عائشة محمد التميمي

شيف قطرية وخبيرة في فن الضيافة والإتيكيت

نتعرف في هذه المقابلة على إحدى السيدات القطريات المعروفات على المستويين المحلي والعالمي، وربما البعض منا كبر وهو يشاهدها على شاشة تلفزيون قطر، فحديثنا اليوم مع عائشة محمد التميمي، التي قد لا يخلو أي بيت قطري من ذكر اسمها، فهي الشيف المتخصصة في المأكولات القطرية والعالمية، والتي احترفت الطبخ، ونَبَغت فيه، لدرجة أنها ألفت سبعة كتب طبخ، وبالإضافة إلى كل ذلك هي زوجة وأم، والبطلة التي تحدت سرطان الثدي متغلبة عليه، فمن هي عائشة محمد التميمي؟

Aisha Mohammad Al Tamimi

أنا شيف قطرية، وأعتبر من أوائل الطّهاة القطريين المتخصصين في المأكولات الخليجية والعالمية، كما أنني خبيرة في فن الضيافة والإتيكيت.

 

كيف بدأت رحلتكِ في عالم الطبخ؟

بدأت الرحلة ببداية صعبة، فما دفعني إلى تعلم الطبخ، خاصة تحضير المأكولات القطرية، هو زواجي في سن مبكر، لكن مع مرور الوقت، نمى بداخلي حب الطبخ، وتعلم المزيد من الوصفات الخليجية والعالمية، فقد كان بيتنا عامرًا بالضيوف، لأن زوجي كان إعلامي، وله معارف كُثْر من خارج الدولة، فاعتدنا على استضافتهم في بيتنا حين يزورون قطر، وكنتُ المسؤولة عن أكلهم، وكنتُ أحاول دائمًا أن أتعلم وصفات جديدة، وأن أقدم لضيوفي أطباقًا متنوعة.

وبعد أن علمتني أختي الكبيرة طريقة تحضير المأكولات القطرية، بدأتُ بتعلم الأطباق العربية والغربية من المجلات ومن الكتب، فتعلمتُ وصفات المطبخ البريطاني، واتجهتُ بعدها إلى تعلم المطبخ الهندي، والذي أراه مطبخًا قريبًا من المطبخ القطري، فكلاهما يعتمدان بشكل كبير على البهارات المختلفة، وانطلاقتي في عالم الطبخ بدأت من المطبخ الإيطالي والهندي لتأثري الشديد بهما، وأعتقد أن في سنواتي الأولى بعد الزواج كنتُ أطبخ لعائلتي فقط .وبعدها عملتُ كمعلمة، فكنتُ أحضّر أطباقًا لزميلاتي، والكل كان يبدي إعجابه بأطباقي، إلا أنني لم أعتبر نفسي طباخة ماهرة، بل رأيتُ أن ما أملكه هو الصبر على التعلم والتجربة، لكن الجميع كان يستلذ بأطباقي، ويسألني عن وصفاتي، وكلما كثرت الأسئلة، كلما شعرتُ أن عليّ إعداد ما هو أفضل من تلك الأطباق، وبعد أن كنتُ أحضّر للناس الكعكات والشطائر، اتجهتُ إلى تحضير المعجنات، وطبعًا، فور تذوقهم للأطباق كانوا يسألونني عن الوصفة.

وهذا لا يعني أنني كنتُ أحضر أطباقًا عن طريق الوصفات فقط، بل أنني كنتُ أحاول أن أتبع الوصفة، وأكرر التجربة حتى أكون راضية بالنتيجة، وليس بالضرورة أن تكون النتيجة مثل التي كانت في الوصفة، وحقيقةً لا أعلم كيف أصف طريقة تفكيري حينها، فكلما ما أعرفه أنني كنتُ لا أتعب من التجربة حتى أنجح في إعداد الوصفة كما أراها، وكنتُ شديدة الإصرار حتى تنجح طبختي، وهذا ما أوصلني إلى نجاحي الأول في رحلتي، ألا وهو اطمئناني بأن ما أطبخه يعجب الآخرين، وبعدها بدأ الجميع بنصحي باستغلال موهبتي في الطبخ لتأليف كتاب للوصفات، ولكني لم أخذ بالنصيحة وقتها، بسبب ارتفاع تكلفة تأليف ونشر كتاب، ولكن ظلت الفكرة في بالي حتى صدور كتابي الأول في عام 2005م.

وطوال هذه الرحلة كنتُ شديدة الحرص على تعلم كل ما يتعلق بالطبخ، وأحرص على تثقيف نفسي، ولا أقيد نفسي بالوصفات المكتوبة، بل أجرب أي طبق يعجبني بطريقتي الخاصة، وأحيانًا حين أزور مطعمًا مع زوجي، إن أعجبه طبقًا ما، أسأله أن يخمن مكونات ذلك الطبق، وبناء على وصفه أحاول أن أصنع نفس الطبق، وهو يقول لي دائمًا بأن أطباقي أفضل من التي أكلها في المطعم، فأصبحتُ أعرف مكونات الأطباق من مجرد النظر والتذوق، كما كنتُ أبتكر وصفاتي الخاصة، وهذا ما طورني كشيف، كما أنني تطورتُ كثيرًا خلال الفترة التي عشناها في الرياض، حين كان يعمل زوجي هناك من ضمن الجالية الدبلوماسية، ولأننا كنا نستقبل الكثير من الضيوف من مختلف الجنسيات، زاد كل هذا من شغفي في المطبخ، لتقديم الأفضل لهؤلاء الضيوف، وكل التعليقات الإيجابية التي وصلتني وقتها كانت بمثابة دافع وتحفيز كبير لي.

وعالم الطبخ عالم متجدد، وكل مطبخ في العالم يبتكر وصفات جديدة كل يوم، لذا لابد للشيف أن يكون على اطلاع بكل ما هو جديد في عالم الطبخ المحلي والعالمي، وبرأيي هناك فرق بين الابتكار والتجديد، وبين تشويه الوصفات، خاصة الوصفات الشعبية والتقليدية، لأنها ورث ورثناه من أجدادنا، وجزء من تقاليدنا، وأنا أرى أنه لا يجوز أن نغيرها، وأن نعمم هذا التغيير على الجميع، ومن ثم نسميه طبقًا شعبيًا، لأن ليس هذا ما ورثناه عن أجدادنا، وأنا أعتبر الأطباق الشعبية خطًا أحمر، لأنه موروثنا، ونحن حين نسافر إلى أي دولة، نحب أن نجرب أطباقهم الشعبية، ولنفترض أننا ذهبنا إلى إيطاليا، سنجد في قائمتهم أطباقهم الشعبية المتمثلة في الباستا وغيره، وهؤلاء لم يغيروا في أطباقهم، فلم نغيره نحن! إن أمنيتي في الحياة هو أن يصل المطبخ القطري للعالمية، وأن يعرف عنه الجميع، والحمدلله، كأس العالم 2022 في قطر، وذلك يعني أن العالم هو الذي سيأتي إلى قطر، ويجرب المطبخ القطري، وأتمنى أن نرى الكثير من الأطباق القطرية المعدة بأيدي قطرية.

 

Chef Aisha in Qatar Food Festival 2015
الشيف عائشة في مهرجان قطر للأغذية 2015

حدثينا عن إصداراتكِ من كتب الطبخ.

كما ذكرتُ سابقًا، أنني ظَلِلت أفكر في تأليف كتاب لوصفات الطبخ، حتى دخلنا حقبة التسعينات، وتحولت فكرة الكتاب إلى شغلي الشاغل، وحلمي حياتي، حتى عام 2005م، حين قررتُ أنني سأؤلف الكتاب، بغض النظر عن التكلفة المادية، فبدأتُ بالسؤال والبحث عن تكلفة مختلف الأشياء التي سأحتاجها لإنجاز الكتاب، كتكلفة التصوير والطباعة وترجمة الكتاب، وغيرهم، وبعد أن علمت التكلفة الكلية، زرتُ بنكًا، وطلبتُ منهم قرضًا بالمبلغ المطلوب، مع أنني كنتُ ضد فكرة اقتراض المال، سواء من شخص أو بنك، لكن حين نتحدث عن تحقيق حلم حياتي، فالأمر مختلف.

لا أستطيع أن أصف مدى سعادتي بكتابي، لأنه كان في نظري مثل مولودي الأول، وصحيح أن الكتاب لم يكن مثاليًا، ولم تكن العملية سلسة، بل احتاج إلى مراجعات وتعديلات على الكتاب وترجمته، لكن كل هذا لم يؤثر على سعادتي بالكتاب، وكانت الطبعة الأولى حوالي 5 آلاف كتاب، وقمتُ بطباعته مرة ثانية في عام 2007م، بعد أن نفدت الطبعة الأولى، ورغم بساطة الوصفات في ذلك الكتاب، إلا أنه كان خلاصة تجربتي، كما أن الناس أقبلوا على الكتاب لأنه ركز على الأمور البسيطة في الطبخ، وكان الكتاب ناجحًا جدًا لدرجة أنني استطعتُ دفع القرض، وهذه قصة كتابي الأول: موائد، والتي أصدرتُ منها أربعة أجزاء إلى اليوم.

ورحلة تأليف الكتب لم تكون رحلة سهلة، بل تطلبت الكثير من الجهد والوقت، ومرحلة التصوير هي أصعب مرحلة، لأن علي إعداد كل طبق قبل أن يـأتي المصور للتصوير، كما يحتاج التصوير إلى تقديم الطبق بشكل ملفت، وقبل هذه المرحلة هناك مراحل عديدة، فأولاً تأتي مرحلة كتابة الوصفات بمقاديرها الدقيقة، فأعد الأطباق لأتأكد من نجاحها، وإن لم يكن بالشكل بالمطلوب، أغير المقادير، وأعيد التجربة حتى تنجح، وبعد أن أستقر على الوصفة، أحول كل المقادير إلى مقياس بالكوب، لأن الناس يطلبون دائمَا أن يكون المقياس بالكوب، وأحاول بقدر الإمكان أن أكون دقيقة في توثيق المقادير المختلفة، لأنها مثل الأمانة.

وقبل صدور كتابي الثاني، بدأتُ بتقديم برنامجًا للطبخ على شاشة تلفزيون قطر، وبما أنني قدمتُ الكثير من الوصفات خلال البرنامج التلفزيوني، قررتُ توثيق كل ذلك في كتابي الثاني في عام 2006م، والذي نجح نجاحًا كبيرًا، ولكن حتى بعد إصداري لكتابي الثاني، ظل الناس يقبلون على شراء كتابي الأول، ولكن بعد ذلك أخذتُ فترة راحة من إصدار الكتب.

وبعدها كانت لي كتاب آخر في 2008م، وقد احتوى ذلك الكتاب على قسم للأطباق الشعبية، وفي 2010 م أصدرتُ كتابًا رابعًا، وكان ذلك الجزء الأخير من سلسلة موائد. لكن الأمور تختلف اليوم، لأن وجود الإنترنت قلل من اعتماد الناس على الكتب للحصول على وصفات الطبخ، لكن الكتب ما زال يقدرها الطهاة الشغوفين الذين يستخدمون الكتاب كمرجع، ولكن تماشيًا مع الوضع الحالي، نخطط في المستقبل لفتح قناة على اليوتيوب، وهذا ما نعمل عليه الآن في أكاديمية الطبخ.

 

ما الذي ألهمكِ لتقديم برنامجًا للطبخ على التلفاز؟

قبل صدور كتابي الثاني، تحدثتُ مع زوجي عن رغبتي في مشاركة وصفاتي الكثيرة مع الناس، وبما أنه يعمل في مجال الإعلام، طلبتُ منه الإذن لأظهر على التلفاز في برنامج للطبخ، وحقيقة لا أعلم كيف طرأت علي الفكرة، ولا أعلم كيف أخبرتُ زوجي، ولكن الحمدلله، كانت ردة فعله إيجابية، ورحب بالفكرة، كما أنه اقترح أن يساعدني، وكان حديثنا هذا في الليل، فلم أستطع النوم ليلتها، وأنا أفكر أنه ربما وافق لأن مزاجه كان جيدًا، وحين سيأتي النهار، ستختلف ردة فعله، لكنه تذكر طلبي صباح اليوم التالي، وأخبرني أنه سيكتب الطلب، وسيقدمه بنفسه إلى تلفزيون قطر، وكان كل هذا يحدث في فترة لم نكن معتادين فيها على ظهور النساء القطريات على شاشة التلفاز.

بدأتُ بتقديم البرنامج التلفزيوني في عام 2005م، وقد طلبتُ منهم أن يعرض البرنامج مباشرة، ولا أعلم كيف أتتني مثل هذه الثقة لأطلب مثل هذا الطلب! ولكن الحمدلله، كانت الثقة في محلها، وكان البرنامج مدته ساعة، وكنتُ أستقبل خلال البرنامج اتصالات من المشاهدين، ولقي البرنامج إقبالاً كبيرًا من الناس حتى من المغتربين الذي يعيشون خارج الدولة، فكنتُ أستقبل اتصالات من أمركيا ونمسا وغيرهم من الدول، وهذا الإقبال من الناس، وتعليقاتهم زادتني ثقة بنفسي، وشعرتُ أنني استطعتُ أن أوصل للناس المعلومات، وربما اكتسبتُ هذه المهارة من عملي كمعلمة، لأن المعلم يبذل جهده في الشرح، وفي إيجاد أفضل الطرق لتوصيل المعلومات، وهذا ما كنتُ أحرص عليه خلال البرنامج، وأتذكر أن شيف عربية كانت معي في البرنامج قد أخبرتني أنني أشرح كمعلمة، لأنني أحرص على تزويد المشاهد بكل شيء حتى بأبسط المعلومات، حتى يكون ملمًا بكل مراحل إعداد الطبق، وحتى كيفية تقديمه.

 

"أحرص على تزويد المشاهد بكل شيء حتى بأبسط المعلومات، حتى يكون ملمًا بكل مراحل إعداد الطبق، وحتى كيفية تقديمه." - الشيف عائشة في مقابلتها مع نساء قطر

تمتلكين اليوم أكاديمية للطبخ، كيف كانت رحلتكِ في افتتاح الأكاديمية؟

افتتحنا الأكاديمية في عام 2018م، وقد أسسها ولدي بالشراكة مع أصدقائه، ولكننا واجهنا بعض المصاعب والتحديات خلال فترة انتشار وباء كورونا، مع أننا حاولنا أن نوصل للناس طلباتهم إلى البيت، لكن ما ربحناه لم يكن كافيًا لسداد تكاليف المكان، فقرروا الشركاء الانسحاب من المشروع، وأصبح ولدي المالك الوحيد للأكاديمية، وهنا بدأتُ العمل معه في هذا المشروع، وتعليم الطبخ ليس جديدًا عليّ، فمنذ بداية التسعينات، كنتُ أقدم دورات طبخ في بيتي للأفراد، ولكل من يحتاج، وأعتقد أنني كنتُ أول قطرية تطبخ وتبيع طبخها من البيت، وطبعًا يختلف طريقة العمل في الأكاديمية عن العمل من البيت، لأن العمل في الأكاديمية احترافي أكثر.

وقد نصحني الناس بافتتاح مطعم، لكني لم أفضل لك الفكرة، لأنها ستتطلب مني جلب الأيدي العمالة، ولأنني لن أكون متفرغة له تمامًا، كما أن أي خطأ في عمل المطبخ سيكون مسؤوليته على رأسي، ولذا فضلتُ أن أهتم بالأكاديمية فقط، ولابد للإنسان أن يكون قنوعًا بما لديه، وأن يعمل لتحقيق طموحه، لا طموح الآخرين وما يرونه نجاحًا، وكل ما حققته بفضل الله ثم جهدي، ولكن ما حققته من شهرة لم يكن شيئًا توقعته، ولم أعمل لأجلها، بل ما دفعني لكل ذلك هو حبي للطبخ، وحبي لما أفعله، وكان يومًا ما زوجي يصادف معجبينه لكونه إعلامي مشهور، واليوم أصبحتُ أنا المشهورة التي لديها معجبين، وقد كان للمسؤولين في الدولة دورًا كبيرًا في ابرازي للجاليات الأخرى، كما اكتسبتُ خبرة خلال احتكاكي بهم، وحظيتُ بتشجيع كبير من الناس، وكل هذا زاد من ثقتي بنفسي، والحمدلله أنني كامرأة قطرية استطعتُ أن أنجز الكثير.

 

تقدم الشيف عائشة فصول الططبخ في أكاديميتها للطبخ

ذكرتِ أن وزارات الدولة والمسؤولين ساهموا في وصولكِ للعالمية، حدثينا عن ذلك.

شاركتُ كطاهية متخصصة في المأكولات القطرية في العديد من الفعاليات خارج الدولة، فقد تمت دعوتي من قبل فهد بن محمد العطية عندما كان سفير قطر في روسيا، وقد تمت دعوتي لإعداد العشاء لضيوف السفارة احتفالاً باليوم الوطني لعام 2018م، وقد طلب السفير أن يكون الاحتفال كل ما فيه قطري تراثي، وكان السفير هو من طلبني بالاسم، كما طلبوا مني قائمة بكل ما نحتاجه من أدوات ومقادير، وتم شراء كل ذلك من قطر، وشحنه إلى موسكو، وقد أعددتُ كل الأطباق في مطبخ صغير، ولو وضعتُ في نفس المطبخ اليوم، فعلى الأرجح أنني لن أعرف كيف أطبخ في ذلك المكان الصغير، لكنها فُرجت من الله، واستطعنا الإنتهاء من الطبخ في موعده.

وقد أعددتُ للعشاء كل الأطباق البحرية المعروفة في قطر، لأننا نتميز بذلك بما أن قطر شبه جزيرة، وكانت معي أختي تساعدني في كل ذلك، ولكنها كانت تردد: من في الحفلة سيأكل هذه الأطباق الغريبة عليهم؟ من سيأكل هذا "المحمّر"؟ وكنتُ أردد لها أن علينا الطبخ فقط، فإن أكلوه فجيد وإن لم يأكلوه، فلا ضرر. كما أعددنا لهم مختلف الحلويات القطرية مثل "الساغو" و"العصيدة"، بالإضافة إلى أطباق شعبية أخرى مثل "الهريس" و"المضروبة" و"الجريش"، وقد بدأنا الطبخ يومها في الرابعة صباحًا، وفي الرابعة مساء بدأنا بتجهيز مائدة التقديم، وبعدها اعتذرتُ من المكان على أن أرجع للحفلة بعد ساعات، وحضرتُ الحفلة تقريبًا في السادسة والنصف مساء، وكانت الحفلة قد بدأت قبل حضوري بنصف ساعة، فأردتُ أخذ بعض الصور للأطباق من شدة سعادتي بهذه التجربة، إلا أنني فوجئتُ بنفاد معظم الأطباق، فقلتُ لمقدمي الطعام أن يجلبوا الكمية المتبقية من الطعام، فنحن لم نقدم الكمية كاملة، لأن العادة أن نطبخ أكثر من المطلوب احتياطًا، وفوجئتُ مرة أخرى حين أخبروني أنهم قدموا الكمية كاملة، فلم يتبقى شيء! وبعد الإنتهاء من العشاء، قدمني السفير إلى الجموع، وأخبرهم بأنني شيف قطرية، وسعدتُ كثيرًا بالتعليقات الإيجابية، وثنائهم على طبخي، وكان هذا الحدث بمثابة نقلة كبيرة في تاريخي كشيف قطرية.

كما أن الدولة وثقت في قدراتي، فقد قامت وزارة التجارة بدعوتي للانضمام إلى معرض إكسبو 2015 الذي أقيم في ميلانو، وكان لدينا جناح قطري في الإكسبو، وخلال المعرض حظيتُ بفرصة تعليم بعض الطهاة الأجانب الأطباق القطرية، والحمدلله، شهدنا إقبالاً كبيرًا من الناس لتذوق الأكل القطري، أما "المحّمر" فقد لفت نظرهم لأنه طبق يختلط فيه السكر بالمالح، وطبعًا شرحتُ لهم القصة وراء هذا الطبق.

وفي عام 2017م تم دعوتي من قبل اللجنة العليا للمشاريع للانضمام إلى فعالية البيت القطري الذي أقيم في برازيل، وقد اشتركت فيه معظم وزارات ومؤسسات الدولة، وكان الغرض من الفعالية تعريف العالم الغربي بقطر وإنجازاتها الكثيرة، وقد اشتركتُ معهم لتعريفهم بالمطبخ القطري، كما علّمتُ بعض الطهاة البرازيلين طريقة اعداد بعض الأطباق القطرية وأيضًا الأطباق البرازيلية، وكان يزورنا حوالي 600 شخص كل يوم، فكنا نعد الطعام لكل هؤلاء الزوار يوميًا.

وقد كنتُ وقتها في مرحلة العلاج من سرطان الثدي، وكنتُ سأسافر وأشارك في الفعالية لأربعة أيام فقط، فأخذتُ معي كمية من الأدوية ستكفيني لأسبوع، ولكن فيما بعد قيل لي أن أظل هناك لشهر كامل، فظللتُ هناك لمدة 20 يومًا، ولكنها كانت أيام جميلة، وكل الذين كانوا من ضمن الفريق، كانوا يعملون بكل جهد وحماس، وكان المبنى كله وكأنه خلية نحل، فالكل يعمل بنشاط وهمة، وكانت معنا الشيخة أسماء آل ثاني، ولا يمكنك تصور الطاقة والحماس اللذين كنا نستمدهما منها، ومن نشاطها في العمل.

وأنا أحب المشاركة في الفعاليات التي تقام خارج الدولة، حتى أستطيع أن أعرّف الجميع بالمطبخ القطري، وأحاول أن أبتكر في الوصفات التقليدية دون التغيير في جوهرها حتى تتقبلها الأجيال الحالية، فمن الممكن أن نغير في طريقة التقديم، ولكن ليس في الوصفة نفسها، كما أنني أرى أن الأكل القطري صحي، فأجدادنا كانوا أصحاء، ولم يصبهم أي أمراض مثل الضغط والسرطان، ولم يعانوا من السمنة، وأبي مثلاً لم يعاني من أية أمراض، وعاش حتى بلغ الثمانين، وكان يأكل شحوم الحيوانات، ويضيفها إلى أطباقه.

 

الشيف عائشة مع سفير قطر إلى موسكو في احتفالات اليوم الوطني عام 2018

هل يمكنكِ مشاركتنا رحلة علاجكِ من مرض سرطان الثدي؟

شخصتُ بالمرض في عام 2014م خلال الكشف الدوري الذي أقوم به، فقد كان لديّ أكياس مائية في صدري، ولكن في تلك السنة، نتيجة فحصي لم تكن مبشرة، فحولتني طبيبتي إلى جراح للمزيد من الفحوصات، والتي قمنا بها، ولكن قبل حصولنا على النتيجة، سافرتُ إلى تايلاند، ونصحتني وقتها ابنة أختي، وهي طبيبة، أن أعيد الفحوصات كلها في تايلاند، فقمتُ بالفحوصات في تايلاند مرة أخرى، وفي اليوم الذي ذهبنا فيه لأخذ نتيجة الفحوصات، أتذكر أنني كنتُ مع المترجمة لوحدي، أتبادل معها الحديث، فأخبرتي أن ثديي الأيمن بخير، أما الأيسر ففيه سرطان صغير! والحقيقة أنني بمجرد سماعي لذلك، اسودت الدنيا في وجهي، ولا أعرف أين ذهبت كل الشجاعة والإيجابية التي أتمتع بها، فاتصلتُ على ابنتي التي كانت ترافق أختي وقتها في نفس المستشفى، وأخبرتها وأنا أبكي أن تسرع إليّ، وبعدها تحدث معنا الطبيب لساعة كاملة لم أسمع منه شيئًا، وفي آخر حديثه سألنا إن كنا نريد إزالة الورم، أم إزالة الثدي بأكمله، ورددتُ عليه بحدة أن من هو الدكتور هنا! وطبعًا لم أكن أقصد إهانته، لكنني كنتُ في عالم آخر، ويبدو أن الطبيب كان عالمًا بنفسية المريض، فتفهم ردة فعلي، وتجاوز عنها، وبدأ يشرح لي بأن الورم صغير، وإزالته ليس صعبًا، لكن خلال العملية قد يكتشف أن السرطان قد امتد لأنسجة أخرى، وعندها سيضطر إلى إزالة الثدي بأكمله، فأخبرته بأن يفعل ما يراه الأفضل، فقد كنتُ في حالة يأس.

وبعد أيام قمنا بالعملية، والحمدلله، أزالوا الورم وبعض الغدد فقط، وبعدها كانت مرحلة الاختيار ما بين العلاج الكيماوي أو الاشعاعي، وهذه كانت مرحلة أخرى من الحزن، لأنني سمعتُ الكثير عن العلاج بالكيماوي، وأنه علاجًا مؤلمًا، وقد قامت ابنة أختي بإرسال تقاريري الطبية إلى أطباء في أمريكا وبريطانيا لسؤالهم عن رأيهم، وأجمعوا كلهم على أنني أحتاج إلى العلاج بالإشعاع فقط، وكان لهذا أثرًا كبيرًا على تحسن نفسيتي، ورجعت لي الطمأنينة، وبعد أن طاب جرحي، بدأت بأخذ الجلسات الاشعاعية، فأخذتُ 33 جلسة، وكنتُ مليئة بالأمل، وأذهب إلى الجلسات فرحة، وأضحك مع الممرضات، حتى أنني كنتُ أخذ معي حلويات لهن، والحمدلله أكملتُ مرحلة العلاج الإشعاعي، ثم ظللتُ أخذ حبوبًا لمدة 5 سنوات، مع الحرص على المتابعة مع الطبيب.

وبعد تغلبي على المرض، عملتُ مع الجمعية القطرية للسرطان لإلقاء محاضرات توعوية، والحمدلله أنني أستطيع اليوم أن أشارك رحلتي مع غيرتي لتوعيتهم، وللإجابة على أسئلتهم، والتقليل من مخاوفهم، ونصيحتي للجميع أن يتذكروا أن لا أحد يموت قبل موعده، أما الأمراض فقد تكون وسيلة لذلك، لكن الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده، وقد يبتليه لأنه يحبه، فيكون بلاؤه تذكير للعودة إلى رب العالمين، فقد غير المرض علاقتي بالله، فبدأت أتعلق بالله أكثر وأكثر، وأنا مؤمنة بأن كل ما نطلب من الله، كلما رزقنا الله أكثر، وحين تطلبين منه القوة، سيعطيك إياها.

 

هل واجهتكِ أية صعوبات أو تحديات أخرى في رحلتكِ؟

واجهتُ بعض الصعوبات في البداية، وكانت نتيجة حساسية زوجي لاختلاطي بالرجال في عملي كطاهية، رغم أنه لم يعارض ذلك، لكنه أمر متأصل في الرجل أن يغار على زوجته، ولكني كنتُ أردد له أنه أعطاني ثقته حين وافق على ظهوري في التلفاز، وطبعًا مع مرور الوقت، تلاشت هذه الصعوبات، ومن التحديات الأخرى التي واجهتها كانت ردود الأفعال السلبية من بعض أفراد عائلتي الذين لم يعجبهم ظهوري على شاشة التلفاز، كإحدى أخواتي شديدة التدين، وكانت ترسل ابنها ليشاهدني على التلفاز، ويتأكد من لبسي للحجاب، والحمدلله كل شيء تحسن مع الوقت، وكل ما واجهته من صعوبات كانت بسيطة.

ولكن ربما كانت إصابتي بسرطان الثدي أكبر الصعوبات التي واجهتها لأنه عرقل عملي قليلاً، لكني بتوفيق من الله عدتُ لعملي فور انتهائي من العلاج، وأنا أكره أن يقال لي بأنني قصرتُ في حق أحد، ورغم أن المثالية لا توجد، إلا أنني أحب أن أجتهد في كل شيء، في علاقاتي، ومع زوجي، وأبنائي، وحتى مع صديقاتي.

 

ما هو أبرز إنجاز بالنسبة لك؟

إن أكبر إنجاز لي هو ذكر اسمي في كتب أخرى كمرجع، لأنني أعتبر هذا دليل على أنني وصلتُ للنجاح الذي أنشده، كما أفتخر أني استطعتُ أداء واجبي تجاه بيتي مع الاهتمام بعملي.

 

تم تكريم الشيف عائشة في عام 2018 لعملها الاجتماعي

ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟

اهتمي ببيتكِ، ولا أقصد بذلك أن عليكِ أن تطبخي، لكن لابد عليكِ أن تشرفي على بيتكِ، حتى في وجود من يساعدكِ في أعمال المنزل، وأنا أفرح كثيرًا حين تهتم المرأة بيبتها، وتبدي رغبتها في تعلم الطبخ.

 

إقرأ مقابلات مشابهة

فاطمة أحمد

نشر في 21 فبراير 2023

  • جميع الصور تم مشاركتها معنا من قبل صاحبة المقابلة، وإن اختلف المصدر سيتم الإشارة إليه.
  • تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.
AR