريات إلى الأمام، ونجاحي هو بمثابة هدية لها، كما أنني تشرفتُ بالشيخ الوالد حمد بن خليفة، حدث ذلك قبل يوم واحد من رمضان تلك السنة، رأيته في الممر أمام مطعمي، فذهبتُ لأسلم عليه، وأبديتُ له رغبتي في أن يزور مطعمي، فلم يرد وشرفني بحضوره، وسألني عن نوع مطعمي، فأخبرته بأنه مطعم قطري شعبي، فأمر الإدارة ليوسعوا لي المكان، فازداد عدد الكراسي إلى248 كرسي! وأصبح الزوار يأتون إلى المطعم من مختلف البلاد، وهذا هو النجاح والرزق الذي أسعى إليه.

هل واجهتكِ أي صعوبات في رحلتك؟
لا تخلو أية رحلة من الصعوبات والتحديات، فقد واجهتني صعوبات في بدايتي، أولها، خوفي من ردة فعل المجتمع مما كنتُ أقوم به، ورغم أنه لم يكن خطأُ، إلا أنني كنتُ أشعر بالخوف، فكنتُ أختبئ في المعارض عندما كان يمر عليّ شخص أعرفه، أو أنني أمثل بأنني مشغولة حتى لا يقف الشخص عند كشكي، وكنتُ أخاف من التصوير، والظهور في الصحف، ولم يكن الخوف من لا شيء، لأن الكثيرون من أهلي كانوا معارضين لوقوفي أمام الناس وبيعي لمنتجاتي، يقول أن "بنت الناس" لا تفعل ذلك، طبعًا، لا خطأ فيما كنتُ أعمل، بل المشكلة والاعتراض كان على قيامي به أمام الملأ، أما التجارة، فقد كان الكثيرات يقمن به وهن في منزلهن، أتذكر أن جدتي كانت تبيع الملابس التي تخيطها، فتجد النساء يجتمعن في بيت إحداهن، وأمامهن القهوة والمكسرات، والكستناء، و يتبادلن القصص، ويشترين ما يلزمهن، وأنا كطفلة، أتذكر أنني كنتُ اشتري من جيراننا، أي أن كانت هناك نساء في قطر كن تاجرات في بيوتهن، كما أن جدتي كانت دولا ولادة، وكانت تعمل دون مقابل، فالنساء في ذلك الزمن، قلوبهن كانت على نغمة واحدة، يساندن بعضهن البعض، وأتمنى أن الجيل الحالي من النساء يدعمن بعضهن البعض كما فعلن جداتنا لكنني -الحمد لله- استطعتُ رمي ذلك الخوف وراء ظهري، ولم أهتم به كثيرًا، رغم أن البعض من أهلي قد قطع صلته بي لفترة طويلة، لكن الحمد لله، تغير الوقت، وأولئك الذين كانوا يرددون بأنني على خطأ، نجدهم اليوم في نفس التجارة، وعرفوا أنني كنتُ على صواب، بالعكس، عملي صنع لهؤلاء سمعة طيبة بين الناس كما واجهتُ صعوبة في العمل والإنتاج، لأنني كنتُ افتقر إلى الأيدي العاملة، بالإضافة إلى التزاماتي العائلية، أتذكر أنني كنتُ أستيقظ في الخامسة صباحًا، وأركب الحافلة مع عمالي الذين يعملون في المصنع، واذهب معهم إلى المصنع، ورغم صعوبة الموضوع، إلا أننا كنا نستمتع بوقتنا معًا، فكنت أراهم يغنون أغاني في لغاتهم المختلفة، كما أنني استطعتُ تعلم بعض الكلمات الهندية منهم، ولكني أواجه اليوم صعوبات من نوع أخر، فالحمد لله، المحل والمطعم ناجحين جدًا، وأصبح لدي فوق الخمس وعشرين عاملاً، وعلينا التزامات ناحيتهم، صحيح أن التجارة تأثرت بسبب أوضاع الحصار وظروف كورونا، لكن أميرنا ليس منه أي قصور، وأبواب الدنيا مفتوحة أمامنا، والحمد لله، خلال ظروف كورونا تعاقدنا مع تطبيق سنونو لتوصيل طلبات المطعم.
ما هي أبرز ذكرياتك؟
أكثر ما أتذكره هو تشجيع سمو الشيخة موزة بنت ناصر، ولن أنسى فضلها عليّ، كما لن أنسى دعم دار الإنماء الاجتماعي، والمتمثل في دعم أم نواف، وهي التي أعطتني لقب "شمس الشموس"، ولن أنسى وقفة آمال المناعي معي يوم المعرض، ويومها كانت الطاولات في المعرض بزينة موحدة، وأنا لم أكن أعرف ذلك، فظللت أدور في السوق بحثًا عن ورود صناعية، وقمتُ بتعليق عريش، وعلقت أقفاص للطيور والحمام، ووضعت رحى، ونثرت بعض الأعشاب المجففة، وفي يوم المعرض، فكرتُ أن الشيخة موزة لن تمر بطاولتي، ثم لاحظتُ أن إحدى المشاركات وضعت أمام طاولتها شريط لتقصه الشيخة موزة كافتتاح، فأخذت بعض الحبال وربطته حول الطاولة، وعندما زارت طاولتي، قلت لها أن تفك الحبل كافتتاح، وهذا التصرف أراه كرمز لي، أما الشيخة موزة ففرحت كثيرًا بكشكي، قالت بأن الكشك يشبه الكوخ، ومن الأمور التي لا أنساها أبدًا هو تشجيع الناس لي، فلم يفرق معهم لو قدمت لهم المنتج في علبة أو في كيس، حتى أن البعض كان يجلب علبته معه! وطبعًا، أصبحت الذكريات أكثر اليوم، فجدران مطعمي مليء بصور لزوار من جميع أنحاء العالم، وكل يوم يأتينا زوار من مختلف البلاد، من اليابان، والهند، وفرنسا، كما يزورنا أصحاب مناصب وذو أهمية، مثلاً، أتذكر زيارة الممثلة العالمية إيفانجلين ليلي، وقد زارتنا مرتدية عباية وحجاب مع زوجها وأطفالها، وكان ممنوع علينا التصوير، لأنها لا تحب عرض أطفالها في الإعلام، وقد تحدثت معي، كما زارتنا الممثلة تلدا سويتن التي ما إن سمعت قصتي، قبلتني على رأسي، وقالت لي بأنني مصدر إلهام للجميع، وشجعتنا على تصوير فيلم وثائقي عن رحلتي، كما زارنا أصحاب سياسة، مثل اللورد توماس، اليد الأيمن للملكة إليزابيث، كما اختاروني لأكون وجه البرتوكول القطري، ووجه الضيافة القطرية الأصيلة، كما وضعت صورتي على طائرة، وحدث يومًا ما أن زارتني باحثة من وزارة الثقافة البريطانية، وعاشت معنا في بيتنا لمدة ثلاثة أيام، وتعيش معنا يومنا بكل أحداثه، كما أنها أرادت لبس العباية والحجاب، وكانت تجلس معي في المطعم، كما صامت معنا لأنها زارتنا خلال شهر رمضان، وقد أهدتني صحن أثري يبلغ من العمر 220 سنة، كما تم اختياري في برنامج وثائقي أمريكي عنوانه (بورن تو إكسبلور) فزارنا ريتشارد ويز مقدم البرنامج، واختار المطعم ليمثل وجه قطر، وغيرهم الكثير من الزوار المميزين، ودائمًا يحب الزوار جو المطعم، لأنه بسيط ورحب، وكما أننا لا نقوم بالدعايات، وكل نجاحنا مبني على مدح الناس لأكلنا، وشهرتنا من حديث الناس عنا.

ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟
نجاح نساء قطر من نجاحي، وأطمح أن أراهن ناجحات في المحافل العالمية، وأقول لهن: غامرن في المجال والتخصص الذي تردنه، واعتمدن على أنفسكن، واجتهدن ولا تبخلن على أنفسكن بالسعي، حتى لو بدأتن من الصفر.
- كاتبة المقابلة: فاطمة أحمد.
- تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.