يعتقد الكثيرون بأن الملاكمة رياضة عنيفة تصلح للرجال فقط، ولا يختلف المجتمع القطري في ذلك إذ يراها رياضة لا تناسب المرأة، لأنها تتنافى مع مفهومهم للأنوثة، وكل هذه المفاهيم الخاطئة ساهمت في عدم ممارسة المرأة للملاكمة في دولة قطر، ولكن لم تترك عفاف عبدي القرني لآراء المجتمع أن يقتل حلمها، فتمسكت بحلمها في تمثيل قطر في رياضة الملاكمة، وفي هذه المقابلة، سنتعرف على عفاف عبدي القرني، المرأة الشجاعة التي قاومت الحدود التي فرضها المجتمع عليها، لتصبح أول امرأة تمارس الملاكمة الأولمبية في قطر، كما استطاعت تحقيق حلمها في تمثيل دولة قطر بشكل رسمي، لتفتح بذلك المجال للنساء اللواتي يرغبن بممارسة الملاكمة الأولمبية في قطر، فمن هي عفاف عبدي القرني ؟

أنا أول ملاكمة أولمبية في قطر، وأمارس الملاكمة منذ عام 2016 م، وكان هدفي أن أمثل قطر على المستوى الدولي في هذه الرياضة، وأن أنشر الوعي عنها في المجتمع القطري، وخاصة بين النساء، وفي بداياتي، كنتُ أتدرب في نادي بسيط، ومع التدريب المستمر، بدأت مهاراتي بالتحسن، ثم التقيتُ بمدربي الأستاذ ناصر علي العسيري، من سلطنة عمان، والذي تبنى موهبتي مشكورًا، وله فضل كبير عليّ، حيث قام بتدريبي وتعليمي عن هذه الرياضة لمدة لسنة كاملة حتى عام 2017م. وبعدها توجهتُ إلى الاتحاد القطري للملاكمة والمصارعة لتقديم طلب تمثيل دولة قطر في البطولات بشكل رسمي، وللأسف، قوبل طلبي بالرفض بحجة أنني امرأة، كما نصحوني بعدم ممارسة هذه الرياضة، والتي على حسب فهمهم، رياضة عنيفة، واقترحوا عليّ الانضمام إلى رياضات تناسب المرأة أكثر، مثل الباليه أو الجمباز أو ألعاب القوى، ولكنني لم أرغب في ممارسة أي رياضة غير الملاكمة، والحمد لله، بعد صراع طويل وجهد كبير لمدة سنة، حصلنا على الموافقة في نهاية عام 2019 م، وتم التوصل إلى اتفاق بين لجنة المرأة القطرية للرياضة والاتحاد القطري للعمل على افتتاح أكاديمية نسائية للملاكمة، وكنا بصدد تجهيز الطاقم الطبي، وتوفير العلاج الطبيعي، وتخطيط جدول التمارين، وغيره، كما سجلنا عدد كبير من النساء في الأكاديمية حتى قبل افتتاحها، ولكن للأسف، بدأت جائحة كورونا، وتم إيقاف العمل مؤقتًا.
هل كنتِ تفضلين رياضة الملاكمة دائمًا؟
لقد أحببتُ رياضات الدفاع عن النفس منذ الصغر، وكنتُ أمارس التايكواندو في السابق، ولكنني لم أشعر بأنها الرياضة المناسبة لي، وقد طلب مني الاتحاد القطري للتايكوندو والجودو والكاراتيه أن أمثل دولة قطر في التايكوندو، ولكنني فضلتُ الاستمرار في الملاكمة فقط، لأنني لو وافقتُ على طلب الاتحاد لتمثيل التايكوندو، فسيكون وكأنني تخليتُ عن حلمي أما التغيير من ممارسة التايكوندو إلى الملاكمة فكان تغييرًا سلسًا، لأن رياضة التايكوندو تشبه الملاكمة، أما الأستاذ ناصر فقد أحسن تدريبي، وساعدني في تطوير موهبتي، ولكن المشكلة الوحيدة التي كنتُ أواجهها في الست أشهر الأولى من تغييري إلى الملاكمة، هي أن رياضة التايكوندو تعتمد على الهجوم باستخدام الأرجل، في حين أن الملاكمة تعتمد على الهجوم بالأيدي فقط.
هل شاركتِ في بطولات الملاكمة؟
شاركتُ في بطولتين وديتين في سلطنة عمان، وحصلتُ على المركز الثاني في البطولة الأولى، والمركز الثالث في الأخرى، ولكن شاركنا كنادي، وهذه المباريات ليست مسجلة في رصيدي كملاكمة أولمبية ، لأني لم أمثل الدولة بشكل رسمي، كما كانت على نفقتي الخاصة، فأنا اجتهدتُ، وسجلتُ في هذه البطولات، لأنني كنتُ أرغب في تطوير موهبتي، وكانت الخطة في أن أسافر في فبراير عام 2020 م مع اللاعبات من المنتخب القطري لحضور بطولة الملاكمة في الكويت، ولكن تم إلغاء السفر بسبب جائحة كورونا، وكانت ستكون أول بطولة رسمية للمنافسة، وإعلان عن وجود سيدات يمارسن الملاكمة الأولمبية في قطر، وإن شاء الله، سوف نفتتح الأكاديمية، ونبدأ قريبًا، وسيصل إلينا جدول من الاتحاد القطري واللجنة الأولمبية القطرية عن البطولات التي سنتمكن من المشاركة فيها.
هل يمكنكِ إخبارنا عن التدريب الذي تخضعين له كملاكمة؟
أنا أتدرب ٤ أيام في الأسبوع، وأركض مسافة ٥ كيلومترات مرتين في الأسبوع، وأستريح ليوم واحد فقط، ويقوم مدربي الأستاذ ناصر بترتيب الجدول، وتخطيط كل التمارين، وكل ما عليّ فعله هو التواجد في مكان التدريب، والأيام الأولى للتدريب كانت صعبة جدًا، لأن جسديًا، كنتُ أمر بتجربة جديدة، ولكن بعد فترة، تعوّد جسدي وعقلي، وأصبح بإمكاني القيام بالتمارين بسهولة، وبعدها، سافرنا إلى سلطنة عمان لنشارك في معسكر، وكنا جزء من نادي (الكيك بوكسينغ)، وهناك تدربتُ مع الرجال لأول مرة، ولكن المدرب أرشدهم بعدم ضربي، وترك لي مجال توجيه أول ضربة، وهذا سيساعدني في اكتساب الخبرة منهم، وسيطور من ردة فعلي، وبعد أن تمرنتُ مع الرجال، تغيرت الطريقة التي كنتُ أنافس بها، فالتدريب مع الرجال حسّن من مهاراتي وطورت قدراتي.
هل بإمكانك أن تحدثينا عن الأكاديمية التي ستقومون بافتتاحها؟
عندما قدمتُ الطلب لتمثيل قطر، وافتتاح أكاديمية، رفض الاتحاد القطري للملاكمة والمصارعة الطلب، ولم تأتيني الموافقة إلا بعد صراع طويل أخذ مجهود سنتين، قمنا خلالها بتوعية المجتمع عن ماهية الملاكمة الأولمبية، ونشرنا عن إيجابياتها وسلبياتها، وأعلنا في الصحف المحلية، وقمنا بزيارة العديد من الوزارات، فاقتنع الاتحاد بعد كل هذا الجهد، وأتت الموافقة من السيد خالد يوسف الماس، أمين سر المساعد ورئيس جهاز الملاكمة، كما ساندتنا السيدة لولوة المري، رئيسة لجنة رياضة المرأة القطرية، وهي أول شخص شجعني، ورحب بي، كما ساعدتني عندما قدمتُ طلب للحصول على مقر لتمرين اللاعبات، أي أنني جهزتُ كل ما تحتاجه الأكاديمية، ولكن توقف كل شيء بسبب وباء كورونا وورش التوعية التي قمنا بها شملت النساء أيضًا، وأعلنا عن هذه الورش على تطبيق إنستغرام، ومن خلالها قمنا بتسجيل العديد من الطالبات في الأكاديمية، والمشكلة أن معظم الناس لا يعرفون الفرق بين رياضة الملاكمة و(الكيك بوكسينغ)، وهذه إحدى النقاط التي اشرحها دائمًا في الورش، فرياضة (الكيك بوكسينغ) ليست رياضة أولمبية، ولا يمكن التنافس فيها على المستوى الدولي، لكن قد تُمارَس في البيت والنادي فقط، لأنها ليست رياضة معترفة بها، ولذلك لابد أن ينضم اللاعب إلى الملاكمة الأولمبية ليكون لاعب رسمي والجميل في الموضوع، أن افتتاح الأكاديمية قوبل بحفاوة كبيرة من النساء، وقابلتُ الكثيرات ممن أبدين رغبتهن في ممارسة الملاكمة، لإطلاق الطاقة السلبية وتخفيف التوتر والضغط، حيث يمكن لرياضة الملاكمة أن تساعد الشخص على تصفية الذهن، والتخلص من الغضب، وبعد التمرين، ترجع المتدربة إلى بيتها سعيدة ومنشرحة الصدر أما بالنسبة للانضمام إلى الأكاديمية، فيجب أن تلتزم المتدربة بحضور كل التمارين، وحاليًا، لدينا تقريبًا ١٩ متدربة مسجلة في الأكاديمية، وهن من مختلف الجنسيات، ومن ضمنهم الجنسية القطرية، وقم تم اختيار المدربين للأكاديمية من قبل الاتحاد القطري للملاكمة والمصارعة، ونحن نتبع قوانين الاتحاد لأننا نمثل دولة قطر، ولكن النساء رفضن مدرب الاتحاد، لأنهن يفضلن مدربة، فقررتُ أن أكون مدربتهن حتى تنتهي جميع الإجراءات، ولكنني ما زلت أتدرب كلاعبة في نفس الوقت.
هل يوجد فرق بين دورك كلاعبة وكمدربة في رياضة الملاكمة؟
أصبحتُ مدربة لأنني أحب هذا المجال، وأرغب في تطوير نفسي، وحاليًا أقدم حصصًا فردية وجماعية، وقد قام الأستاذ ناصر بتمريني لهذا الدور، وعلمني أساسيات التدريب، أما الفرق بين دور اللاعب ودور المدرب، فأولًا دور اللاعب أبسط من دور المدرب، لأن اللاعب كل ما عليه فعله هو ارتداء قفازات الملاكمة، واتباع تعليمات المدرب خلال التمرين، ولكن المدرب لديه مسؤوليات عديدة، فيكون تحت ضغط شديد، ويتطلب الموضوع تركيزًا كبيرًا من المدرب، أكثر من اللاعب حتى، لأن أي حركة خاطئة من اللاعب، قد تؤدي إلى إصابته، وبالتالي المدرب الذكي سيدرب اللاعب ليتفادى الإصابات، كما أن طريقة معاملة المدرب لها دور كبير على نفسية اللاعب، وعلى كمية الجهد الذي سيبذله، فهناك العديد من المدربين الذين يعاملون اللاعب حسب مزاجهم، فإذا كانوا في حالة مزاجية سيئة، سيجعلون التدريب أصعب على اللاعب، ولذلك أحاول دائمًا أن أفصل مشاكلي الشخصية عن عملي وأركز على دوري كمدربة على اللاعبة، ففي وقت التمرين، أتأكد أن اللاعبة قد وضعت كامل تركيزها في التدريب، لأن عدم التركيز قد يؤدي إلى الإصابات، وإذا ما شعرتُ أن متدربة لا تركز، أوقفها عن التدريب، ونعاود التدريب فقط بعد أن تصفي ذهنها، فعلمني دور المدربة كيفية تحمل المسؤولية، كما أن نفسية طالباتي مهم جدًا بالنسبة لي، فهدفي أن أزرع حب هذه الرياضة في الطالبة، وهناك مدربين يجعلون اللاعب يكره المجال بسبب سوء تعامله، ولذلك أحاول أن أكون على علاقة جيدة مع الطالبات، وأتأكد دائمًا من حالتها النفسية والجسدية، فأستفسر عن نومها، وإذا ما واجهت أي جهد عضلي بعد التدريب، وأسئلة أخرى حتى أعرف وضعها، كما أن هذه الأسئلة ستشجع الطالبة على بذل الجهد والالتزام، لكونها ستشعر بأنها في أيدي أمينة مع مدربتها، ولذلك يجب عليّ أن أكون مخلصة لعملي، لكي يشعر الطرف الآخر أن هذه الرياضة تستحق الممارسة، وعندما تشعر الطالبة بإخلاصي سيشجعها ذلك على الحضور، والحمد لله، بعض طالباتي يقلن أنهن يأتين للتدريب لأجلي.
ذكرتِ أن طلبك لافتتاح أكاديمية للملاكمة قوبل بالرفض في البداية، كيف كان تأثير الرفض عليك؟
لقد كانت فترة صعبة جدًا لأن الرفض أثر فيني نفسيًا وجسديًا، ودخلتُ في دوامة حزن عميق، وشعرتُ بالإحباط لأنني اجتهدتُ لسنة كاملة، وأعددتُ الفريق، بالإضافة إلى ذلك، كنتُ أتمرن، وأقوم بدورات، وورش عمل، وأسافر على نفقتي الخاصة، لأحقق حلمي، وعندما يكون لديك حلم، وتجتهد لأجله، ويتم رفض حلمك، سيتملكك شعور الحزن، وكنتُ أتساءل: لماذا يوافقون على رياضات الدفاع عن النفس الأخرى، كالجودو والكاراتيه والتايكواندو، ولكن يرفضون رياضة الملاكمة، بينما كل الدول لديها فريق ملاكمة نسائي وأما عذر البعض لرفضهم للملاكمة لكونها رياضة تتضمن الضرب، وقد تسبب إصابات، فهو عذر غير مقنع، لأن الجودو وغيره قد يؤدي إلى الإصابات أيضًا، واللاعب قد يتأذى في أي رياضة، كما كانوا ينتقدوني لأنني امرأة، ويجعلون رفضهم يبدو وكأنه في صالحي، ولأجل حمايتي، وأتذكر أنني قلتُ للمسؤول أنه أنا التي ستشارك في المباراة وليس أنت وهناك نساء يلعبن في كل الاتحادات، ولذلك لن أسمح لأي أحد أن يخبرني بأن هذه الرياضة مضرة وأتذكر اليوم الذي التقيتُ فيه بصاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، حيث حضرت بطولة مفتوحة في كتارا في عام ٢٠١٩ م، وتحدثتُ معها عن حلمي ورغبتي في تمثيل قطر في رياضة الملاكمة، وبعد فترة، التقيتُ بسعادة الشيخ جوعان بن حمد آل ثاني، وأخبرته بأن الاتحاد رفضني بدون أي سبب مقنع، والحمد لله، أتت الموافقة الرسمية بعد شهرين من ذلك اليوم.
كيف كانت ردة فعل من حولك عندما أردت تمثيل قطر في رياضة الملاكمة؟
الحمد لله لأن الله رزقني بعائلة تشجعني، وبأصدقاء يدعمونني، ولكنني واجهتُ الانتقادات من المجتمع، فعندما أخبر الناس بأنني ملاكمة، أول تعليق يأتيني يكون: "لا تضربيني!"، لأنهم يعتقدون بأن رياضة الملاكمة عنيفة جدًا، وحقيقة، لا يمكنني لومهم، لأن هذه هي الصورة النمطية عن الملاكمة، ومصدرها ما يظهر على التلفاز والسينما، لأنهم يشاهدون الملاكمين مثل محمد علي ومايك تايسون الذين يمارسون الملاكمة الاحترافية، فيعتقدون أن هذا هو المقصود بالملاكمة، بينما هؤلاء يمارسون الملاكمة الاحترافية، وللاشتراك في هذا النوع من الملاكمة، يجب أن تكون تحت رعاية منظمة، والملاكمة الاحترافية تتكون من جولات أطول، وقوانينها تختلف عن الملاكمة الأولمبية، فالملاكمة الأولمبية تتكون من ٣ جولات بينها راحة مدتها دقيقتين، والملاكمة الأولمبية هي التي أمارسها، وأشجع غيري عليها، ولكن العالم لا يفهم هذا الاختلاف، ودائمًا أشرح هذا الفرق في الورشات، وحتى أنني قمت بشرحه للاتحاد القطري للملاكمة والمصارعة وفي بداياتي، كنت أتأثر بتعليقات الناس، وأغضب من كل كلمة يقولونها، ولكن مع تدريبي المستمر لرياضة الملاكمة، وبمساعدة مدربي واستاذي الذي ألهمني، وركز على ألا اهتم بهذه التعليقات، أصبحت كلماتهم لا تؤثر علي، وتعلمتُ كيف أتعامل مع هؤلاء الأشخاص، وشخصيتي عنيدة، ولذلك لن أغير من اتجاهي.
يبدو أن ممارسة الملاكمة كانت لها تأثير إيجابي على شخصيتك، حدثينا عن ذلك.
أنا أحب رياضة الملاكمة لأنها ساعدتني في اكتشاف نفسي وقدراتي، وعلمتني كيف أتعامل مع الآخرين، وغيرت شخصيتي بالكامل، لأن الملاكمة لها تأثير إيجابي على الشخص، ولكن للأسف، الرأي السائد في المجتمع بأنها رياضة عنيفة، وأن المرأة التي تمارسها ستكون أشبه بالرجال، وقد واجهتُ أنا شخصيًا مثل هذه الأفكار، فقد كان لي مقابلات تلفزيونية، وقد قال لي بعض المذيعين الذي حاوروني في تلك المقابلات بأنهم اعتقدوا بأنني سأتصرف كالرجال في المقابلة، ولكن بعد اللقاء والحوار، يستغربون بأنني مازلت أنثى، وأتصرف مثلهن، فلا يظهر عليّ أنني ملاكمة.
ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟
أنصحها بالمشاركة في صفوف رياضة الدفاع عن النفس، وألا تخاف من ممارسة مثل هذه الرياضات، فحتى لو تدربت مرة واحدة لمدة ٤٥ دقيقة، سوف تتمكن من التخلص من كل طاقتها السلبية، وستتحسن حياتها كثيرًا، لأن الرياضة بشكل عام تساعد في تحسين الذات، ولكن رياضات الدفاع عن النفس مميزة لأن مفعولها أقوى، فأنا عندما أكون تحت ضغط بسبب العمل أو بسبب أحداث الحياة أتدرب لمدة ساعة، وبعدها أشعر وكأنني أسعد إنسانة في العالم.
- كاتبة المقابلة: فاطمة أحمد.
- تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.