كلثم المطاوعة

لاعبة تايكوندو

لا يخفى على أحد طموح دولة قطر في مجال الرياضة، فهذا أمر جلي في جهودها لاستضافة بطولات رياضية عالمية، كما يبرز هذا الاهتمام في التشجيع والدعم الذي يتلقاه اللاعب القطري، أما الاهتمام برياضة المرأة تحديداً، فقد زاد في السنوات الأخيرة، فشهدنا تأسيس لجنة رياضة المرأة القطرية عام 2000 م، ولكن حتى مع هذا الناجح الباهر والاهتمام العظيم بالنساء، إلا أن رياضات المرأة تظل بحاجة إلى مزيد من الجهد، وحتى في الأنواع المختلفة من الرياضات التي تحترفها المرأة القطرية، وحاليًا، هناك رياضات - ذات شعبية أقل - تكاد تخلو من أي لاعبة، ومن هذه الرياضات رياضة التايكوندو، وفي هذه المقابلة، نسلط الضوء على رحلة بطلة الأدعم في التايكوندو كلثم مبارك المطاوعة، ، فمن هي كلثم المطاوعة؟

 

Kaltham Al-Mutawa

أنا لاعبة منتخب قطر للتايكوندو في وزن تحت 49 كيلو، وكنت أعشق الرياضة بأنواعها المختلفة منذ صغري، فكنتُ أبحث عن أي رياضة أسمع عنها، وعن أماكن للتدريب، وأمارس أي رياضة أجد في نفسي القدرة والإمكانيات لممارستها، كما أنني كنتُ نشطة مع الفِرَق المدرسية الرياضية، فاشتركتُ معهم في رياضة الجمباز والكاراتيه، لكنني في النهاية قررتُ أن احترف في رياضة التايكوندو.  

 

ما الذي شجعكِ لاحتراف رياضة التايكوندو؟

قرار الاحتراف في التايكوندو أتى نتيجة ممارستي للكاراتيه، كما صدف أن حدثتني إحدى صديقاتي التي تلعب التايكوندو عنه، وشجعتني لتجربته، والاشتراك معهم في النادي، وذلك لحاجة الفريق إلى لاعبات، ولكوني أحب تجربة مختلف الرياضات رأيت أنه لا مانع من تجربة التايكوندو، خاصة أنني كنت صغيرة العمر، وقليلة التجربة في الكاراتيه، فلم أكن متعلقة به، ولكني عندما بدأت التمرن ولعب التايكوندو شعرت بالانتماء لهذه الرياضة القتالية، وهكذا بدأت رحلتي مع التايكوندو في عام 2006 م، والحمد لله توفقت في هذه الرياضة، ومستمرة فيها إلى الآن.  

 

كم عدد البطولات التي شاركتِ فيها خلال مسيرتكِ الرياضية على مدار 15 سنة؟

شاركتُ في عدة معسكرات وبطولات خارجية وداخلية والتي مثلت فيها دولة قطر، فشاركتُ في معسكر كازاخستان والخليج، وبعض الدول العربية كالأردن ومصر، أما البطولات فقد لعبتُ في بطولة الخليج، والحمد لله، كنت موفقة دائماً في هذه البطولة، واحصل على الميدالية الذهبية، كما شاركتُ في بطولة آسيا وبطولة العالم، والتي حققتُ فيها مركزاً جيداً على المستوى العالمي.  

 

حدثينا عن تجربة مميزة مررت بها خلال مسيرتك.

 في نظري، كل البطولات التي شاركتُ فيها كانت مميزة، وكل واحدة منها تركت فيني بصمتها الخاصة، فمثلاً، عندما كنتُ أقل خبرة في هذه الرياضة، كنتُ أعتقد أن دوري كلاعبة ينتهي مع انتهاء المباراة الخاصة فيني، ولكن مع الوقت والنضج ومع النصيحة المستمرة من مدربتي، بدأتُ أحضر وأشاهد المباريات الأخرى، حتى التي لا تخص فئتي، فأحلل هذه المباريات وأتعلم منها، وهذه الطريقة اكسبتني خبرة كبيرة أثرت وحسنت من أدائي ومهاراتي كثيراً.  

 

كيف كانت تجربتكِ مع الاحتراف والدراسة في نفس الوقت؟

 كنتُ ألعب وأدرس في نفس الوقت عندما كنتُ في المرحلة الثانوية، ولم أواجه أي مشاكل في التوازن بينهما، ولكن الوضع اختلف بعد تخرجي من الثانوية مما أدى إلى عدم إكمال دراستي الجامعية، فكانت هناك عوائق تحول دون ذلك، فمثلاً، إحدى العوائق كانت حصولي على إجازة من الجامعة للسفر لتمثيل الدولة، فللحصول على هذه الإجازة كان يتطلب مني إحضار كتاب يوثق ذلك، ومثل هذه الأمور تتطلب الكثير من الجهد والوقت، لدرجة أننا كنا نضطر إلى إلغاء المشاركة في بعض البطولات، وللأسف، صعوبة الموضوع أجبرتني على الاختيار ما بين الرياضة وإكمال الدراسة، فاخترت الرياضة لأن موهبتي وخبرتي الكبيرة فيها، بالإضافة إلى حبي لها، كلها أمور كانت تدفعني إلى بذل الجهد، والذي في النهاية سيؤهلني للمشاركة في البطولات العالمية، وتمثيل دولتي قطر، والفوز بالميداليات لأجلها، ومن هذه البطولات بطولة آسيا كما واجهتُ صعوبة أخرى مع التخصص الذي أريده، فقد حاولتُ أن ألتحق ببرنامج التربية البدنية التابع لجامعة قطر، لكنني تفاجأت بعدم اهتمامهم بكوني رياضية ولاعبة خبيرة، وهذه المحاولة كانت في عام 2008 م، وقد أحبطتُ بسبب عدم اهتمامهم، بالإضافة إلى ظروف أخرى أجبرتني أن أتوقف عن الدراسة. وبعدها التحقتُ بكلية المجتمع بعد أن أقفلت جامعة قطر برنامج التربية البدنية، ولكنها عادت وفتحت القبول في البرنامج عام 2018 م، فلم أكمل في كلية المجتمع، وتركتها بعد التحاقي بها بفترة قصيرة، وحولتُ لجامعة قطر، ومازلتُ أحاول أن أكمل دراستي في التربية البدنية، لأنني أراه أنسب برنامج لي، لكن العوائق الأخرى ما زالت موجودة ومسببة للإحباط، لكنني مصممة على إكمال دراستي، وأتمنى أن تكون هذه المرة أفضل من قبل، وتتفهم الجامعة وتراعي موهبتي وخبرتي الرياضية.  

 

هل واجهتِ أي تحديات في رحلتك؟

إحدى الصعوبات التي تواجهها رياضة التايكوندو في قطر هو نقص اللاعبات، فلعبة التايكوندو لعبة قتالية بها 7 أوزان، ولكن نقص اللاعبات يقلل من فرص التدريب والاحتكاك ببعضنا البعض، فأنا لا أجد لاعبة في الوزن الذي ألعب فيه لأتدرب معها، وإذا تدربتُ مع لاعبة من وزن أقل لن يكون هناك أي تحدي لقدراتي، وهذا قد يؤدي إلى عدم تطور مهاراتنا، وهذا يبدو واضحاً عند الاشتراك في البطولات، فنجد اللاعبات من دول أخرى يدخلن المباراة بكل ثقة في مهاراتهن المكتسبة بسبب الاحتكاك، ولكني حاولتُ معالجة هذا النقص، والتقليل من تأثيره عن طريق التدريب مع زملائي الشباب، فلدينا لاعبين في فئات مختلفة، ولديهم مهارات عالية اكتسبوها من الاحتكاك واللعب في البطولات، وكل هذه الأمور شكلت تحدي لي مما يدفعني للتعلم والتحسن، كما أن البطولات التي اشتركتُ فيها أكسبتني خبرة، والحمد لله، كل هذه الممارسات صقلت موهبتي، والتدريب وصلني لمستواي الحالي لكن أود أن أوضح أن نقص اللاعبات له أسباب عديدة، ومنها أن بعض اللاعبات اضطررن إلى ترك التايكوندو بسبب ظروف الدراسة أو العمل، وأحياناً بسبب الضغط من الأهل ونظرة المجتمع، وأنا شخصيا لم أواجه الكثير من المتاعب مع أهلي، لأقنعهم بما يخص مهنتي الرياضية من سفر أو غيره، فالحمد لله عائلتي متفهمة، وفي نفس الوقت يهمها سلامتي وصحتي، فهم على معرفة بالطاقم الذي يعمل ويسافر معي، خاصة أمي.  

 

برأيك، هل هناك اقبال من النساء لرياضة التايكوندو؟

أنا دائما أشجع الفتيات، وأحدثهن عن التايكوندو وفوائده، والبعض شديد الاهتمام بما أفعل، فأحيانا أتلقى اتصالات من عائلات بعض الفتيات يستفسرون عن تجربتي، وعن الفريق الذي أعمل معه، ومثل هذه الأمور، ولكن مشكلتنا في العادات والتقاليد التي قد تقيد بعض الفتيات، فيرفض الأهل تركهن للسفر وغيره، أو يرفضون دخول المرأة في مجالات رياضية بها قتال، ويرونه مجال يناسب الرجال فقط، والبعض لديه انطباعات خاطئة عن الرياضة وطريقة تدريبنا، فيعتقدون أننا نتدرب دائماً مع الشباب، والحقيقة أننا فريقين مختلفين لا نختلط معاً في مكان التدريب، فلديهم مدربهم الخاص بهم، ولا نتعامل معهم إلا نادرًا.  

 

هل مررتِ بتجربة سلبية تركت فيكِ أثرًا خلال مسيركِ الرياضية؟

أعتقد أن كل التجارب يمكنها أن تكون إيجابية إذا ما تعلمنا منها، ولكن التجربة الوحيدة التي أثرت فيني بشكل سلبي جداً، لدرجة أنني توقفت عن اللعب، هو إصابتي بتمزق عضلي خلال تحضيري لتصفيات تؤهلني للمشاركة في الأولمبياد المقامة في البرازيل، فخلال المباراة وحتى مع علمي بأنني قد أكون مصابة، إلا أنني لم أرد إيقاف المباراة والانسحاب، فأنا أفضل الاستمرار واللعب، حتى لو خسرت في النهاية، فتابعت اللعب في المباراة، ومع كل ضربة كان يزداد التمزق، وتزداد حدة الإصابة، مما دفع مدربي إلى سحبي من المباراة، خوفاً من تدهور الإصابة أكثر، فسلامة اللاعب لها الأولوية لكن الإصابة والانسحاب أثرا بشكل كبير على نفسيتي، بالإضافة إلى العملية التي اضطررت إلى القيام بها، وتوقفي عن اللعب لحين الشفاء، كنت مرهقة نفسياً لأن التجربة زرعت فيني الخوف، فكنتُ أخشى أن المجتمع ينظر إلي بنظرة سلبية لأنني انسحبت، كما كنتُ شديدة الخوف من التعرض لنفس الإصابة مرة أخرى، وحتى خلال التمارين والتدريب مع غيري، كنتُ شديدة الحرص على سلامتهم، طبعاً، من المهم أن نحرص على سلامتنا وسلامة غيرنا، لكن المشكلة أنني كنتُ في حالة خوف دائم ومستمر، ولكن بعد سنة من العلاج المستمر نصحتني أخصائية العلاج الطبيعي المشرفة على حالتي بعدم التسرع والرجوع للمنافسة حتى أتمكن من الشفاء الكامل ، لكنني عقدت العزم على عدم التوقف، لأن التوقف سيكون بمثابة الاستسلام، وسيكبر الخوف فيني، وكنت أعلم أنني لو تركتِ هذا الخوف يسيطر علي، فلن أتوقف عن اللعب فقط، بل لن أرجع نفس الشخص الذي كنت عليه قبل الإصابة فعدتُ لتدريباتي، ولأكسر خوفي اشتركتُ في بطولة الخليج لرياضة المرأة، وحققتُ فيها المركز الثاني، لكن الأهم أنني كسرتُ حاجز الخوف، ويمكنني القول بثقة أنني مازلتُ في الصدارة، فحتى لو أدت الإصابة إلى تراجعي خطوة، فهذا لا يعني التوقف أو الخسارة. وما ضايقني أيضاً خلال تلك الفترة هو أن الأغلب من حولي عارض فكرة رجوعي إلى اللعب، ولم أتلق منهم أي تشجيع، لكن خوفي الأكبر كان من ردة فعل أمي، فأنا لم أكن أريدها أن تعارض الفكرة أيضاً، لكنها كأي أم حنونة، شجعتني ونصحتني بأن أنتبه على نفسي. والحمد لله، مع مرور الوقت والتجارب، تصالحتُ مع هذا الحدث، فلو أنني تابعتُ اللعب يومها في المباراة، لربما انتهيتُ بإصابة قد تسبب لي إعاقة دائمة، لكن الإصابات واردة وشائعة جداً في مجال رياضة التايكوندو، فاللاعب الذي يبدأ التمرين أو المباراة بدون تمارين إحماء، أو يفقد تركيزه، قد يتعرض للإصابة.

 

ما هي الدروس التي تعلمتيها من ممارستك للرياضة؟

ممارسة الرياضة كانت لها أثر كبير في تهذيب شخصيتي، فقد كنتُ شخص متسرع، ولكن مع ممارسة الرياضة، أصبحتُ أكثر تفكيراً وأقل تهوراً، فأفكر قبل أي قرار أو خطوة، وحتى ردود أفعالي أصبحت مدروسة، ورياضة التايكوندو غيرت في شخصيتي الكثير، وأعطتني تحكم كبير على انفعالاتي، فأصبحت أكثر صبراً، وأقل عصبية، فحين نتلقى ضربات متتالية من الخصم قد يؤدي ذلك إلى الانزعاج، فنندفع إلى الضرب دون تركيز، ولكن تعليمات المدرب تدفعنا للتأني والتفكير، ومع الوقت، يصبح هذا التأني والصبر هو الطريقة التي نتبعها، وهذا التغيير والتحسن في الشخصية أمر أناقشه مع غيري أيضاً، فمثلاً، حين أمثّل رياضة التايكوندو في اليوم الرياضي، تأتينا بعض الأمهات ويسألن ما إذا كانت لعبة التايكوندو تفيد أطفالهم في التغلب على تشتت الأفكار وعدم التركيز، فالجواب يكون دائماً: نعم، لأن رياضة التايكوندو تتطلب الحفاظ على تركيز عالي وقوة انتباه وسرعة رد الفعل تحت الضغط الشديد، وبالتالي مع ممارسة التايكوندو يتحسن التركيز بشكل كبير جداً.

ما هي نصيحتك للنساء في قطر؟

 اسعي لما تحبين رغم أنف المصاعب، ولا تتوقفن أبداً في هذا السعي، فأنا وبالرغم من إصابتي البليغة، تجاوزت الألم والصدمة التي حلت بي، وأجبرت نفسي على المواصلة في اللعب وذلك لرغبتي الشديدة في رفع اسم دولة قطر.

 

مقابلات مشابهة

عبير حسن بوحليقة

نتحدث في هذه المقابلة إلى المهندسة عبير حسن أبو حليقة، التي حلمت بتغيير واقعها، وصنع مستقبل أفضل لمهندسات قطر، فسعت إلى تحقيق حلمها حتى أصبح واقعًا.

إقرأ المزيد
Fatma Mohammed Al-Shebani

فاطمة محمد الشيباني

في هذه المقابلة نسلط الضوء على إحدى هذه الرحلات والمتمثلة في الفنانة الفريدة فاطمة محمد الشيباني، لتحكي لنا عن قصة نجاحها كفنانة تحدت الواقع في قطر حتى وصلت لفلسطين.

إقرأ المزيد

فاطمة أحمد

  • جميع الصور تم مشاركتها معنا من قبل صاحبة المقابلة، وإن اختلف المصدر سيتم الإشارة إليه.
  • تم تحرير المقابلة للوضوح والترتيب.
AR
Scroll to Top