مريم فريد

عداء ونجمة سباق الحواجز

بدأت الساحة الرياضية في قطر تزدهر بشكل غير مسبوق منذ فوزها باستضافة كأس العالم 2022 م، ويأتي هذا الازدهار والنمو ليتماشى مع رؤية الدولة، وما تطمح إليه من نجاحات في المجال الرياضي، فإلى جانب نمو عدد المرافق والمواهب الرياضية، تشهد الدولة ازدياد الممارسات الرياضية من مختلف الأنواع، لتصبح قطر كمنارة تضيء الساحة الرياضية العالمية وتثريها، ولكن على الرغم من كل هذه النجاحات، إلا أن المرأة القطرية تظل أقل وجودًا في المشهد الرياضي مقارنة بالرجل، ولذلك أخذت اللاعبات القطريات مسؤولية تغيير هذا الواقع، ليتحدين المفاهيم الرياضية السائدة في المجتمع، ومن هؤلاء العداءة البطلة مريم فريد، والتي أثبتت بنجاحاتها أن المرأة المسلمة، والقطرية، قادرة على المنافسة في المحافل الرياضية العالمية، وأن تتفوق فيها، وتنجز كل ذلك وهي ترتدي الحجاب، فمن هي مريم فريد؟

Mariam Farid

أنا شابة أبلغ من العمر 23 سنة، أما شغفي بالرياضة، فقد بدأ منذ سن مبكرة، فكنتُ طفلة تحب الجري والمنافسة، كما أنني درستُ في مدرسة فرنسية تشجع نظامها الطلاب على ممارسة الرياضة، لدرجة أنها أدرجت الرياضة في درجاتنا النهائية، ولذلك اعتدتُ على ممارسة الرياضة في كل فرصة للمتعة والترويح، أما رحلة الاحتراف، فبدأت عندما كنتُ في الخامسة عشر حين قام مدرب باكتشاف موهبتي، وأراد مني خوض بعض اختبارات الأداء لمعرفة مدى لياقتي، وإن كانت مستوى لياقتي تؤهلني للانضمام إلى المنتخب الوطني، والحمد لله، أثبتُ نفسي ومهاراتي في هذه الاختبارات، وخلال سنة واحدة فقط، كنتُ قد أصبحتُ في نفس مستوى لاعبين المنتخب الوطني، والذين كانوا في هذا المجال لأكثر من عشر سنوات.

 

هل أردتِ دائمًا أن تكوني عداءة؟

أنا بطبيعتي أحب ممارسة الرياضة، فأنا من الأشخاص الذين يحبون تجربة مختلف الرياضات، ولكن رياضة الجري هي شغفي الأول، والرياضة الوحيدة التي أردتُ أن أحترف فيها.  

 

كيف كانت رحلتكِ في عالم الرياضة بعد الاحتراف؟  

بعد سنة من انضمامي للمنتخب الوطني، تم اختياري لأكون سفيرة ملف ترشيح قطر لاستضافة بطولة ألعاب القوى في عام 2019 م، وكان هذا حدثًا رياضيًا عالميًا تستضيفه دولة عربية للمرة الأولى، وفريق ملف قطر الذي كنتُ جزء منه، كان يعج بكبار الشخصيات من قطر، مثل السيد يوسف العبيدلي الرئيس التنفيذي لمجموعة beIN، وسفير ملف قطر البطل معتز برشم، وكنتُ حينها في السادسة عشر، فكنتُ أصغر الأعضاء في الفريق، وأمام اللجنة المسؤولة، القيتُ خطابًا أوضّح فيه أسباب استحقاق قطر لاستضافة الحدث الرياضي الكبير، وكان خطابي مليئًا بعواطفي، والرسائل التي أردتُ إيصالها إلى لجنة الاختيار، وكان من المفترض أن يكون خطابي باللغة الإنجليزية، ولكن قبل يوم واحد من العرض، قررنا تغييره وعرضه باللغة الفرنسية، أولاً، لكوني أتحدث اللغة بطلاقة، وثانيًا، لأن لجنة التحكيم كان بها الكثير من الفرنسيين، فتحدثتُ من كل قلبي كفتاة بريئة تحب الرياضة، والتحدث أمام جمهور، وكانت رسالتي للجنة ليست فقط نيابة عن المرأة القطرية، بل نيابة عن كل العرب.  

ورغم مرور سنوات على الخطاب، إلا أنني أتذكره إلى الآن بوضوح، فأتذكر أنني سألتهم متى ستسنح لنا الفرصة لاستضافة تلك البطولة، والتي تعتبر ثالث أهم حدث رياضي عالمي، وأخبرتهم أنه قد حان الوقت لإحضار البطولة إلى الشرق الأوسط، كما ذكرتُ أنني، كمسلمة أرتدي الحجاب، فإنني أحلم بالمشاركة في نفس هذه البطولات، وهناك غيري الكثيرات، فالكثير من الثقافة الأخرى قد يعتقد أن ارتدائنا للحجاب هو دليل أننا مضطهدات، وطبعًا، هذا ليس صحيح، وبالتالي عن طريق مشاركتي في نفس هذه الأحداث، سأكون قادرة على تغيير هذا الفكر النمطي، ورغم وجود فريق يعج بكبار الشخصيات، والذين كانوا يطالبون بحق قطر في استضافة البطولة، إلا أنني كنتُ أطلب حق الاستضافة من منظور فتاة شابة تحلم بالمشاركة في البطولات العالمية، والحمد لله، فازت بقطر بشرف الاستضافة، واستطعتُ المشاركة في منافسات بطولة العالم 2019 م، وكنتُ أحد المنافسين تحت 23 سنة، وشاركتُ في سباق 400 متر حواجز كواحدة من أوائل النساء اللواتي يمثلن قطر في البطولة، وكانت تجربة جميلة، وحلم تحقق بعد أن تحدثتُ قبل سنوات في ذلك الخطاب كفتاة صغيرة، ترغب بالمنافسة في تلك البطولة، وفي البطولة، حطمتُ رقمي القياسي الشخصي، وكنتُ على وشك تحطيم الرقم القياسي العالمي، كنتُ فخورة جدًا، وشرفني هذه المشاركة والفوز كثيرًا، كما حصلتُ على دعم أذهلني من كل من حولي من عائلتي وأصدقائي، وحتى رؤساء اللجان، ووصف التجربة بالمذهلة لا يوفيها حقها، وبعد البطولة، شاركتُ في الكثير من البطولات العالمية والمحلية، وكنتُ أحطم الأرقام القياسية، وأفوز بالميداليات، بالإضافة إلى مشاركتي في الدوري الماسي كممثلة للمنتخب الوطني، وشاركتُ في الكثير من معسكرات التدريب حول العالم.

 

هل يمكنكِ أن تحدثينا عن دوركِ، وتجربتكِ كسفيرة ملف قطر 2019 م في مثل هذه السن المبكرة؟

في البداية، شاركتُ كسفيرة لحبي للتحدث أمام جمهور، ولكن مع مرور الوقت، استوعبتُ أهمية دوري، وعندها أخذتُ دوري كسفيرة على محمل الجد، وشعرتُ بأنني أحمل على أكتافي حلمي، وحلم الكثيرات من النساء المسلمات والعربيات، فبعد إلقاء الخطاب أمام لجنة الاختيار، كانت اللجنة تقوم بعدة زيارات لقطر للاطلاع على سير العمل، فكنتُ أشاركهم في هذه الجولات، وأشرح لهم عن تدريبي، كما كنتُ أحضر الاجتماعات المتعلقة بالبطولة، وأتحدث عنها في الإعلام، وأعمل بجانب اللجنة الأولمبية القطرية لتمثيل قطر بأفضل طريقة ممكنة على المستوى العالمي، فكان الموضوع وكأنني أتحدث نيابة عن كل النساء الرياضيات، والمنتخبات النسائية في قطر، وكل هذا كان ممكنًا لكوني سفيرة، وأنا أشكر الله على هذه الفرصة التي فتحت لي أبوابًا كثيرة، وعلمتني كيف أوصل رسالتي لجمهور كبير.

 

   

هل واجهتِ أي تحديات في رحلتك؟

للأسف، التحديات التي واجهتها كانت حول ارتدائي للحجاب، فعندما شاركتُ في معسكر التدريب في فرنسا، كان عليّ أن أتنافس أسبوعيًا لأفهم مدى تقدمي، وفي الأسبوع الأول للمعسكر، كنا نتنافس في سباق 100 متر، وكنتُ في الملعب استعد للمنافسة ، وكل من حولي كان يستعد أيضًا عن طريق خلع ملابسه، ليكون في ملابس الجري القصيرة، وكانوا ينتظرون مني أن أخلع حجابي وملابسي، فظلوا يحدقون بي وكأنني شخص غريب لرفضه لبس ما يلبسون، واعتقدوا بأنني سأخسر لتغطيتي كل جسمي، لظنهم أن هذا سيعرقلني، ويبطئ من سرعتي، لكنهم تفاجؤوا حين فزتُ بالمركز الأول بفارق كبير! فأصبحوا يسألونني ما إذا كنتُ أشعر بالحر بسبب الحجاب، وفي ذلك الوقت، كنتُ أنظر إلى هذه الأسئلة كشيء شبه عادي، وأقول بأنني بخير، ومعتادة على لبس الحجاب والجري، ولكن مع مرور الوقت، بدأتُ أستوعب أهمية ما كنتُ أمثله عن طريق منافستي بالحجاب، لأنني أثبتُ أن الفوز غير متعلق بكمية الملابس الذي ترتديه، فيمكنك تغطية نفسك من الرأس حتى أخمص القدمين والفوز، وهذه التجارب جعلتني أحمي حجابي وهويتي، فأنا أريد أن أعيش وأغامر وأحقق كل نجاح وأنا في حجابي ولم تكن هذه المرة الأولى والوحيدة التي يتم فيها سؤالي عن ارتدائي للحجاب، ففي المدرسة الفرنسية التي درستُ فيها، كانوا يتبعون نظامًا لا يسمح لأحد بإظهار الرموز الدينية في المدرسة، وعندما كنتُ في الثالثة عشر، توجهتُ للمدرسة وأنا أرتدي الحجاب لأول مرة، وخلال اليوم الدراسي، طُلب مني مراجعة مديرة المدرسة، والتي أخبرتني بأنه غير مسموح لي بارتداء الحجاب داخل الحرم المدرسي، رغم أن المدرسة في بلد مسلم! كما أخبرتني بأنها لن تسمح لي بمواصلة يومي في المدرسة إذا أصررتُ على ارتداء الحجاب، ولكنني تمسكتُ بموقفي، ودافعتُ عن حجابي وحريتي، الحرية التي تسمح لأي أحد ممارسة ما يؤمن به، إذا كان لا يسبب أي ضرر لأحد، ولأسبوع كامل، تم عزلي عن زملائي في المدرسة، فكنت أحضر الدروس في صف لوحدي، لأنهم لا يريدون للطلاب الآخرين أن يختلطوا بي، ولكن خلال هذا الأسبوع، تدخلت وزارة التعليم في قطر، ودعمتني في موقفي، فأصبح الموضوع حديث المجتمع القطري والفرنسي، والمدرسة كان أمامها خيارين: إما أن تسمح لي بارتداء الحجاب داخل المدرسة، أو أن تقفل أبوابها، كما أن المدرسة حاولت أن تضغط على والدي حتى يثنيني عن الحجاب، أو يغير مدرستي وهذه الحادثة جعلتني أكثر تمسكًا بحجابي، وجعلتني أدرك حجم المسؤولية التي أحملها حين أظهر به، وأؤمن أن الله وهبني الصبر خلال ذلك الأسبوع، لأنني كنتُ فتاة شابة أواجه نظام كامل من البالغين والمسؤولين، والذين حاولوا التقليل من اختياراتي في الحياة، والتعدي على حريتي، وفي النهاية اضطرت المدرسة لقبول مسألة ارتداء الحجاب، وأحب أن أعتقد أن الله جعلني أخوض هذه التجربة لأغير ذلك النظام، حتى يُسمح للفتيات المحجبات بدخول تلك المدرسة، فقد كانت فرصة لمساعدة غيري، ومنذ تلك الحادثة، أصبحتُ شخصًا يتشبث بكل ما يؤمن به، ولا أسمح لأي أحد أن يتفاوض معي، أو يخبرني بما يجب علي فعله، طالما أنني لا أؤذي أحدًا، سأواصل السير في طريقي بكل ثبات.  

 

 

ما هي الرسالة التي تريدين إيصالها للنساء كلاعبة محجبة؟

أنا فخورة جدًا، ويشرفني أن أمثل النساء، وخاصة القطريات، اللواتي يعشقن الرياضة، واللواتي يرتدين الحجاب، فأنا أعتبر نفسي ممثلة لكل هؤلاء النسوة، ولدي زميلات يعتبرنني قدوة رغم أنهن في مثل سني، فولدت فيني الرغبة أن أشجع غيري على ممارسة حرياتهن طالما لا يؤذين أحدًا، والرياضة هي مجال تحاول فيه النساء المسلمات كسر حواجز الأفكار النمطية التي تصوّرنا كمضطهدات، فنحاول أن نظهر لهؤلاء أننا قادرات على إنجازات عظيمة، مع حفاظنا على ديننا وقيمنا وثقافتنا ولقد ترعرعتُ وأنا أرى الكثير من حولي لا يدرك حقيقتنا، فعندما أتنافس كامرأة مسلمة محجبة، أواجه الكثير من الجهل، ولكنني تعلمتُ مع مرور الوقت، بأنه ليس عملي أن أشرح لهؤلاء عن أسباب لبسي للحجاب، فهم المسؤولون عن تثقيف أنفسهم بنفسهم، وأنا لن أفصل الرياضة عن معتقداتي لأن الاثنين متشابكين. ومع مرور السنوات، عملتُ جاهدة لترويج هذه الأفكار، فلم يكن الموضوع متعلق بالمنافسة فقط، بل أيضًا عن تشجيع الآخرين في دخول هذه المجالات، وأحرص على مشاركة الجميع أخباري، وما أقوم به على منصات التواصل الاجتماعي، فأنا أحب هذه المنصات، لكونها تسهّل عليّ التواصل مع الناس، وأنا محظوظة جدًا، لأنني حظيت بكل هذا الدعم من أهلي، وأصدقائي، ودولتي التي دعمتني في كل شيء، وأحاول استغلال تأثيري لتشجيع غيري عن طريق إلقاء المحاضرات لطلاب المدارس، كما ألقيت المحاضرات خلال مسيرتي الجامعية.    

 

كيف كانت تجربتكِ مع الاحتراف والدراسة في نفس الوقت؟

مع مرور الوقت، تغير نظام تدريبي إلى تدريب مكثف وشاق جدًا، واضطررتُ على أثره إلى تغيير مدرستي الفرنسية، ففي المدرسة الفرنسية يجب على الطالب في عمر 14 -15 سنة أن يدرس 12 مادة مختلفة، والانشغال بالدراسة لا يترك للطالب أي مجال لمتابعة أي نشاط خارج التعليم، ولأنني أردتُ أن أمارس ما أحبه، وأن أتبع شغفي، قررتُ تغيير المدرسة، والتحقتُ ببرنامج البكالوريا الدولية في مدرسة الخليج الإنجليزية، ولأن نظام البكالوريا الدولية مختلف تمامًا عن نظام المدرسة الفرنسية التي درستُ فيها قبل، مكنني من مواصلة التدريبات الرياضية، والحصول على التعليم في نفس الوقت ويعتبر التعليم بالنسبة لي أمر مهم جدًا، فعن طريق مواصلة عملي كرياضية، وتلقي التعليم في نفس الوقت، أردتُ أن أظهر لغيري من الرياضيين المحترفين أن بإمكانهم متابعة الاثنين معًا، فقد قابلتُ الكثير من الرياضيين السابقين الذين يندمون لعدم إكمالهم لدراستهم، حتى بعد تقاعدهم من الرياضة، وهذا دليل على أهمية الحصول على شهادة علمية، لأننا لا نعرف أين ستقودنا الحياة، وأنا من عائلة معظم أفرادها أطباء، والطريق الذي سلكته في الحياة مختلف تمامًا عن اختياراتهم، ومتابعة تعليمي مكنني من تطمين والديّ بأنني لن أضحي بتعليمي في سبيل الرياضة، وهذا الأمر يهمهما كثيرًا.

وعندما بدأتُ التخطيط لمواصلة التعليم العالي، قدمتُ طلب الالتحاق إلى جامعات كثيرة خارج قطر، لكن بعد تفكير، قررتُ الدراسة في قطر، لأن لدينا أفضل الجامعات العالمية في مؤسسة قطر، كما لديّ أخ أكمل دراسته في جامعة نورث ويسترن قطر، مما شجعني على الالتحاق بها، كما أن مواصلة تعليمي داخل قطر سيمكنني من مواصلة مسيرتي الرياضية، والبقاء بقرب أهلي وأصدقائي، أما خارج الدوحة، فسيكون علي أن أبدأ من الصفر، ووجدتُ في جامعة نورث ويسترن كل ما أطمح إليه للدراسة، فأنا أقوم بمعظم الأشياء التي يتم تدريسها في برنامج الاتصالات في الجامعة، فأنا أظهر على الشاشات، وأتواصل مع مختلف الناس والمجتمعات، وقد تخرجتُ للتو في مايو 2021 م، كانت رحلة طويلة، لكن عندما التحقتُ بالجامعة، كنتُ اعتقد أنه سيكون من الصعب أن أشرح للجامعة وضعي كرياضية، وعن المرونة التي أحتاج إليها لأستطيع السفر، ومواصلة عملي في الرياضة، فأنا أسافر كل ثلاثة أشهر تقريبًا للمشاركة في المسابقات ومعسكرات التدريب، ولذلك كنتُ بحاجة إلى دعم من الجامعة، والحمد لله، حصلتُ على كل الدعم من الجامعة ومؤسسة قطر، فحتى لو كنتُ أسافر خلال امتحاناتي النهائية، كنتُ أجد دعم وتقبل من الأساتذة.  

 

هل راودتكِ أي شكوك خلال هذه الرحلة؟

أنا لم ولن أندم على أي خيار أخذته على طول الطرق، سواء على المستوى المهني أو التعليمي، فهذه التجربة هي التي صنعت "مريم" اليوم، فلم يراودني أي شكوك، فعلى المستوى الرياضي، ومنذ صغري، كنتُ أمثل بلدي بشكل إيجابي، وهي تجربة أحبها جدًا، كما ساعدتني التجربة على النمو والتحسن كشخص، لأصبح اليوم امرأة قوية وواثقة ومستقلة، ولأنني أحببتُ ما أقوم به، ساعدني هذا الحب، ودفعني لأحاول أن أقدم المزيد، وأبذل الكثير من الجهد، وأنا ممتنة لأنني عرفتُ ما أريده في الحياة منذ سن مبكرة، وأعتقد أن هذا منعني من الانجراف كبعض المراهقين، واتباع ما يؤدي بي إلى الضرر، وأنا اعتبر الرياضة كوالد ثالث، وأؤمن أن الوالدين يجب عليهم توفير هذا الوالد الثالث لأبنائهم، فالرياضة ستعلمهم أمور كثيرة قد لا يكون الوالدين قادرين على تعليمه، فالرياضة ليست فقط تدريب، بل يتطلب الكثير من الانضباط، فالتدريبات قد تكون يومية لمدة ساعتين إلى ثلاث، وأحيانا تكون مرتين في اليوم، وبالتالي الرياضة ستغرس الانضباط، وتبقيك على مسارك، وبدون الانضباط، لن تحقق شيئا.  

ولأعطيك مثال على الانضباط الرياضي الكبير الذي ستحتاج إليه في مجال الرياضة، كان جدولي اليومي مبني على نظام تدريب صارم، فأستيقظ في الساعة 8:30 صباحًا للجامعة، وينتهي يومي الدراسي في الساعة 3:30 مساء، ثم أغادر للتدريب حوالي الساعة 4 مساء، وبعدها أعود إلى البيت، ورغم الازدحام في يومي، إلا أنني كنت أحب هذا الروتين، لكنني كنتُ أرى أصدقائي بين الحين والآخر، وعندما بدأتُ الجامعة، اضطررتُ للبحث عن مدرب جديد، فأجبرتُ على التوقف عن التمرين لمدة 6 أشهر، ورغم عدم وجود أي تمرين، وبالتالي كان يومي أقل ازدحامًا، إلا أنها كانت أسوأ فترة مررتُ بها في حياتي، فالجلوس في البيت، وعدم الانجاز ليس شيئا أحب القيام به.  

ولحظات الشك قد تُزرع من قبل آراء الناس، فتمكنتُ من تجنب هذه اللحظات عن طريق تجاهل آراء الناس الذين لا يريدون لي النجاح، والذين يحاولون كسر همتي، ولا يساعدونني لأتحسن، بل يثبطون همتي، وأنا كبرتُ وأنا أثبتُ الناس الذين ظنوا أنني لن أنجح أنهم على خطأ، ولم يكن هذا شيئًا مخطط له، بل اكتشفتُ هذا الشيء وأنا أراجع تطوري ونجاحاتي كل عام .    

 

ما هي بعض التجارب التي تفخرين بها في مسيرتك؟

إحدى التجارب التي لن أنساها أبدًا هي المنافسة في بطولة العالم 2019 م، لأنها كانت في قطر، فنافستُ أمام جمهور وطني، وحظيتُ بكل الحب والدعم من الجميع، وهذا الحب والدعم الكبير كان يعني لي الكثير، فكانت تجربة جميلة جدًا وعاطفية، وهي تجربة حفزت وألهمت الكثير من الناس. أما التجربة الثانية التي لن أنساها هي فوزي بميدالية في ديسمبر 2020 م في دورة الألعاب الخليجية التي أُقيمت في الكويت، ففي تلك الفترة، كان والدي مريض، وفي المستشفى، ولكنه أصر على سفري للمنافسة، لأنه رأى مدى الجهد الذي بذلته في التدريبات، والاستعداد لتلك البطولة، وبناء على إصراره، قررتُ السفر، لكنني وعدته بأنني سأعود حاملة ميداليات، والحمد لله، استطعتُ الوفاء بوعدي، وكان سعيدًا جدًا، ومازلتُ أحمل هذه الذكرى الجميلة في داخلي، لكنني لا أريد خوض مثل هذه التجربة مرة أخرى، لأنه كان من الصعب عليّ أن أنافس وأقرب شخص لي، وأكبر داعم لي، طريح الفراش في المستشفى.    

 

هل لديكِ خطط مستقبلية لاستخدام خبرتك الرياضية وتوجيهها لمشروع؟  

لدي خبر حصري لنساء قطر! فبالإضافة إلى خبرتي الكبيرة في مجال الرياضة، أنا أيضًا مدربة معتمدة، ولذلك أريد أن أستخدم هذه الخبرات لمساعدة النساء في قطر، وسأفتتح بإذن الله مركز لياقة وتغذية مخصص للسيدات فقط، وسيقدم المركز خدمات الرياضة، بالإضافة إلى الصفوف الرياضية الفردية، والإرشاد الغذائي، فأنا أريد المركز أن يكون مركز متكامل، يعتمد عليه أي امرأة تريد تغيير نمط حياتها إلى حياة صحية، وسوف نحاول تلبية جميع احتياجات المرأة القطرية، سواء كانت أم، أو مراهقة، أو شابة، فنحن نفتقر إلى مراكز لياقة شاملة، كما لاحظتُ أننا بحاجة إلى المزيد من الشركات والمؤسسات التي تفهم تقاليد مجتمعنا، وتعمل بناء عليه، وتكيّف برامجها لتناسب المجتمع، كما أنني أهدف إلى جعل الرياضة في متناول الجميع بتبسيطها، حتى نتمكن من زرع حب الرياضة في النساء لتعيش حياة صحية أكثر.  

 

هل يمكنك إخبارنا عن مشروعك "جاما"؟  

أسستُ "جاما" في قطر وقت جائحة كورونا، وأتتني فكرة المشروع عندما كنتُ أبحث عن فساتين صيفية، وأنا أحب الفساتين التي تحتوي على طبعات أزهار، فأردتُ أن أبدأ مشروع للفساتين الصيفية، لأنني كنت أريد صنع فساتيني من الصفر، أما اسم المشروع، فهو مقتبس من الكلمة العربية "خامة" – وتعني المادة التي يصنع منها شيئًا- لكنها كتبت "جامة" لأن حرف "J" ينطق كحرف "خ" في الإسبانية، والسبب الآخر لدخولي عالم الأعمال هو لأنني كنتُ مفتونة بعالم الأعمال، فبدأتُ هذا المشروع لأقدم للنساء فساتين جميلة ذات جودة عالية، وتبرز أنوثتها.    

 

ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟

أنصحهن بأن يفعلن كل ما يريدن، وأن يكسرن الحواجز الاجتماعية، وأن يغيرن التصورات النمطية عنّا، فعلينا أن نؤمن في أنفسنا، وأن نبقى أقوياء، فكل شيء ممكن طالما تعرفين أن الله معك، وعندما تكونين واثقة بأنك لا تؤذين أحدًا بفعلك، فإذا لم نحقق أحلامنا بأنفسنا، فمن سيحققها؟ سيكون هناك دائمًا شخص يفعل شيئًا لم يسبق لأحد أن قام به، وسيكون الأمر مخيف، لكنه بفعله سيفتح الباب للآخرين، والجميع يبدأ رحلته من الصفر، وأنا لم أدخل المجال الرياضي وأنا بمستوى اللاعبين المحترفين، لكنني كنتُ أعلم أنهم كانوا في نفس مكاني قبل، صحيح أن اتخاذ الخطوة الأولى تجربة مخيفة، لكن يجب عليك أن تدفعي نفسك للخطوة الأولى، مع تجاهل ردود الناس السلبية.  

 كما أعتقد أنه من المهم أن نحيط أنفسنا بمجموعة داعمة ومحبة، والذي يؤمنون بأحلامنا، ويحتفلون بجهدنا ونجاحاتنا، فإذا لم يكن لديك هذه المجموعة في حياتك، فقد يصعب عليك الطريق، لكن تحقيق الأحلام ليس مستحيل بدون دعم الناس، لذا، لا تتوقفي أبدًا عن بذل الجهد والتحسن والازدهار لأجلك.

 

  • كاتبة المقابلة: العنود الكواري.
  • تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.
AR