نساء قطر

الشيخة د. دينا أحمد آل ثاني

أستاذ مشارك

ومديرة برامج متعددة التخصصات

في جامعة حمد بن خليفة

تُزهر قطر اليوم بنساء بارزات في المجال الأكاديمي والأبحاث، ومن هؤلاء الدكتورة دينا أحمد آل ثاني، الأستاذ المساعد في جامعة حمد بن خليفة، والتي تبذل قصارى جهدها في الحديث عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وتنادي بتصميم تكنولوجيا شاملة. فمن هي الدكتورة دينا أحمد آل ثاني؟ 

Dr. Dena Ahmed Al Thani

 أنا أستاذ مساعد، ومدير البرامج متعددة التخصصات في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة، وبدأت مسيرتي المهنية في عام 2004م بعد تخرجي من جامعة قطر بشهادة بكالوريوس في علوم الحاسب، والتحقتُ بالعمل في وزارة الخارجية كمطور أنظمة بعد تخرجي، وكنتُ على رأس عملي في الوزارة حتى عام 2008م، حين منحني المجلس الأعلى للتعليم (سابقًا) منحة دراسية لإكمال برنامج الماجستير في جامعة الملكة ماري في لندن في هندسة البرمجيات. وبعد تخرجي من برنامج الماجستير عملتُ في شركة كيوتل (أوريدو حاليًا) في منصب مدير أول للبوابة الإلكترونية ومنصات التكامل، وكنتُ حينها جزءًا من الفريق الذي أنشأ المتجر الإلكتروني لكيوتل، ولكني استقلتُ من عملي في كيوتل لمتابعة دراستي، وإكمال برنامج الدكتوراه، لأن شغفي كان دائمًا وأبدًا أن أعمل في المجال الأكاديمي، ولذا استقلتُ من عملي فور فوزي بمنحة دراسية من جامعة الملكة ماري في لندن. وخلال فترة إكمالي لبرنامج الدكتوراه، عملتُ كمساعد تدريس للمحاضرات العملية في الجامعة، وقد اجتزتُ برنامج الدكتوراه في عام 2016م، وحصلتُ على شهادة الدكتوراه في علوم الحاسب. أما اليوم، لا أعمل كأستاذة في الجامعة فحسب، فأنا باحثة شغوفة في مجال التصميم الشامل، والتيسير لذوي الاحتياجات الخاصة، وتصميم المنصات الإلكترونية للصحة، ولكن شغفي الأول والأكبر هو التدريس الذي أستمتع به كثيرًا.

 

  • كيف كانت رحلتكِ العلمية والمهنية إلى الآن؟

كما ذكرتُ سابقًا أن هدفي كان دائمًا وأبدًا أن أعمل في المجال الأكاديمي، ولذا كل أعمالي السابقة في أي مجال آخر كانت وظائف مؤقتة بالنسبة لي، ولكن طريق الحصول على شهادة الدكتوراه ليس سهلاً، فأولاً يجب عليك إكمال برنامج الماجستير الذي يمتد لسنتين، ويمكنك فقط أن تتقدم بطلب الالتحاق ببرنامج الدكتوراه بعد الماجستير، والآخر يمتد لأربع سنوات، وكل برنامج منهما له تحدياته الخاصة، كما أن الحصول على شهادة الدكتوراه لا يضمن الحصول على وظيفة أكاديمية، ولكن مع علمي بكل الصعوبات التي قد أواجهها، إلا أن رغبتي لأكون معلمة كانت أكبر من ذلك، فرغم حبي الشديد لمهنة المعلم إلا أن من حولي لم يكن يشجعني عليها، فلديّ أختين كلتاهما معلمة، ومع ذلك لم تشجعانني على التدريس، لأنها مهنة تتطلب الكثير فالمعلم يقضي الكثير من وقته استعدادًا للصف أو المحاضرة، ثم يقوم بعمله خلال وقت الحصة، وبالتالي يتوجب على المعلم العمل ساعات إضافية خارج أوقات العمل، حتى يشرح لطلابه، ويساعدهم بأفضل صورة ممكنة، وحتى بعد التحاقي بالعمل في وزارة الخارجية، إلا أن شغفي بالتدريس ظل يلازمني، ولذا عند التحاقي بجامعة الملكة ماري بلندن في برنامج الماجستير، عرضتُ على مشرفي حينها أن أساعده في التدريس، حتى يتسنى لي تجربة الوظيفة، وحينها وقعتُ في حب التدريس أكثر وأكثر، وما زال هذا الحب للتدريس يعيش فيني، بالإضافة إلى ذلك، كنتُ أخطط دائمًا أن أسعى لإكمال دراستي بعد البكالوريوس، خاصة أنني كنتُ طالبة ذكية، وأحب التعلم والدارسة، لدرجة أنني لن أمانع الحصول على شهادة دكتواره أخرى، والحمدلله أنني استطعتُ الحصول على وظيفة في المجال الأكاديمي، وأرى أن كوني الأستاذة دينا وتعليم الطلاب في الجامعة أكثر وظيفة تناسبني.

 

  • هل كنتِ مهتمة دائمًا بموضوع تيسير الوصول والدمج؟ 

بدأتُ أهتم بمجال التيسير والدمج خلال دراستي للماجستير في جامعة الملكة ماري، فحينها كان أحد أساتذتنا لديه إعاقة بصرية، ولكننا – كطلاب - لم ننتبه إلى ذلك، لأنه كان يؤدي وظيفته دون أي مشاكل، كما أنه كان يدرسنا إحدى المواد الأكثر تعقيدًا في البرمجة، ولكننا لم ننتبه إلى إعاقته البصرية إلا بعد مرور ثلاثة أسابيع من بدء الفصل، ودفعتني هذه الحادثة إلى الفضول عن طريقة استخدامه للتكنولوجيا، وكيف يتم التعديل على التكنولوجيا المتوفرة له حتى تناسبه، فتواصلتُ معه، وأبديتُ اهتمامي بموضوع التيسير، وقد كان هو بنفسه مهتمًا بالموضوع، وكان باحثًا فيه، وهكذا بدأتُ أعمل معه، حتى أنه كان مشرفي لبحث الماجستير، وفيما بعد كان مشرفي لبحث الدكتوراه. واليوم كأستاذ مساعد ما زلتُ مهتمة بمجال تيسير الوصول ودمج ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن أمثلة ذلك أنني اقترحتُ على الجامعة تصميم وطرح مادة عن التيسير لطلاب البكالوريوس، وتم طرح المادة هذا الفصل لأول مرة، وقد كنتُ المسؤولة عن تصميم المادة وطريقة عرضها وتدريسها للطلاب، واستطعنا في فصل ربيع 2022م طرح مادة مخصصة للتيسير في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال، والحمدلله حظيت المادة باهتمام الطلاب، وتصميم المادة لم يكن صعبًا، لأنه كان من ضمن مجال اهتماماتي، وقد ساعدني مركز مدى للتكنولوجيا المساعدة في تصميم محتوى المادة، كما ساعدني على الحصول على الموارد اللازمة، وقد صمم مركز مدى إطار عمل لتدريس موضوع التيسير، والذي قد قمتُ بتبنيه عندي تصميمي للمادة، وبيني وبين مركز مدى علاقة عمل قديمة وطويلة، فأعمل معهم كاستشارية في مختلف المشاريع، ويعد المركز من أهم المصادر التي تهتم بالتصميم الشامل والتكنولوجيا المساعدة، كما يوفر المركز أي دعم لازم لتدريس هذه المواضيع، وقد وقّعت جامعة حمد بن خليفة اتفاقية مع المركز للتعاون وكان تصميم المادة وطرحها للطلاب جزء من اتفاقية التعاون. وما يهمني كمعلمة هو أن أشجع طلابي على توسيع مداركهم في الحياة، وعلى توسيع فهمهم لمختلف الجماهير التي تستخدم التكنولوجيا، فقد جرت العادة أن تصمم التكنولوجيا للجمهور "النموذجي"، ولكني أشجع طلابي على التفكير بمن هم خارج تلك الدائرة، وأشجعهم على تصميم تكنولوجيا تدعم دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع ومكان العمل، وأؤمن أنه من المهم جدًا أن نناقش مثل هذه المواضيع حين نتحدث عن حقوق الإنسان، وعن توفير فرص عادلة للجميع.

 

  • حدثينا أكثر عن بحثكِ في الدكتوراه.

هدف مشروع بحثي للدكتوراه كان البحث عن الطرق المختلفة التي يمكننا من خلالها استخدام التكنولوجيا لدمج ذوي الإعاقات البصرية في مكان العمل، حتى لو كانت التكنولوجيا المتوفرة حاليًا لا تناسبهم، وكجزء من مشروع البحث قمتُ بزيارة الكثير من أماكن العمل لمراقبة الطريقة التي يعمل بها ذوي الإعاقات البصرية، وذلك من ناحية المهام التي تعطى لهم، وإذا ما كانت بيئة العمل مهيئة لتلائم احتياجاتهم، ومناسبة لمهاراتهم الفردية، ليتمكنوا من أداء عملهم بأفضل طريقة ممكنة، وكانت هذه هي المرحلة الأولى من بحثي، أما المرحلة الثانية فتضمنت تصميم واجهة مستخدم للبحث عن المعلومات، فتعمل الواجهة مثل متصفح غوغل، إلا أننا صممنا الواجهة لتبحث عن المعلومات، وتخزنها بشكل يلائم احتياجات ضعاف البصرية، وبعد التصميم وضعتُ واجهة المستخدم تحت التجربة في بيئة عمل حقيقية، وقمتُ بدراسة رصدية لاستخدام الأفراد من ضعاف البصر للواجهة، والتواصل من خلالها مع زملائهم في العمل، وكان هدفنا في تلك المرحلة هو دراسة مدى فعالية الواجهة في دعم الأفراد من ذوي الإعاقات البصرية لأداء عملهم، ومدى فعاليتها في دعم دمجهم في مكان العمل إنه من المهم جدًا أن نسلط الضوء، وأن نناقش الفجوة الموجودة في التكنولوجيا المتوفرة حاليًا، لأنها لا تراعي ذوي الاحتياجات الخاصة، فمثلما يساعدنا التكنولوجيا في حياتنا اليومية، فإن عدم وجود تكنولوجيا مناسبة لذوي الاحتياجات الخاصة يؤثر على طريقة أدائهم لعملهم، أو أنه يعزلهم من بيئة العمل بشكل كامل تمامًا، والمشكلة الحالية أن التكنولوجيا كانت تصمم للجماهير "العادية"، وعندما يستخدمها ذوي الاحتياجات الخاصة، مثل المكفوفين، قد يولد فيهم اليأس والإحباط، لأن التكنولوجيا لا تراعي احتياجاتهم، وهذا لا يعني أي نقص في الأفراد، بل هو نقص في التكنولوجيا المتوفرة، وخلل في تصميمها ومن أكبر الأمثلة على هذه المشكلة هو ما حدث خلال جائحة كورونا، فبسبب الجائحة تحولت معظم الخدمات والمؤسسات إلى تقديم خدماتها إلكترونيًا، ولكن المواقع الإلكترونية التي تم تصميمها لم تتوافق مع احتياجات كبار السن، وبالتالي أصبح لدينا شريحة كبيرة من المجتمع التي لا يمكنها استخدام تلك المواقع والاستفادة منها، وقد حاولنا – أنا ومركز مدى - أن نبحث في هذا الموضوع، وشاركنا فيه مركز إحسان، ويهدف البحث إلى مناقشة ما يفتقر إليه التكنولوجيا الحالية لتتلائم مع كبار السن، وقد قمنا بمقابلة 40 شخصًا من كبار السن العرب، وبإذن الله سيتم نشر النتائج قريبًا. وقد شهدت قطر في الآونة الأخيرة اهتمامًا متزايدًا بتيسير الوصول والدمج والتكنولوجيا المساعدة، لكن يوجد فرق كبير بين ما شاهدته في هذه النواحي داخل قطر وخارجها، والفرق الأكبر هو أن دولة قطر لم تضع التشريعات التي تفرض على جميع المؤسسات مراعاة هذه الأمور، صحيح أن الدولة وضعت سياسة سهولة النفاذ الرقمي ومنالية الويب في عام 2011م، إلا أن السياسة لم تفرض على جميع المؤسسات، وأعتقد أننا إذا استطعنا فرض اللوائح والقوانين المتعلقة بدمج ذوي الاحتياجات الخاصة والتيسير، فإن الاهتمام بالأبحاث المتعلقة بتلك المواضيع ستزيد، وبالتالي ستشجع على تصميم تكنولوجيا مساعدة بشكل أفضل وأسرع، فمثلاً، البرامج التي يستخدمها الأفراد من ذوي الإعاقات البصرية لا تدعم اللغة العربية، وهذا راجع إلى مشكلة في تصميم تلك البرامج، وهي مشكلة تحتاج إلى نقاش والبحث عن الحلول، إلا أننا لا يمكننا أن نشجع ذلك، وأن نرى المؤسسات تتحرك باتجاه ذلك، إلا إذا قامت الدولة بوضع القوانين وفرضها، وقد قمتُ بأبحاث كثيرة في هذه المجالات، كما أن أحد طلابي في برنامج الدكتوراه بَحَث في دمج المكفوفين في البيئة ذات المجموعات.

 

  • هل واجهتِ أي تحديات في رحلتك؟ 

 كانت أكبر تحدي واجهتها في بداية رحلتي هي حصولي على الدعم المادي والمنحة، ففي ذلك الوقت كان يشترط على الشخص أن يعمل ما لا يقل عن سنتين في القطاع الحكومي ليكون مؤهلاً للتقديم على منحة دراسية، وقد تختلف الشروط الآن، إلا أن التقديم على منحة لا يضمن الحصول عليها، وقد حاولتُ حينها التقديم على منحة لإكمال دراستي في أي مؤسسة سمعتُ أنها تقدم منح دراسية، ولكن في النهاية، وبفضل الله، حصلتُ على منحة للدكتوراه من جامعة الملكة ماري في لندن. كما أن رحلة الدكتوراه كانت مليئة بتحديات من نوع مختلف، ففي البداية يجب على الطالب إعداد مقترح لبحثه في غصون ثلاثة أشهر، وقد واجهتُ بعض الصعوبات في الاستقرار على موضوع البحث، وبرنامج الدكتوراه يتميز بمواعيد تسليم صارمة، والتي يجب على الطالب أن يضعها نصب عينيه، وأن يتقيد بها، وللحصول على الشهادة بعد إكمال البحث، يجب على الطالب أن ينشره في مجلة علمية مرموقة، وهذه مرحلة صعبة بحد ذاتها، لأن العمل النهائي يقيّم دون معرفة صاحب العمل، وبالتالي يكون البحث واللغة المستخدمة فيه تحت المجهر بناء على نفس المعايير والمتطلبات التي يواجهها الطالب الذي يتحدث الإنجليزية كلغته الأم، وبالتالي لا يراعي التقييم أية صعوبات قد يواجهها الطالب الأجنبي، ويتم التقييم باعتبار أن اللغة الأم هي الإنجليزية بالإضافة إلى كل ما سبق، كوني امرأة شكّل تحديًا آخرًا، فليس من السهل على النساء أن ينجحن في مجال العلوم، سواء في قطر أو في خارجه، وحتى لو كانت القوانين والتشريعات لا تميز النساء، ولا تفرق بين النساء والرجال، إلا أن بعض الناس قد تكون متحيزة ضد النساء، وعمومًا تواجه النساء تحديات مختلفة، لأنه يتطلب منها إثبات قدراتها في المجالات العلمية، ولا يتطلب هذا من الرجل، كما أن كوني امرأة مسلمة خلق تحديات وصعوبات عندما كنتُ أدرس في بلد غير مسلم، ولا يعني هذا أن تشريعات الدولة عنصرية، ولكن القوانين غير العادلة لا تعني أن الناس لن تكون عنصرية، وأعتقد أنه من المسلم أن نتوقع منهم بعض التعليقات المبطنة بالعنصرية، ولكن بالنسبة لي لم أكن أهتم بتلك التعليقات، فالشخص يجب عليه أن يتطلع إلى ما هو أبعد من التعليقات العنصرية، وأن يمضي لتحقيق أهدافه.

 

  • ما هو الإنجاز الذي تفخرين به؟

 أكبر إنجازاتي هو نجاح طلابي في مرحلة الدكتوراه، وعندما أكون شاهدة على لحظة تتويجهم بلقب دكتور، ولحظة نشرهم لبحثهم في مجلات علمية مرموقة، وهذه اللحظات هي أثمن اللحظات في حياتي . 

 

  • ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟

مارسي ما تحبينه، ولا تدعي أي شخص أو حدث أن يوقف مسيرتكِ نحو أحلامكِ، أو أن يقتل شغفكِ. 

 

مقابلات ذات صلة

فاطمة أحمد

Published 30/05/2023

  • جميع الصور تم مشاركتها معنا من قبل صاحبة المقابلة، وإن اختلف المصدر سيتم الإشارة إليه.
  • تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.
AR
Scroll to Top