ظبية بنت عبدالله بن محمد السليطي

مرتْ دولة قطر بتطور عمراني كبير يشهد عليه القاصي والداني، والتطور العمراني لابد منه لرخاء مواطني أية دولة، كما يلعب النمو العمراني، وتوفير المرافق المختلفة، دورًا في جذب السياح، وبالتالي نمو اقتصاد الدولة، إلا أننا عادةً لا نتحدث كثيرًا عن الآثار السلبية للمد العمراني على البيئة الطبيعية للدولة، والمتمثلة في تقليل أعداد النباتات والحيوانات والحياة الفطرية البرية، وللأسف قد لا ينتبه المجتمع إلى تلك الآثار إلا بعد فوات الأوان، ولذا نشطتْ الباحثة القطرية ومديرة محمية الخميس للفقع والنباتات البرية السيدة ظبية بنت عبدالله بن محمد السليطي في مجال حماية البيئة، سعيًا نحو استدامة نباتات وأشجار بر قطر، وما يتعلق بهما من حياة فطرية متوازنة ومتواطنة معهم، فساهمتْ في انقاذ وزيادة أعداد العديد من النباتات القطرية المهددة بالانقراض، بالإضافة إلى نشاطها في توثيق تراث وثقافة قطر وتاريخها الاجتماعي، فمن هي ظبية بنت عبدالله بن محمد السليطي؟

Dhabya Abdullah Mohammed Al Sulaiti

أنا خريجة لغة عربية من الدفعة الأولى من كلية التربية في جامعة قطر، وباحثة في اللغة العربية وخاصة في توثيق اللهجة القطرية، وبحثي في هذا المجال بدأ مع بحثي للتخرج الذي كان عن الألفاظ القطرية في ديوان مهيار الديلمي، فرغم أن مهيار الديلمي لم يكن عربيًا بل فارسي الأصل، إلا أنه كان كاتبًا وشاعرًا باللغة العربية الفصحى، وكان البحث لاستقصاء وتوثيق الألفاظ القطرية التي وردتْ في ديوانه، والتي كانتْ ولا زالتْ تُستخدم أيضًا في قطر، ثم عَرْض تلك الكلمات على مِحَك الألفاظ العربية الواردة في أمهات المعاجم العربية. وكانت هذه بداية ولعي بكل ما هو "قطريّ" من ثقافة وتراث ولهجة، وكانت لي خطط لإكمال الدراسات العليا في القاهرة، إلا أن هذه الخطط لم تكتمل، لأن السفر للدراسة كان سيتعارض مع قيامي بدوري كأم وربة بيت، ولذا فضلتُ التركيز على العناية بأسرتي، وتربية أبنائي في ذلك الوقت، وكنتُ وقتها أعمل معيدة في قسم اللغة العربية التابع لجامعة قطر، فغيرتُ عملي، والتحقتُ بالعمل كباحثة في مركز الوثائق والدراسات الإنسانية كي لا أبتعد عن المجال البحثي الذي أحبه. ومركز الوثائق والدراسات الإنسانية كان مركزًا يهتم بالدراسات المتعلقة بالمجتمع القطري، وكنتُ من ضمن مجموعة باحثات لهنّ اهتمام بكل ما يمثل قطر، وعملي في المركز ساهم بشكل كبير في زيادة حبي وتعلقي بالبحث عن معظم ما يتعلق بقطر وأهلها، لأننا حظينا بفرص كثيرة للقاء العديد من أهل قطر من شتى الأعمار ومن مختلف المناطق، كما عملنا خلال تلك الفترة على جمع الحكايات الشعبية في قطر بالتعاون مع مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية، فتوفقنا في جَمْع ما يقارب 3000 حكاية تراثية، واستعان بنا مركز التراث للمساهمة في جمع مواد لعدة أبحاث، منها بحث عن الطب الشعبي في الخليج، وبحث عن أمراض الغوص في الخليج، وعن أمراض الأم والطفل في قطر قديمًا، وهذه الأبحاث كلها كان لها الفضل الكبير في فهمنا لعمق الثقافة القطرية من خلال سرد الإنسان القطري لتجاربه وحكايته لقصص وتاريخ أجداده وأسلافه، وبعدها كان لنا تعاون بشكل آخر مع مركز التراث الشعبي، حيث قمنا بمهمة جمع وتدوين وإعداد بحثًا بعنوان: أزياء وزينة المرأة القطرية في الماضي، وقد تَكَوّن فريق البحث من 4 باحثات كنتُ واحدة منهن، والمسؤولة عن جمع وتدوين وصياغة فصل الأزياء، وكذلك عن التدقيق اللغوي للبحث بأكمله، وبفضل الله ونعمته فقد كان نتاج ذلك البحث كتابًا قيمًا ما زال العديد من الباحثين يطلبون منا إعادة طباعته، ولكن للأسف تم حَل مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية، ولم يعد له وجود رغم كل ما قدمه من دراسات وأبحاث عميقة ومميزة بعد كل هذه التجارب رأيتُ أنه لابد لي أن أتابع رحلتي كباحثة قطرية دون اللجوء لمؤسسات بحثية، ولذا بدأتُ بتسجيل الملاحظات التراثية أو المتعلقة بلهجة أهل قطر، وبعض نواحي حياتهم وغيرها مما يميزهم اجتماعيًا وثقافيًا، ويميز دولة قطر ومجتمعها، والحمد لله أنه تجمعتْ لديّ من هذه التجارب مسودات بحثية أخطط لطباعتها في المستقبل القريب بإذن الله.

 

ما هي المصادر التي ترجعين إليها في أبحاثك؟

أول مصادري هو الكتب العربية القديمة، فقد كنتُ أحب قراءة الكتب منذ صغري، وأتذكر أنني في الصف السادس تطوعتُ لمساعدة أمينة مكتبة المدرسة في تنظيف المكتبة، وخلال التنظيف كنتُ أحاول أن أقرأ عناوين الكتب أثناء نفض الغبار عنها، كما أَن أمينة المكتبة كانت تهديني بعض الدوريات الزائدة عندها في المكتبة مكافأة لي على مساعدتها وعملي معها، ومع الوقت أصبح لديّ مكتبتي الخاصة، ومن شدة حبي للقراءة كنتُ أقرأ أي شيء يُقرأ، كقصاصات الصحف والمجلات التي كان بعض الباعة يغلف لنا الطعام بها، وأكثرها كانت تأتينا ملفوفة على الخبز، كما أنني كنتُ استمع إلى الإذاعات مثل إذاعة بغداد التي كانت تذيع مناقشات رسائل الماجستير والدكتوراه بشكل دوري، وكنتُ أكتب الرسائل والمكاتيب لأهلي ليراسلوا بها المسافرين من أهلهم وأقاربهم أما اختياري لتخصصي في اللغة العربية فكان لِقِلّة التخصصات المطروحة في كلية التربية في ذلك الوقت، وكان ذلك وقت التحاقي بالجامعة عام 1973 م، وبعدها تابعتُ التَّعلم أكثر والتخصص في اللغة العربية، ومن خلال عملي في مركز الوثائق كنّا على تواصل مع أهل قطر الأولين وكبار السن، فكانوا هم مراجعنا الأساسية في أبحاثنا.

 

كيف تحولت رحلتكِ كباحثة في اللغة إلى باحثة في البيئة القطرية؟ 

في عام 1984 م قمنا بِشِراء مزرعة بِنِيّة جعلها مزرعة منتجة للخضروات والنخيل، إلا أننا واجهنا الكثير من المصاعب في ذلك، أولها أن أرض المزرعة في معظمها حُزوم (أرض مرتفعة)، وتحتوي على صخور كثيرة، وثاني الأسباب هو أن تربتها تميل إلى التمَلّح والتصحر، وثالثًا وجدنا أن مياهها الجوفية شديدة الملوحة، وكلها أسباب تجعل من الصعب زراعة أرضها بالخضروات، كما أنه من الصعب إنعاش أرض مزرعة اجتمعت فيه كل هذه المعوقات، إلا أن هذا لم يوقفنا وحاولنا قدر الاستطاعة زراعتها بأي نوع يمكن أن ينجح في ظل هذه الظروف، فزرعنا النخيل والسدر وبعض الخضروات الورقية، وبدأنا العمل في الاستصلاح البيئي الفعلي في المزرعة عام 1997 م وفي ذلك الوقت، كانت قطر تمر بحقبة سريعة من التطور والنمو العمراني، والذي انعكس - للأسف - سلبًا على البيئة البرية، حيث تَسبب في نوع من التجريف للأراضي ونباتاتها البرية، ولذا بدأنا في محاولاتنا للحفاظ على نباتاتنا البرية القطرية، وأول نبات أوليته اهتمامي كانت نبات الشَّفلح، وارتبطتُ به ارتباطًا ثقافيًا وعاطفيًا ووطنيًا، وكانت تزخر به مناطق سُميت باسم: شفلحيات، ومنها شفلحية عربيد وشفلحية العقدة وشفلحية أم ثنيتين وأبا الشَّفلح، وكلها كانت ستتعرض للتجريف لأن طريق الشمال السريع يمر من خلال بعضها، وبعض الطرق السريعة الحيوية تمر من بعضها الآخر، فتواصلتُ مع الجهة المسؤولة، ونبهتهم إلى الضرر البيئي الذي قد يسببه اقتلاع مثل هذه الأعداد الهائلة من نبات الشَّفلح، ونصحتهم بفكرة بناء جسور فوق الشفلحيات، وبذلك نكون قد حافظنا على هذا الإرث البيئي الغذائي العلاجي القطري المتميز، فنبات الشَّفلح نبات عالي القيمة الغذائية، وقد يُستخدم في تحضير بعض الأطباق الغذائية والمشروبات، وهو من الإضافات التي تساعد على إنضاج وهضم اللحوم والأسماك، كما أن براعمه من المخللات المشهورة عالميًا، بالإضافة إلى ذلك، يتميز الشَّفلح باحتوائه على عناصر تساعد في علاج بعض الأمراض، ومن الممكن أن نَستخدم مسحوق أوراق نبات الشَّفلح كمعجون أسنان، ولذا يُعتبر الشَّفلح كنزًا بيئيًا لا يمكن التفريط فيه، وللأسف كان الرد الذي قيل لي هو أن تصميم المشروع تم إرساله إلى الجهات المعنية لاعتماده ولن يتغير، ولذا اتجهتُ إلى زراعة نبات الشَّفلح في المزرعة، واستمررتُ على جَني براعمه وأزهاره وفاكهته وأوراقه وبذوره من أي منطقة برية أجده فيها، وصرتُ لا أشتري الشَّفلح المستورد ولا أستعمله في بيتي، بل أعتمد كليًا على ما نزرعه محليًا، وهذه كلها جهود شخصية للحفاظ على نبات الشَّفلح، كما أن هذه الجهود دليل على اهتمامي بأرض قطر وحبي الشديد لكل ما يخصها، وتطور الموضوع إلى الاهتمام بكل نبات وشجر بري قطري موسمي أو مُعَمّر، إضافة إلى العديد من الأشجار القطرية التي كانت تُزرع في بيوت أهل قطر قديمًا ولا أعتقد أنني تحولتُ من باحثة في التوثيق اللغوي إلى باحثة في نباتات البيئة القطرية، أو أنني قد غيرتُ مساري البحثي بذلك، لأن النباتات أيضًا تحتوي على جانب لغوي، كاسمها العلمي والاسم المتعارف عليه بين أهل قطر، وعلاقتي مع أي نبات يكون مبني على الأبحاث اللغوية أيضًا، فعلى سبيل المثال، عندما بحثتُ في نبات الشَّفلح، رأيتُ أن له أسماء أخرى عديدة منها: الكَبَر، والأصف، أو اللصف، لكننا في قطر نسميه الشَّفلح، كما وجدتُ ذكر الشَّفلح في الكتب القديمة، فقرأتُ مرة أنه "إذا أُدخل في الطعام أمرأه"، أي يساعد على هضم الطعام، ولذا مهما كان الموضوع البحثي الذي انشغل به، إلا أنني أبحث فيه لغويًا أيضًا، وأبحث ماذا ذُكر عن الموضوع في لهجة وتراث أهل قطر وفي الكتب العربية القديمة، لأن الكلمات والمفردات لا تُستخدم في سياق معين إلا لسبب، والبحث في استخدام المجتمع لكلمات معينة في سياق اجتماعي معين يفصح عن عمق ثقافة ذلك المجتمع.

 

ما الذي شجعكِ لدخول عالم الزراعة وحماية النباتات؟

أول أسبابي هو حب أرض الوطن وحب نباتاتها، ولأنني لاحظتُ أن أرضنا تعرض للتجريف، فأهل قطر الأوائل كانوا يقولون: أن قطر كانت خضراء مغَنّة (كثيرة الخضرة)، ولم تكن قاحلة، كما أن انتباهي لنبات الشَّفلح جعلني أدرك أن بعض نباتاتنا قد تكون معرضة للانقراض، وقد أنشأ زوجي - المرحوم المهندس خميس بن محمد بن خميس السليطي - محمية للفقع بداية عام 1997 م، وهو أول مهندس كهربائي قطري من خريجي بريطانيا، وقد بدأ العمل على المحمية عن طريق جمع الكثير من بذور النباتات البرية القطرية، ولكنه أولاً حاول استصلاح الأراضي وتهيئتها، فأخرج منها الصخور، وغيّر تربتها، وأنشأ مساقط ومصائد وبرك لجمع مياه الأمطار، وخزانات لحفظها، وبعد نجاح هذه التجربة بدأنا بالتوسع حتى امتدتْ المحمية إلى مساحة أكثر من 10 آلاف مترًا مربعًا، وفي عام 2012 م أصدر المرحوم كتابًا عن استنبات الفقع في دولة قطر، وهذا الكتاب كان قد كتبه ونشره وهو في رحلة علاج طويلة، ومع الوقت أصبح لدينا رصيدًا كبيرًا من البذور البرية بفضل الله، لأننا توجهنا إلى زراعة أمهات النباتات والأشجار البرية في المحمية والمزرعة، لأن العديد من النباتات البرية قد تعرضتْ للدهس أو التخريب، أو تم تحطيبها لاستخدامها كحطب، فقد أنشأنا في عام 2000 م مشتل باسم: "سمرة خطاف" على اسم شجرة سمرة وحيدة موجودة بالقرب من المحمية، وبدأنا بزراعة أشجار العوسج والسمر والقرط والبمبر البري، والأخير كان الكثير من الناس يجهل وجوده، أو يعتقد بعض من يعرفه أن ثماره سامة، إلا أننا استطعنا أن نثبت عكس ذلك عن طريق زراعته بكثرة في المزرعة، وجني ثماره لأكلها، ولإهدائها لأهلنا وأقاربنا ومعارفنا، لتصحيح الصورة عن هذه الشجرة الغذائية النافعة، كما أهدينا الكثير من شتلات البمبر البري حتى يزرعها الناس، وتتكاثر فنحميها من الانقراض، لأنها كانت نادرة، ولم توجد منها إلا ثلاث شجرات في حزم البمبرة، وربما تجاوز ما تم توزيعه من شتلات البمبر البري 1000 شتلة، وحاليًا أنا مطمئنة لأن البمبر البري القطري ليس معرضًا للانقراض، كما استطعنا إيصال هذا النبات إلى الكويت، حتى أنهم يسمونها هناك البمبر البري القطري. 

 

ما هي الأنشطة الاجتماعية التي تقومون بها لتوعية المجتمع عن بيئة قطر؟ 

أحرص على نشر المعرفة البيئية والبرية بالذات، وذلك من خلال تعليم الجيل الحالي والأطفال عن نباتاتنا البرية، وأتعاون في ذلك مع المدارس ومن خلال لقاءاتي الاجتماعية، ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وعادةً تستعين بي العديد من المدارس لتقديم ورش عمل لطالباتها، وأحاول أن لا أشرح للأطفال أو الطلاب شرحًا نظريًا فقط عن النباتات، بل أزورهم ومعي شتلة من النبات نفسه، لكي يتعرف الطفل على النبات عن قرب، ويراه بعينيه ويلمسه حتى يألفه ويحبه، فهما من أبناء هذا الوطن الواحد، وقد خلق الله سبحانه وتعالى نباتات هذا الوطن لمنفعة أهله، إضافة إلى أنني أشرح لهم معنى اسم النبات في اللغة العربية واسمه عند أهل قطر، وأطرح لهم مدى اتفاق أو اختلاف كل تلك الأسماء عن بعضها بعضًا، وأؤمن أن تعليم الجيل القادم يقع ضمن مسؤوليتي الاجتماعية، وأنا بطبعي أحب التعليم ومشاركة ما أعرفه مع غيري، لأن الدول والأمم لا تعيش وتزدهر وتنتعش إلا بتداول وتوارث المعرفة والعلم والخبرات، لأن احتكار العلم يميته ولا يحييه، ثم إن التعليم ليس حكرًا على المؤسسات التعليمية فحسب، فكل وسائل التواصل الاجتماعي يمكن استغلالها لتوصيل المعلومات والمعارف، خاصةً وأن الشباب يتواجدون عليها دائمًا، ويتقنون التعامل معها، وقد أدركتُ أهمية التواجد على وسائل التواصل الاجتماعي، وقوتها في إيصال المعلومات، ولذلك لدينا حسابات تابعة للمحمية على منصات التواصل الاجتماعي كتويتر والإنستغرام، كما أطلقنا عدة مبادرات لتشجير قطر، وأنشأتُ مجموعة في أواخر عام 2017 م باسم: معًا نزرع ونشجر قطر، حيث نتبادل مع هذه المجموعة ما نعرفه عن استنبات واستزراع النباتات البرية والحقلية والمنزلية، ومن أهداف المجموعة التشجيع على الزراعة في البيوت، ونحاول التواصل مع الجهات المعنية لتبادل الخبرات، فمثلاً تواصلنا مع هيئة أشغال للدعوة إلى عدم زراعة بعض النباتات المستوردة التي لا تناسب البيئة القطرية، أو أنها قد تتحول إلى نباتات مضرة، مثل شجرة الكوناكاربس (الدمس)، فرغم جمال شكلها الذي يساهم في زيادة الرقعة الخضراء، إلا أن مخلفات هذه الشجرة ضارة بما حولها من نباتات، حيث أنها تلوث التربة المزروعة فيها، وتزيد من ملوحتها، كما أن جذورها قد تمتد إلى 50 مترًا داخل باطن الأرض، وتؤثر بذلك على النباتات التي حولها فتقضي عليها، والحمد لله، تم منع زراعة شجرة الكوناكاربس في قطر، ولكنها لا زالت موجودة وبكثرة في المزارع، وهذه مشكلة العديد من النباتات المستوردة، فنحن نعجب بها ونستوردها ونجلبها من الخارج وندفع فيها أموالاً طائلة، إلا أنها تصبح عدوة أرضنا ونباتاتنا، ومثال آخر على ذلك هو نبات العشر الذي يعتبر عند بعض الشعوب نباتًا علاجيًا، إلا أنه يفرز عند كسر غصنه أو قطف ورقه مادة بيضاء سامة قد تؤدي إلى العمى إذا ما لمس قاطعها وقاطفها عينيه، ومثل هذه النباتات يتطلب تواجد خبير للتعامل معها، ومن الأجدى منه عدم استيراد أو زراعة مثل هذه النباتات الضارة التي لا تنتمي لبيئة قطر على المستوى الثقافي الاجتماعي أنشأتُ في عام 2003 م ملتقى ثقافي تعليمي عائلي خاص بالنساء والأطفال في حديقة منطقتنا، وكنا نلتقي مساء كل اثنين من بعد صلاة المغرب إلى ما بعد صلاة العشاء، وفي هذه اللقاءات نحث كل أسبوع الأسر على المشاركة في البحث في تاريخ قطر الاجتماعي والعام عن طريق طرح سؤال عليهم، ونشجعهم على الاستعانة بأقربائهم أثناء البحث عن معلومات حول السؤال المطروح، كما كنا نقوم بفعاليات وأنشطة مشتركة لتنمية فرص التقارب الاجتماعي بين الأجيال المختلفة، على سبيل المثال لا الحصر، أطلقنا في لقاء من اللقاءات مسابقة لصنع أفضل وأجمل طائرة ورقية وكان الشرط الأساسي في تصنيعها أن تكون طائرة عائلية يشترك في صنعها معظم أفراد العائلة ولتعويدهم على الاستفادة من منتجات البر، أحضرت لهم مخلل الشَّفلح القطري كما أحضرت معه شفلحًا مستوردًا، ليجربوا بأنفسهم الفرق الكبير بين منتجنا القطري والمنتجات المستوردة، وبذلك نزرع في الطفل حب المعرفة وحب الأرض ومنتجاتها فيرتبطون بها، وهذه كلها جهود فردية، ونادرًا ما نجد وزارات أو مؤسسات تبادر بالتعاون معنا، وشخصيًا أبادر بطلب التعاون معهم إيمانًا مني بمسؤوليتي الاجتماعية، ولحبي الشديد لبيئتي وبر قطر لا أقف مكتوفة الأيدي عندما أسمع عن أي انتهاك لنباتاتها البرية وبيئتها.

 

هل واجهتِ أي تحديات في رحلتك؟ 

أكبر تحدي نواجهه كمحمية بيئية تهدف إلى الحفاظ على نباتات بر قطر هو نقص وقصور الوعي البيئي لدى شركات الإنشاءات والبناء، وعدم تقديرهم للقيمة الوطنية لأرض وطبيعة بر قطر، فهم لا ينقلون النباتات التي يزيلونها من مواقع المشاريع إلى مواقع أخرى مشابهة لها في طبيعة أنواع النباتات، بل يقومون بالتخلص منها ورميها في المخلفات، خاصة النباتات الصغيرة الموسمية والمعمرة، وكأن مشاريعنا تهدم البيئة، ولذا من المفترض أن نحمّل شركات البناء والإنشاءات مسؤولية الحفاظ على البيئة ونباتاتها، وعليهم أن يعيدوا زراعة ما يزيلونه من نباتات، وحتى لو أردنا حاليًا دراسة مدى أثر البناء والعمران على بيئتنا، فلن نستطع لأن ليس لدينا أية وثائق تدل على طريقة تعامل شركات الإنشاء والبناء مع هذه النباتات، بالإضافة إلى عدم وجود إحصائيات كافية عن أعداد أي نبات في قطر في العقود الماضية، حتى نحاول أن نتدخل وننقذ أي نبات قد يتعرض للانقراض كما أننا نواجه نوعًا من النكران من المجتمع للنباتات القطرية، فنرى الحدائق العامة وحدائق البيوت زاخرة بالنباتات المستوردة رغم أن هذه النباتات لا تنتمي إلى أرض قطر، وهذا يؤثر سلبًا على المشاريع المحلية التي تحاول الحفاظ على البيئة، مثل محميتنا، لأن الشركات لا تتعامل معنا، بل عملاؤنا في الأغلب أفراد همهم الحفاظ على البيئة ومكوناتها الطبيعية، وأنا كناشطة بيئية أدعو إلى ألا نزرع في أرضنا ما لا ينتمي لها، لأنه على الأغلب سيؤدي إلى إضعاف خصوبة الأرض، وأنصح بأن يتم بذل المزيد من الجهود لتوعية المجتمع بأهمية زراعة النباتات القطرية في المنازل والعِزَب (مزرعة) والمزارع والحدائق العامة، حتى تتمكن الأجيال القادمة مِن التعرف على ثروة أرض وطنهم الطبيعية.

 

ما هو الإنجاز الذي تعتزين به كثيرًا؟ 

علمتُ ذات مرة أنه هناك خطة لتحويل جزيرة بن غنام (جزيرة البنفسج) إلى شبه جزيرة من قبل إحدى شركات البناء، وذلك عن طريق ردم البحر، وصنع طريق يصل اليابسة بالجزيرة، وبذلك يسهل وصول السياح إليها، إلا أن الشركة كانت تستخدم مخلفات البناء في ردم البحر، أي أن النتائج السلبية لتلك العملية كانت ستمتد حتى إلى البيئة البحرية، كما أنني لم أستوعب فكرة تحويل جزيرة قطرية عريقة إلى شبه جزيرة، فأطلقتُ حملة على منصة تويتر مرفقة بصور من موقع الحدث، كما تواصلتُ مع هيئة السياحة ونبهتها إلى الكارثة البيئية التي قد يسببها هذا المشروع، والأهم من هذا أن جزيرة بن غنام معروفة كجزيرة من قديم الزمان فكيف تتحول إلى شبه جزيرة، ومن المفترض أن تبقى على وضعها الطبيعي، والحمد لله، استجابت الهيئة وتراجعت عن هذا القرار، وتمت إزالة المخلفات وبناء جسر يربط اليابسة بالجزيرة، وهذا بالتالي سهل وصول السياح إليها. 

 

ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟

تمَسّكن بالتكاتف والتكامل الاجتماعي، فالنساء في قطر كنّ دائمًا أهل تدبير وأهل اتزان، فكان لهن وجود قوي وواضح في المجتمع حتى كرَبَّات منزل، لكونهنّ مربيات جيل الغواصين الذين نسمع عن بطولاتهم، ولو تفكرنا في الوضع الاجتماعي في زمن الغوص على اللؤلؤ، حيث كان الرجال يبحرون ويقضون 4 أشهر بعيدًا عن الديار، والمتوقع أن يضعف المجتمع في هذا الوقت لعدم وجود الرجال الأشداء فيه ، إلا أن هذا لم يحدث، وذلك لأن النساء قمن وبكل جدارة بملء أية ثغرة اجتماعية واقتصادية، وأنا شخصيًا أعرف إحدى الأمهات من النساء الكريمات ( الييدات - الجدات ) رحمها الله تعالى، والتي كانت تقوم بعدة مهام في مجتمعها فهي تولّد النساء، وترعاهن وترعى مواليدهن بعد الولادة، كما كانت تنصح وتصلح ذات البين، وتقرض المحتاجات من النساء وحتى الرجال، وهي نموذج واحد ومثلها كثيرات في كل منطقة من مناطق قطر، وهكذا كنّ نساء قطر اللواتي بنين المجتمع، ويكملن نقصه ولا يهدمنه، وما زال بإمكان نساء قطر اليوم أن يفعلن مثل ذلك وأكثر، فالمرأة القطرية كانت ومازالت امرأة قوية قادرة على حمل وتحمل مسؤوليتها الاجتماعية على أكمل وجه. 

 

  • كاتبة المقابلة: فاطمة أحمد.
  • تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.
AR