د. سارة عبدالله بوحميد

أخصائية في أمراض النساء والتوليد

يوقر الكثيرون المجال الطبي، ويعجبون بالأشخاص الشجعان الذين يدخلون هذا المجال الصعب. ومع ذلك، فإن هذا الإعجاب لا يكون موجودا غالبًا في حال عمل الطبيبات. وقد يبالغ البعض قائلاً بأن المجال الطبي لم يكن مخصصًا لتعمل به النساء، بسبب طول مدة الدراسة وعبء العمل الذي يتطلبه. ولم تقف مثل هذه القناعات عائقا أمام النساء من التفوق في هذا المجال، كما ازداد عدد النساء الملتحقات بهذا المجال خلال السنوات القليلة الماضية، وتعتبر الدكتورة سارة بوحميد إحدى الرائدات القطريات في هذا المجال، حيث أثبتت للفتيات الصغيرات أنهن يمكنهن تحقيق التميز في المجال الطبي بجانب أمور حياتهن من خلال تفانيهن ودائبتهن في العمل في كل مكان، فمن هي الدكتورة سارة بوحميد؟

أنا امرأة وإنسانة. إن خلفيتي الأكاديمية يمكن إيجازها في الآتي: ذهبت إلى مدرسة الشويفات الدولية ثم التحقت بالجامعة حيث حصلت على شهادة الطب من جامعة ويل كورنيل. وشعرت أثناء دراستي في كلية طب ويل كورنيل - قطر أنه من أجل تحسين مكانتي، يجب أن أسافر إلى الخارج والتفكير من منظور مختلف. وأتذكر أن قلت لوالدي ذات مرة إنه إذا لم يسمح لي بإستكمال تدريبي في الخارج ينبغي عليه أن يخبرني بذلك قبل أن أبدأ دراستي، لأنني أردت الدخول إلى هذا المجال بشروطي وبما يتراءى لي مناسباً. وقال لي إنه لا ينبغي علي القلق بشأن هذا الأمر، وأن كل من حولي سيشجعونني على الحصول على التدريب بالخارج حين أتلقى قبولي في دورة التدريب. وبحلول عام ٢٠١٢، قُبلت في برنامج تدريبي متخصص في طب التوليد وأمراض النساء في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أنهيت التدريب الطبي في عام ٢٠١٦، وفي وقت لاحق حصلت على عضويتي في المجلس الأمريكي لطب التوليد وأمراض النساء، وبدأت في العمل في مركز سدرة للطب والبحوث  

 

هل كنت تعلمين دائمًا أنكِ تريدين دراسة الطب؟

 

 في الواقع لم أفعل! أدركت أن هذا ما أريد أن أفعله خلال دراستي بكلية الطب. خلال المرحلة الثانوية لم أكن أعرف ما الذي أريد أن أتخصص فيه، ولم أكن أعرف كيف أردت أن تبدو حياتي بعد عشر سنوات، فقد كنت أعرف فقط أنني أستطيع التميز في الناحية الأكاديمية بشكل جيد. لذلك قررت في تلك المرحلة أن أتقدم لمعظم الجامعات في المدينة التعليمية، بالإضافة إلى بعض الجامعات خارج دولة قطر. لذلك عندما تلقيت القبول من الجامعة، أخبرني والدي أنه "بما أنك تمكنت من الالتحاق بكلية الطب، فلماذا لا تحاولي أن تمنحي نفسك فرصة؟" وذكر أن جدي كان يأمل دائمًا في أن يصبح والدي طبيباً في يوم من الأيام، لكنه أصبح مهندسًا، لذلك ربما يمكنني تلبية رغبة جدي في أن تكون في العائلة طبيبة، وبصفتي الابنة الأولى، أشعر دائمًا بالرغبة في إرضاء والدّي، لذلك ذهبت إلى كلية الطب بناءً على توصية والدّي أثناء دراستي في كلية الطب، واصلت إنجاز ما كنت معتادة على فعله بصورة جيدة خلال سنواتي في الشويفات، وقد كان ذلك التميز من الناحية الأكاديمية. وبمجرد دخولي إلى الاختصاص الاكلينيكي ورؤية المرضى وكوني جزءً من الطاقم الطبي المعالج، أدركت حينها أنني أريد أن أكون في هذا المكان وأن أصبح طبيبة. إنه مجال عمل مرهق للغاية، ولكنني أعود إلى المنزل سعيدةً وراضيةً، وأتطلع ليوم آخر من العمل الشاق. وقد اتضح لي أنني اتخذت القرار الصحيح كلما تذكرت الماضي  

 

ما الذي جعلك تتخصصين في أمراض النساء والتوليد؟

 

هذه أيضًا قصة أخرى لمعرفة ما لم أرغب في دراسته. عندما كان يسألني أحدهم عما إذا كنت أميل إلى تخصص معين، كنت أقول دائمًا "لا أعرف ما أريد أن أفعله ولكني أعرف ما لا أريده". فعلى سبيل المثال، كنت أعلم أنني لا أريد الالتحاق بتخصص الطب الباطني، لكن في ذلك الوقت اعتقدت أيضًا أنني لا أريد دراسة أمراض النساء والتوليد. ومع ذلك، بمجرد أن أجرينا مناوبة الجراحة العامة أثناء تدريبنا، أصبح من الواضح جدًا بالنسبة لي أن هذا هو المجال المناسب لي، وقد أدركت أيضًا مدى أهمية التواصل الذي يقوم به الأطباء مع مرضاهم، وكيف يمكن أن يكون ذلك مفيدًا بالنسبة للمريض. علاوة على ذلك، فإن قسم أمراض النساء والولادة يحتوي على عنصر الجراحة الذي يثير اهتمامي، وقد أحببت فكرة أن المرضى الذين ستتعامل معهم خلال مسيرتك المهنية، سيكونون مرضاك مدى الحياة لأنك ستكون الشخص الذي يولًّد أول مولود لهم وكذلك ثاني مولود وما إلى ذلك على يديك. وفي إطار علاقة الطبيب بالمريض، هناك فرصة كبيرة لتكوين علاقة فيما بينهم من أجل التعزيز والتعليم، وهو أمر نفتقر إليه في ثقافتنا ومناهجنا المدرسية   

 

كيف تجدِ أن العلاقة بين الطبيب ومريضه علاقة تمكين؟

 

بصفة عامة، المعرفة قوة. فعندما يأتي المرضى ليسألون عن سبب بعض الأعراض التي يعانون منها، أو إذا كانوا غير مدركين لخياراتهم المختلفة التي يمكنهم اتخاذها، فحقيقة أنني قادرة على مساعدة شخص ما أو تثقيفه بشأن جسده يعتبر أمرٌ داعم. وعندما تأتي إلي إحداهن بأقل قدر من المعرفة عن جسدها، وأكون قادرةً على تزويدها بكل المعلومات التي تحتاجها وجميع الخيارات التي يمكنها أن تتخذها، فإنني أمنحها الفرصة لتعرف كيف تتحكم بجسدها بصورة صحيحة. وبمجرد أن تقدم للمرأة المعلومات التي تحتاجها، فإنها تخرج من المستشفى شاعرة بالقوة والتمكن. وفي بعض الأحيان، يمكن أن يكون الأمر بسيطًا مثل السماح للمرأة بمعرفة الأنواع المختلفة لوسائل منع الحمل التي يمكن أن تأخذها، كما أنه لا توجد طريقة واحدة فقط لفعل شيء ما، وأن لهم الحق في اختيار الاتجاه الذي يرغبون أخذه، فإن امتلاك هذا الحق في اتخاذ القرارات بشأن جسدك هو في حد ذاته تمكين مهم تحتضن قطر أشخاص من جميع الخلفيات، ولحسن الحظ نشأت في منزل منغلق للغاية ولكن يتمتع بالعديد من الامتيازات. لا اعتقد انه يشترك الكثير من الأفراد معي في التنشئة المماثلة، ولذا أعتقد أنه يجب على المرء أن يتحمل المسؤولية بسبب الامتياز الممنوح له وأن يصنع منه شيئًا. ففي بعض النواحي، أشعر أن قرار أن أصبح طبيبة هو طريقتي في امتلاك الامتياز الذي حصلت عليه، ورد الجميل لمجتمعي. وتصبوا خلفيتك أيضًا إلى تكوين هالة من حولك حيث ينتهي بك الأمر إلى إحاطة نفسك بأشخاص من نفس تنشئتك، سواء كان ذلك أثناء المدرسة أو الجامعة وما إلى ذلك. فعلى سبيل المثال، في الشويفات كنت محاطةً بأشخاص يمكن لعائلاتهم تحمل تكاليف إرسالهم إلى مدرسة خاصة    

 

كيف كانت تجربتك في مركز سدرة للطب والبحوث؟

 

بعد أن أنهيت التدريب الطبي الخاص بالدراسات العليا، بدأت العمل في مؤسسة حمد الطبية. إنني أعتبر نفسي شخصًا مرنًا، ويسعدني تغيير أو تكييف طرقي في ممارسة الطب عند إعطائي سببا وجيها. فخلال الشهر الذي أمضيته في مستشفى النساء، شعرت وكأنني عالقة بوصفي المرأة التي تطرح الكثير من الأسئلة، وفي وقت ما، وصفني أحد الأطباء بـ "الأنثى القوية" أو "الأنثى ذات الشخصية القيادية" بطريقة استهزائية لأنني كنت متشبثة برأيي وصريحةً. وقد تُرجمت أفعالي، ربما من وجهة نظرهم، على أنني متسلطة أو عدوانية، وشعرت أنها لم تكن بيئة يمكنني الاندماج فيها بسهولة وعلى هذا النحو، قررت العمل في مركز سدرة بعد إكمال تدريبي. إن معظم الطاقم الطبي في مركز سدرة قد تلقي تدريبه علي يد الأجانب، وهو تدريب مشابه لما حصلت عليه من قبل، وشعرت أن هذه الفترة ستكون مرحلةً انتقالية أكثر سلاسة في مكان العمل بالنسبة لي. حتى الآن كانت تجربة جيدة بالنسبة لي. ولأكون واضحة، لا تزال هناك اختلافات في الأساليب التي نختارها لإجراء الجراحة، فعلى سبيل المثال، قد يختار الطبيب الذي حصل على تدريبه في ألمانيا أسلوبً مختلفًا عن الطبيب الذي تدرب في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكننا في كلتا الحالتين قادرين على العمل معًا بشكل جيد. وما جعل تجربتي أكثر ثراءً، هو ملاحظة كيفية عمل الأطباء من خلفيات تدريبية مختلفة. فهذا أيضًا أمر رائع أيضًا للمرضى، لأنني أحب إخبارهم بالمسارات المختلفة التي يمكنهم اتباعها اعتمادًا على الطبيب الذي يختارون العمل معه. وهذا أيضًا يمنح عملي مزيدًا من النزاهة، لأن ذلك يُظهر للمريض أن طريقتي في ممارسة الطب ليست هي الطريقة الوحيدة، ومهما كان ما يفضله المريض فهو ما سنمضي به حتما، بشرط أن تكون آمنة. ومع هذا، لا يعني ذلك عدم وجود صواب أو خطأ، فعالم الطب قائم على العلم في النهاية، فهذا يعني فقط أن هناك أكثر من طريقة لفعل شيء ما    

 

هل واجهتِ أي عقبات في رحلتك؟ 

 

بالفعل واجهت الكثير! عندما قررت لأول مرة دراسة الطب، كان الأشخاص الوحيدون الذين دعموني هم والديّ وجدي، لكن الباقيين كانوا يقولون أشياء من قبيل "لماذا تفعلين ذلك؟ ستضيعين حياتك"، " ستقضين كل وقتك في الدراسة ولن تنتهي منها أبدًا"، لذلك واجهت كثير من العقبات داخل عائلتي ولأكون صادقةً تمامًا، واجهت أيضًا عقبات عدة داخل نظام التعليم نفسه. فهناك بعض التحيز تجاه الطلبة القطريين، على سبيل المثال يمكن احتساب عدد الطلبة القطريين الذين تخرجوا معي من المدرسة الثانوية على أصابع اليد الواحدة، والباقي كانوا من غير القطريين. وحتى عندما بدأت الدراسة في جامعة كورنيل، كنت واحدةً من اثنين من الطلاب القطريين في دفعتي. وفي ذلك الوقت لم أكن مدركةً لهذا الأمر لأنني درست في مدرسة دولية حيث كنت محاطةً بطلبة من خلفيات مختلفة، لكني الآن أصبحت على دراية بالتحيز الخفي الذي واجهته في طريقي. فعلى سبيل المثال، لا يتوقع المعلمون أو الطلاب منك أن تظهر بأداء جيد كما يفعل الآخرون، كما أنهم لن يختاروك لقيادة أشياء معينة ربما لأنهم افترضوا أن الطلبة القطريين لا يريدون أو أنهم غير قادرين على تحمل المسؤولية. لن يقولها أحد في وجهك، ولكن يمكنك أن تستشعر الشخص ذو الأفكار المسبقة عن هويتك. علاوة على ذلك، يعتقد بعض الأشخاص أن كل القطريين يحصلون على كل شيء بسهولة. ففي حالتي، تمكنت من الحصول على منحة دراسية تلقائية للدراسة في جامعة كورنيل، لأنني اعتقدت في ذلك الوقت أن أي شخص قطري مهتم بدراسة الطب يمكنه الحصول على منحة، وأقر بأن هذا امتياز ولكنه لا يقلل من العمل الجاد الذي بذلته للقبول في جامعة كورنيل، بالإضافة للعمل الشاق الذي استُلزم مني القيام به للتقدم في مسيرتي المهنية كما واجهت بعض التحيزات حتى عندما ذهبت للتدريب في الولايات المتحدة الأمريكية. ولأكون منصفة، لم أعانِ من العنصرية الصريحة والعلنية التي تعرض لها بعض زملائي، لكن يبدو الأمر كما لو كنت أقلية في كل من بلدي وخارجها كما أنني أواجه تجارب مماثلة في مركز سدرة. في بادئ الأمر، عندما بدأت كنت أحد أصغر مستشاريّ المركز، لذلك كان يُنظر إلي على أنني عديمة الخبرة. ثانيًا، أنا مواطنة قطرية، لذا فهم يفترضون أني قد وصلت الي هذا المكان بسهولة. وهو شيء سمعته مرارًا وتكرارًا، وهو أن الناس يندهشون عندما يرون مواطنا قطريًا يعمل بجد   

 

ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟

لا توجد حدود، بإمكانك فعل ما تشائين؛ حتى إن الحواجز الاجتماعية لا يمكنها ولا ينبغي أن تعيق طريقك كونك امرأة. وإذا كنتِ تُقدًّرين نفسك حقًا بجانب إنجازاتك، فعليك أن تدركي أن بإمكانك فعل أي شيء تريدينه فقط كوني عنيدةً وصلدةً وأنت تحقيقين أهدافك، وطالما أنك لا تؤذين الآخرين وتقدمي منفعة أكبر، فسيحدث كل ما تسعين لتحقيقه     

 

  • كاتبة المقابلة: الجوهرة آل ثاني.
  • تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.
AR