بثينة عبدالله الخليفي

مديرة مدرسة ومهتمة بالزراعة المنزلية

الفكرة الشائعة عن بيئة قطر أنها بيئة صحراوية لا تشجع على الزراعة، أو قد تحتاج إلى مجهود كبير حتى يمكن للشخص أن يُنبت شيئًا من المحاصيل في بيته، ولتسهيل الصعوبات التي قد يواجهها الشخص في الزراعة تقوم بثينة عبدالله الخليفي بمشاركة تجاربها المختلفة في زراعة أنواع شتى من المحاصيل في بيتها، وهي بذلك لا تشجع فقط غيرها على الزراعة ، بل أيضًا تمارس المهنة التي تحبها ألا وهي التعليم. فمن هي بثينة عبدالله الخليفي؟

أنا زوجة وأم ومديرة مدرسة ومزارِعة. حصلتُ على شهادة بكالوريوس في تخصص التربية وآداب لغة عربية، وبعد تخرجي بدأتُ حياتي المهنية كمعلمة لغة عربية، وبعد سنوات من العمل ترقيتُ إلى منصب منسقة قسم، ومنها إلى نائبة إدارية وثم إلى مديرة مدرسة، وهوايتي التي أستمتع بها جدًا هي الزراعة وتعليم الناس عنها، وكلما وجدتُ أن هناك من يريد تعلم الزراعة أتشجع لأتعلم المزيد عن الزراعة ولأقرأ لأطور من نفسي فيها.

 

كيف نمت هوايتكِ في الزراعة؟

 

بدأت بشكل غير متوقع، فعندما انتقلتُ للعيش في بيتي الحالي كان به حديقة، لكنني لم أكن مهتمة بالعمل فيها لانشغالي بالعمل وبتربية بناتي، ولكن بعد إنجابي لآخر أطفالي، كنتُ في إجازة من العمل لمدة سنتين، وخلال تلك الفترة بدأت الحديقة تجذبني، كنتُ أجلس فيها مع ابنتي وأتفكر في الحديقة، هنا أتتني فكرة زرع بذور الفجل كتجربة، وتفاجأتُ بأن الفجل نبت خلال ثلاث أو أربعة أيام. لم أكن أعلم أي شيء عن الزراعة، وكل ما كنتُ أقوم به هو السقاية، لكن سرعة نمو الفجل شجعني كثيرًا للاستمرار بالزراعة، فهو نبات سريع النمو وخلال شهر ونصف من زراعته كنا نجمع أنا وبناتي الفجل، وكانت تجربة رائعة من البداية حتى وضع الفجل على صحن الأكل.

حدث كل هذا قبل 15 سنة، تقريبًا في عام 2008م، وحينها كنا نفتقر إلى مصادر تُعلّم وتثقف الناس عن الزراعة، ولم يكن هناك أي منصات تواصل اجتماعية مثل الإنستغرام، ولكن كانت هناك منتديات على الإنترنت بها مستخدمون من مصر والأردن، وغيرها من المناطق المعتادة على الزراعة، يشاركون تجاربهم على تلك المنتديات، فكنت أدخلها وأقرأ المعلومات التي شاركوها، لكن في الحقيقة لم أكن أفهم شيئًا! مواسمهم الزراعية مختلفة تمامًا عن قطر، ولم يكن حولي من يُمكنه تعليمي الزراعة، ولذا واجهتُ بعض المشاكل في البداية، مثلاً متى يجب عليّ أن أزرع. فكنتُ عندما يلطف الجو أجرب زراعة بعض الأنواع من الخضار، وفشلتُ كثيرًا في زراعة الكثير من الأنواع في البدايات، ولكن كلما فشلتُ، جلستُ أتفكر في أسباب ذلك الفشل. فمثلاً عندما كنتُ أزور معارض الكتب يكون أول ما أبحث عنه هو كتب الزراعة، والتي لم أكن أجدها. وإلى الآن مازلنا نعاني من نقص يكاد يكون معدوم في كتب متخصصة في الزرعة وخاصة عن طبيعة الخليج العربي، لكن كنتُ بين فترة وأخرى أركز على مختلف الأشياء، مثلاً كان التركيز أولاً في المواسم الزراعية من خلال التقويم، والتقويم القطري في تلك الأيام كان يحتوي على بعض المعلومات عن المواسم الزراعية، وسعدتُ في إحدى المرات عندما وجدتُ معلومات في الرزنامة القطرية التي كانت تأتي في الكتيبات الموزعة مع التقويم القطري، والتي كانت تحتوي على معلومات عما يمكن زراعته في كل شهر، ومعلومات عن الطقس المناسب، والكثير من المعلومات التي تساعد على الزراعة. وقررتُ تجربة زراعة ما ذكرته الرزنامة واشتريتُ البذور المطلوبة وزرعتها في حديقتي، وتوفقتُ في ذلك المحصول.

 

كيف تطورت هوايتك كما نراها اليوم؟

الأمر الذي جذبني للزراعة هو شكي في نظافة الخضار التي تباع في السوق، وخلوها من أية مواد كيميائية، لذلك بدأتُ في زراعة الخضروات لأنني كنتُ أريد طعامًا نظيفًا، وعندما جربتُ الطعام النظيف الخالي من المواد الكيميائية والذي أزرعه بنفسي، شعرتُ بالفرق تمامًا عن الموجود في السوق، فكنتُ مثلًا أحب النعناع وأحب شرب الشاي بالنعناع قبل النوم، فكنتُ إذا اشتريته أضعه في الكوب وأصب عليه الماء الساخن وأغطي الكوب وأتركه حتى أشربه قبل النوم، وأتذكر أنني كنتُ أشم رائحة غاز عندما أزيل الغطاء! ومرة بعد مرة كرهته، وقررت أن أزرعه لأكون متأكدة من نظافته، فشعرتُ بحاجتي إلى الزراعة بنفسي حتى آكل طعامًا نظيفًا.

ولما حدث الحصار في 2017 م شعرتُ أننا لا نستغل مواردنا بشكل صحيح، ففي بلادنا لدينا أراضينا وأغلب البيوت بها مساحات إن لم تكن حدائق، فلدينا السطح ولكننا لا نستغلهم ، بينما يمكننا زراعة الكثير من الأشياء لنأكل منها، وفي أيام الحصار أصبحت الورقيات غير متوفرة في الأسواق كالكزبرة والبقدونس، وكنتُ سعيدة أنني كنتُ قد بدأتُ في الزراعة من قبل الحصار، وحتى ابنة اختي كانت تقول لي إن حصل شيء في البلد سيلجأ الجميع لي، فلدي الدجاج والبيض والخضار، وأنا أرى أن هذا الموضوع ليس رفاهية، وإنما هي حاجة، وقد يكون هذه أحد الأمور التي ركزنا عليها في "غرسة" خلال الحصار وهو الإنتاج المنزلي الذي يساعد بلادنا خلال هذه الأزمة، وبالفعل لاحظنا ازدياد الوعي الذي نتمنى أن يستمر في الزيادة ولا يقل.

ولكن أعتقد أن التحول الحقيقي كان في عام 2018 م، حين بدأتُ أركز أكثر على الزراعة، لأنني في تلك السنة أردتُ أن يكون لنا إنتاجنا الخاص من الخضار، وثبتت هذه الفكرة في بالي أكثر بعد فترة الحصار. أحيانًا كنتُ أشاهد في برامج الطبخ غير العربية أن الطاهية تخرج للحديقة وتقطف ما تحتاجه للوصفة وتعود للمطبخ، فشعرتُ أنه أمر جميل، وأصبح أحد أحلامي أن يكون لدي حديقة مطبخ متكاملة بها كل أنواع الخضروات للبيت، وأن أكون قد حققتُ الاكتفاء الذاتي تقريبًا خلال الموسم.

وفي تلك الفترة كان الإنترنت قد امتلأ بالمعلومات المتعلقة بالزراعة خاصة المتوفرة باللغة الإنجليزية، وبما أن تخصصي لغة عربية فلم تكن الإنجليزية سهلة بالنسبة لي، ولكن حبي للزراعة اضطرني إلى تعلم هذه اللغة حتى أقرأ وأتعلم المزيد عن الزراعة، وبالفعل تطورت لغتي الإنجليزية تطورًا كبيرًا. وأصبحتُ أقرأ العديد من الكتب كلها عن الزراعة، واعتمادي الأكبر كان دائمًا على الكتب لثقتي في تلك المعلومات أكثر من التي المتوفرة على الإنترنت، وهكذا كانت البداية، بدأتُ بزراعة الخضروات وفيما بعد بزراعة الزهور.

كما أنني تعلمتُ أمور أخرى تساعدني على الزراعة أو في الحفاظ على ما زرعته، منها صنع السماد العضوي وأفضل الممارسات لمكافحات الآفات الزراعية، وطريقة صنع مبيدات حشرية طبيعية، بالإضافة إلى تعلم طرق حفظ الفائض من المحصول، وهناك بعض الأشياء استطعتُ التخلص منها بالمبيدات الطبيعية ولكن هناك الكثير من الحشرات التي لازلت لا أستطيع التخلص منها، فمثلا ذبابة الفاكهة أستطيع تغطية بعض الثمرات عنها كالبطيخ مثلًا، ولكن السدرة وهي مليئة بالثمر من الصعب تغطيتها.

أما بالنسبة لفائض المحصول، مثلاً عندما يكون لدي كمية طماطم كبيرة فستتعفن مهما حفظتها في الثلاجات فلها مدة ليست بالطويلة، وسيضيع مجهودي وتعبي، وهنا بدأتُ في البحث عن طرق الحفظ وأحاول أن أنوع بها، وأسهل طريقة حفظ هي تجميد الخضار، فيمكن خلط الطماطم في الخلاط وصبه في الحاويات المناسبة وتجمديها، لكن لتلك الطريقة سلبيات، وهنا أدركتُ أنه يجب علينا تعَلّم كيف كان يحفظ الطعام في الماضي، فكنتُ عندما أبحث أحاول الابتعاد عن التبريد والتجميد، وتعلمتُ عن التجفيف بالشمس، والتعليب، والتخمير، وغيرهم.

وأختلف مع من يقول أن الزراعة هواية أقضي فيها وقت ممتع، هي فعلًا هواية وأقضي بها أمتع أوقاتي، ولكن لابد من أن يكون لها هدف لا أن تكون الزراعة بدون هدف كأن أزرع وأوزع الخضار وانتهى الموضوع، لابد أن يكون أسلوب الحياة مختلفًا معتمدًا على الزراعة والحفظ لأستفيد من محصولي لأطول فترة ممكنة، وأقلل الهدر لأقصى ما يمكن، ولو فسد شيء من الخضروات أو زاد فأنا لا أرميه، بل يمكنني إعادة تدويره، والأَوْلى أن أحافظ عليه كمحصول للأكل سواءً لي أو لأحد غيري.

وقد يقال لي أن كل شيء متوفر في الجمعيات، وهذا صحيح ، ولكنه مختلف تمامًا عن محصول البيت ، فأنا من زرعت هذا وصنعته وأعرف كيف كانت بذرته وكيف قطفته وكيف غسلته ونظفته وكيف خلطته وعبأته وما هي المواد المضافة إليه حتى آكله وأدخله إلى جسمي، وهذا ما يحتاج الناس التوعية عنه، وذلك ما أحاول أن أنشره على حسابي في الإنستغرام.

 

ما الذي شجعك على تجربة زراعة الزهور؟

بعد زراعتي للخضار لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات، شعرتُ أنني متمكنة من زراعة أنواع الخضار كلها، فبدأتُ ألتفت للأزهار، لكن يجب اختيار الزهور التي يمكن زراعتها بجانب الخضروات، مثلاً أحتاج إلى زراعة بعض أنواع الزهور بجانب بعض الخضروات كالكوسة لأنني بحاجة لجذب ملقحات معينة لهذه الشجرة، أو أزرع زهور معينة أخرى بجانب الخضروات لتساعدها على تجنب الآفات عن طريق جذب الحشرات إليها، ما بدأت بزراعته هو زهور الطعام التي تؤكل، وكنت أستمتع وأنا أقطفها وأزين بها السلطات، ومعها بدأ اهتمامي الكبير بزراعة الزهور، ومؤخرًا عشقتُ زهرة الجوري وأنواعها.

إن التغيير يزيد الحماس فأنا أحب التحدي عندما أواجه صعوبة جديدة وذلك يجعلني أتعلم أكثر وأبذل جهدًا أكبر، فمثلا عندما بدأت في زراعة الجوري، وجدته مختلفًا عمّا في الصور تمامًا إذ أن الذي في الصور أجمل بكثير، فتأكدت أن هناك خطبًا ما، وبدأت أبحث عن مشاكل الجوري وأمراضه وأقرأ الكثير في هذا الموضوع حتى يمكنني أن أتوقع أو أخمن ما المرض الذي أصابها، وأبحث في كيفية حل المشكلة، فوجدت أُنه يلزمني أن أسبق المرض .قبل أن يصيب الجوري

ففي السنة الأولى لم يكن انتاج الجوري جميلًا بالنسبة لي، أما في السنة التي تليها أصبح أفضل بكثير، لأنني أدركتُ أن الجوري لدينا ضعيف وتصيبه العديد من الآفات قد تكون بسبب طبيعة بلدنا الذي قد يكون به آفات خاصة بهذا الجوري لا نعرفها بعد، فأنا قد تعودت على زرع الخضار وأعرف ماهي الآفات التي تصيبها.

 

ما الذي ألهمكِ على مشاركة هوايتكِ على الإنستغرام؟

بدأتُ بمشاركة بعض المعلومات على حساب الإنستغرام في عام 2012م، وأعتقد أن ذلك حدث لأن التعليم ومتعة التعليم في دمي، وتعليم الآخرين أمر محمود يحث عليه ديننا الحنيف، خاصة وأنني شخصيًا افتقرتُ إلى مصادر للتعلم في بداياتي، وعندما أنشر علمي على الإنستغرام هناك جمهور أكبر وشريحة كبيرة من الممكن أن تطلع على ما أقدمه، فأستطيع أن أقدم معلومات أكثر لإفادتهم، أو أطرح الورش مثل الورش مع "غرسة"، وأنا أستمتع في عمل الورش على الرغم من التعب المرافق لها، وذلك لأنك تنقلين هذا العلم لمن يرغب به فعلًا، وترين شغفهم لهذا العلم ومتعة حصولهم على المعلومة بادية في أعينهم، وهذا شيء جميل ألمسه خلال الورش أفتقدته في إنستغرام.

 

كيف انضممتِ إلى فريق "غرسة"؟

تعرفتُ على مجموعة "غرسة" بالصدفة حين سجلتُ في ورشة زراعية طرحهها بنك التنمية، ولاحظتُ خلال الورشة أن بعض المشاركات يعرفن بعضهن البعض، وعندما سألتهن كيف يعرفن بعضهن البعض، أجبنني أنهن من مجموعة تحب الزراعة، وأطلقن على أنفسهن "غرسة"، وأعجبتني الفكرة كثيرًا فأبديت رغبتي بالانضمام، وتعرفت على مديرة المجموعة السيدة مريم الدوسري، التي رحبت بي وضمتني إلى المجموعة على الواتساب، وبدأنا بعدها بطرح نشاطات "غرسة"، وأظن أن كل ذلك حدث في عام 2018م تقريبًا، أي مع بدايتي الفعلية في عالم الزراعة، وقمنا بِعِدة أنشطة للمجتمع في عدة أماكن وكلها أنشطة تطوعية، لكن التسجيل للورش كان بمبلغ مادي يتم تخصيصه لأنشطة "غرسة" الأخرى التي تحتاج إلى مبلغ مادي، وقد عرفتني المجموعة على العمل التطوعي، ولازالت من أفضال "غرسة" علي أنها أظهرت المعلمة والمدربة التي بداخلي، والعضوات في المجموعة كُنّ أول من شجعنني واقترحن علي فكرة طرح الورش لتبادل الخبرات بين العضوات أو نقل الخبرة للمبتدئين في "غرسة"، وكنت سعيدة بذلك فأنا موجودة في "غرسة" أو على الإنستغرام لهذا الهدف بالتحديد، وسيستمر هذا الهدف إن شاء الله ولن أنساه

كما أن مع مرور الوقت أصبح المجتمع أكثر وعيًا وأكثر اهتمامًا بالزراعة، فمثلًا عندما بدأت مجموعة "غرسة"، كنا حوالي 40 – 50 عضوة، والآن أصبحنا نزيد عن 200 عضوة، ولسنا في المجموعة وحسب، بل حتى الناس بشكل عام ممن أصبحوا يحبون الزراعة ويهتمون بها، فمن حولي على سبيل المثال أصبحوا يسألونني كثيرًا بما أنهم يعلمون أنني مهتمة بالزراعة، وأصبحت أرى كل من حولي بدأ يهتم بالزراعة، والحدائق في بيوتنا لم تعد للزينة فقط، وهذا أمر أشجع عليه وهو مفيد جدًا للبيئة.

وقد أصبح الناس وكثير من أهلي يزرعون الأشجار المثمرة وبعض الخضار في منازلهم كالورقيات، وبالفعل ازداد الوعي الزراعي لدى الناس حتى أنني لاحظت ذلك من خلال الدورات التي أستطيع أن أقيس من خلالها مدى اهتمام المجتمع، فقد لاحظت ازدياد عدد المسجلين في دوراتنا بشكل كبير، ومن الأمور التي أحبها هي أن أغلب هداياي عبارة عن ورد أو خضار من إنتاج مزرعتي، والجميل أنني لم أعد الوحيدة في ذلك فأصبحت أتلقى بعض الهدايا ممن باشرن الزراعة، وأصبح لديهن إنتاجهن الخاص أيضًا، خاصة صديقاتي أصبحت أذهب بسلالي التي بها خضاري، وأعود بسلالهن التي بها خضارهن.

 

ما هي بعض الأنشطة التي شاركتِ فيها كجزء من فريق غرسة؟?

قمنا بالعديد من الأنشطة الزراعية وكلها كانت أنشطة مخصصة للنساء، كان هدفنا هو ضم هذه المجموعة النسائية من محبي الزراعة لنبدأ بطرح أنشطة تخدمهن وتفيد المجتمع، و في هذه الأنشطة نحاول نشر التوعية وتعليمهن عن الزراعة والبيئة وكيف يمكن للمرأة أن تزرع في بيتها، وكيفية حفظ المواد الزراعية.

وقد أنشأنا في "غرسة" مجلس استشاري هدفه النصح و تقديم المشورة للمشاركة في الأنشطة المختلفة التي تعرض على "غرسة"، مثل المشاركة في كتارا في مهرجان محاصيل، والمشاركة في أسبوع قطر للاستدامة، وكذلك في المعرض الزراعي القادم.

كما أن هناك أنشطة نقوم بها مخصصة للعضوات كتنظيم رحلة خاصة لإحدى المزارع بقصد الاستمتاع والتعارف والاستفادة و التعرف على الأدوات التي تستخدمها هذه المزرعة، فنحاول أن نتعلم منهم طرقًا تحسن طريقة عملنا في مزارعنا الخاصة.

 

حدثينا عن عملك كمديرة مدرسة.

أشعر أن الجانب التربوي له ارتباط كبير بالزراعة، فالعمل في الجانب التربوي يتطلب الكثير من الصبر للاستمرار فيه وأعرف الكثير ممن لا يملكون هذا الصبر ولم يستطيعوا مواصلة العمل في التدريس وخرجوا منه، ويسألني الكثير عن صمودي وإن كنت أرغب في التقاعد، ولكن لماذا أتقاعد؟ إذا شعرت يومًا ما أنني قدمت كل ما لدي للمجتمع وهذا الجيل عندها سأتقاعد، ولكن ما دمت أقدر على تقديم الفائدة فأنا موجودة! ولهذا فالموضوع يحتاج إلى صبر، والزراعة كذلك تحتاج إلى صبر، وهذه هي الصفة المشتركة بين الاثنين، كما أن الاثنين يتطلبان الكثير من العطاء، وفي كلاهما نزرع بذرة على أمل أن تزهر في المستقبل، فأحيانا قد تجدين نتيجة عملك في التدريس، كأن تتفوق إحداهن أو تتغير للأفضل، وأحيانًا أخرى لا ترين النتيجة، ولكن قد يذهب ذلك الشخص في يوم ما إلى مكان آخر، وينبت الله هذه البذرة، وفي الزراعة الأمر ذاته، فلا يجب أن أزرع بضع بذرات وأقول أنا فشلت في الزراعة ولن أكمل فأنا لن أتعلم شيئًا بهذه الطريقة، وإن كنت فعلًا أحب الزراعة وأود تعلمها فلابد من الصبر، و أن أواصل و أجرب مرة ومرتين وثلاث مرات، ولا أيأس، ولذلك أرى أن هناك علاقة وثيقة بين الزراعة والتدريس.

 

ذكرت أنك تحبين التدريس، ما الذي دفعك إلى العمل كمديرة؟

التطور والتغيير أمر لابد منه ، و أنا أحب أن أتطور وأن أغير من نفسي في نفس المجال حتى لا أفقد الحماس أو أبقى جامدة ثابتة بدون تطور، مع أنني في البداية عندما أصبحت معلمة توقعت أن أملّ من العمل بعد الخمس سنوات الأولى، فقد بدأتُ العمل كمعلمة للمرحلة الإعدادية، و ظللت أعمل فيها لأربع سنوات، ثم انتقلت للعمل كمعلمة للمرحلة الثانوية، فكنت في كل عام دراسي جديد أتوقع أنني لن أحتاج إلى التجهيز والتحضير للدروس، فأنا بالفعل حفظت كل شيء، ولكن أجد نفسي على العكس، أقرأ المزيد وأغير كل الدروس التي عملت عليها، وبعد الخمس سنوات عرفت أنني لازلت في في بداية التعلم، وعلى الرغم من أنني أحب التدريس إلا أن جانب البيئة المدرسية والقِيَم مهم جدًا، حتى وإن لم تكن لدي الرغبة في أن أصبح منسقة أو نائبة أو حتى مديرة، واضطررت إلى العمل كمديرة لأن مديرة المدرسة التي كنت أعمل بها استقالت، فخيروني إما أن أكون المديرة أو أن تكون هناك مديرة جديدة، فقررت أن أصبح المديرة، ولكن رأيت أن جانب الإدارة لا يختلف عن التدريس فهو تدريس للقيم، ويجب علينا أن نتعلم طريقة توفير البيئة المناسبة للطلاب حتى يتعلموا بها بشكل صحيح، فالتعليم ليس علمًا فقط كتعليم لغة عربية أو إنجليزية أو مواد أخرى، بل هو تعليم أيضًا من ناحية تنمية شخصياتهم، وأن يخرج الطالب من المدرسة عضوًا مفيدًا للمجتمع، وعضوًا صالحًا فيه غير هدام.

ولازلت أحن إلى التدريس خاصة عندما أحضر الحصص كمديرة لأقيّم الدروس ولإعطائهم تغذية راجعة، لكن حتى في الإدارة تجدين موضوع التدريس مهم، لأننا نحرص على طرح الورش التدريبية والتطويرية للمعلمات، فكأنني أدرّس المعلمات عن كيفية تدريس الطلاب، وبدلاً من أن يستفيد مني صف أو صفين أصبحت الفائدة تعود على المدرسة كلها، وبتطوير المعلمات وتحسين طريقتهن في التدريس يمكنني التأثير ومساعدة عدد أكبر من الطلاب.

 

كونكِ مديرة مدرسة، برأيك كيف يمكننا تنمية البيئة التربوية؟

أولًا عمل الشخص في البيئة المدرسة يجعله قدوة، وعليه أن يراعي تصرافاته، وقد يكون هذا أول ما تعلمته عندما أصبحت أُما، حينها كنت متخوفة جدًا من الأمومة ومن مسؤوليتي عن طفل، واكتشفت مع الوقت أنني لا أحتاج أن أربي هذا الطفل وإنما أحتاج أن أربي ذاتي فقط، فإذا كانت سلوكياتي أمام أطفالي جيدة، فسيتعلمون هذه السلوكيات بدون أي جهد، وهذه الفكرة نفسها في المدرسة، فمن المهم أن نعطي الطلاب القدوة في طريقة التعامل معهم واحترامهم، وكيفية محاورتهم والحديث معهم، فكل كلمة منك هي محسوبة عليك، حتى النظرة تكون محسوبة، فإذا بدأت بنفسي بأن أكون قدوة جيدة لمن حولي من معلمات وموظفات فسيتعلمن مني هذا السلوك. فبالتعامل الجيد والقدوة الحسنة نحصل على بيئة إيجابية للتعليم.

وبعد خلق البيئة الإيجابية للتعليم، تأتي الخطوة الثانية وهي التطوير جانب مهم حتى أستطيع إيصال فكرتي لهذه البيئة الإيجابية، ليس فقط بالقدوة وإنما أيضا بالتدريب بالورش، سواء كنت أنا من يقدمها، أو أن أرسل موظفاتي إلى ورش تفيدهن، وإن حضرت إحداهن لابد من أن تقوم بنقل أثر ما تعلمته لباقي زميلاتها، لتكوين بيئة جيدة والاستمرار بالسعي والتطوير، و كذلك من المهم التجديد في الإدارة، فمن المعروف أن الإنسان يمل ويقل شغفه بعد اندماجه لفترة من الزمن في عمل معين، وكما ذكرت عندما زرعتُ الخضار وتعودت عليها وتمكنت منها، قل شغفي الذي كان عندما بدأت تعلمه كشيء جديد، و لذلك كنت أجدد شغفي بالانتقال لأنواع أخرى كل فترة، وكذلك الأمر في الإدارة، لذلك نعمل على مشروع تجديدي في الإدارة بحيث نعطي دفعة جديدة لنتغير ونقوم بمشاريع مختلفة، وهو أمر متعب في الحقيقة، لكنه في نفس الوقت يشعرك بالإنجاز ويعطيك دافع للعمل.

 

هل واجهتك أية صعوبات خلال رحلتك؟

من ناحية نجاحي في الزراعة، فإن أكبر الصعوبات التي واجهتها كانت توافر مصادر التعلم، كما واجهت مشكلة في الحصول على مبيدات طبيعية أو سماد طبيعي، لأن المواد الكيميائية متوفرة في الأسواق، لكني أرفضها.

وكنت أرى أنني لو استخدمت تلك المواد الكيميائية فلن يكون هناك فرق بين ما يتوفر في السوق و بين ما أزرعه، وبالطبع لم أجد أي منتجات في أسواقنا نهائيًا، لذلك كنت أحاول أن أصنع المنتجات بنفسي في بيتي، بدأت أولاً بصناعة السماد العضوي بينما في البدايات كنت أستخدم السماد الحيواني وحده، ولا أستخدم غيره ومازلت أعتمد عليه،وتعلمت صناعة بعض أنواع المبيدات التي يمكنني صناعتها في البيت، لكن في الواقع لازالت تنقصنا بعض الأشياء في الأسواق. فكنت إذا سافرت أحيانًا آخذ بعض الأشياء مما خف وزنه. لقد تحسن الوضع كثيرًا، وذلك لتوفر مجال التعلم وكونه متاح بعدة أشكال منها الإنستغرام الذي يحتوي على مجموعة كبيرة من الحسابات التي يمكن التعلم منها، وعلى الرغم من ذلك ليس الجميع يستطيع التعلم من الإنستغرام بسبب الفروق الفردية وهذا أمر أعرفه بسبب خبرتي كمعلمة.

 

ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟

جربن الزراعة لأن معظمنا يمتلك المساحة لذلك في البيت، واستغلي مساحة حديقة بيتك في زراعة خضروات بسيطة كالورقيات واستخدميها في مطبخك، وبذلك توفرين لأهلك بعض الخضروات الطازجة، ولا تنسين أن الزراعة لن يفيد عائلتكِ أنتِ فقط، أو أنها للمتعة فقط، لأن الزراعة أيضًا خدمة للمجتمع وللدولة، لذا أنصح النساء بالزراعة والتثقف فيها.

 

مقابلات مشابهة

Aisha Saleh Al Maaded

عائشة صالح المعاضيد

يظل المجتمع المحلي الداعم الأول لاستدامة البيئة المحلية، ولذا شهدت الدولة إطلاق العديد من المبادرات البيئية التي تهدف إلى توعية المجتمع بالمشاكل البيئية، ومنها مبادرة مستقبل أخضر، وفي هذه المقابلة تحدثنا صاحبة المبادرة عائشة صالح المعاضيد عن المبادرة، وعن رحلتها الشخصية في توعية المجتمع عن البيئة

إقرأ المزيد
Buthaina Mohammed Al Janahi

بثينة محمد الجناحي

أثبتتْ الكاتبةُ بُثَيْنَةُ محمد الجناحي أنَّ المشروعَ لا يتطلبُ إلا العزيمةَ والإصرارَ، فعبر خبرتِهَا المرموقةِ تقومُ بثينة على تغييرِ الواحةِ الثقافيةِ القطريةِ شيئًا فشيئًا

إقرأ المزيد

كاتبة المقابلة والمترجمة: فاطمة أحمد

تاريخ النشر 23/08/2023

  • جميع الصور تم مشاركتها معنا من قبل صاحبة المقابلة، وإن اختلف المصدر سيتم الإشارة إليه.
  • تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.
AR